ما دام في حكم المؤكد ان لبنان سيدخل من السبت المقبل الى نهاية الشهر الحالي مرحلة اقفال عام شاملة وجديدة سعيا الى إعادة السيطرة على الانتشار الوبائي لفيروس كورونا المتسع على نطاق بالغ الخطورة، فان ذلك يعني ان البلاد ستكون على موعد مزدوج مع اقفال عام واسع من جهة، وإنسداد سياسي تصاعدي هو اقرب الى ازمة مفتوحة باتت تهدد عملية تشكيل الحكومة برمتها. فقد بدا واضحا ان التقديرات التي توقعت زيادة التعقيدات في طريق تأليف الحكومة عقب فرض العقوبات الأميركية على رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل كانت في محلها، اذ اكدت المعطيات المتوافرة عن مسار تأليف الحكومة ان المراوحة لا تزال تطبع هذا المسار بدليل ان رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري زار سرا عصر امس قصر بعبدا واجتمع برئيس الجمهورية ميشال عون ولم تكشف المعطيات عن اللقاء أي تبديل في المشهد الملبد والانسداد الحاصل في مسار التأليف. وأصدر المكتب الإعلامي في رئاسة الجمهورية مساء بيانا عن لقاء عون والحريري لفت فيه غياب اي وصف إيجابي للبحث كما كان درج على ان يفعل .
واكتفى البيان بان الرئيس عون استكمل مع الرئيس المكلف درس الملف الحكومي . بل ان ما اثار المخاوف المتزايدة على عملية تشكيل الحكومة كلا المعطيات التي تؤكد عودة البحث الى نقطة البدايات بعدما كانت لقاءات عون والحريري قطعت شوطا كبيرا في التوافق على الأسس والركائز المتصلة بتركيبة الحكومة. وبدأ البحث يتوغل في التفاصيل فكانت صدمة إعادة كل شيء الى الوراء. وهذا ما يفسر التغريدة اللافتة لممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش امس الذي حض على استعجال تشكيل الحكومة “تأسيسا على الاتفاقات التي جرى التفاهم في شأنها بين الرئيس ميشال عون ورئيس الوزراء المكلف سعد الحريري في ما يتعلق بشكل الحكومة وتوزيع حقائبها”. كما ترددت معلومات عن احتمال ايفاد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون موفدا الى بيروت للمساعدة على تجاوز التعقيدات التي تعترض تشكيل الحكومة.
وتزامن ذلك مع معلومات تؤكد ان المشاورات الحكومية تراوح مجددا عند حجم الحكومة وتوزيع الحقائب بعدما سقط موضوع المداورة في الحقائب السيادية وانتقل التباين الى حقائب الخدمات. ولكن الشكوك في أي تقدم وشيك في مسار التاليف سابقت الآمال المعلقة على تجاوز التعقيدات خصوصا مع تصاعد تداعيات العقوبات على باسيل ورفع سقوف الاشتراطات الجديدة القديمة في وجه الحريري كما برز في المؤتمر الصحافي الذي عقده باسيل الاحد للرد على العقوبات. وترصد القوى السياسية غدا مضمون الكلمة التي سيلقيها الأمين العام لـ”حزب الله ” السيد حسن نصرالله لمناسبة “يوم الشهيد” والتي ينتظر ان يتطرق فيها الى موضوع العقوبات على باسيل وموقف الحزب منها ومن العلاقة التحالفية مع “التيار الوطني الحر” اذ ينتظر ان يعلن موقفا وصف بانه سيكون متشددا في التضامن مع باسيل شخصيا وسياسيا بما ينعكس بطبيعة الحال على دعمه في شروطه ومطالبه من تأليف الحكومة.
شيا ترد
ولعل التطور البارز الاخر المتصل بالعقوبات تمثل في الرد الذي أصدرته السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا على مؤتمر باسيل والذي تميز بكشفها ان باسيل نفسه “اعرب عن الاستعداد للانفصال عن “حزب الله ” بشروط معينة وأعرب عن امتنانه لان الولايات المتحدة جعلته يرى كيف ان العلاقة هي غير مؤاتية للتيار الوطني الحر”. وشددت شيا على ان العقوبات على باسيل “هي على فرد وليست على حزب وان الولايات المتحدة لا تقوم بمعاقبة او تدمير التيار الوطني الحر”. ورحبت برغبة باسيل في الطعن في العقوبات امام محكمة قانونية في الولايات المتحدة مشددة على نفي أي ارتباط للقرار بالانتخابات الأميركية. وأكدت ان “حقيقة كون تسمية السيد باسيل قد جاءت في هذا الوقت بموجب قانون ماغنيتسكي العالمي لا يعني انه هو او أي شخص اخر لن يكون ممكنا تسميته بموجب عقوبات أخرى في وقت لاحق”.
ورد المكتب الإعلامي لباسيل على السفيرة الأميركية معتبرا انها أعطت برهانا على انه لا توجد اثباتات على الاتهامات الموجهة الى باسيل في الفساد بإعلانها ان المعلومات التي تم الاستناد اليها غير قابلة للنشر وقال انه “اذا كانت السياسة الأميركية فشلت حتى الآن في فك التفاهم بين التيار والحزب رغم كل التهديد والترغيب فان محاولة دق الإسفين بينهما من خلال بيان اعلامي هي محاولة ظريفة لكنها لن تنجح “.
الاقفال العام
الى ذلك وفي حين لا يزال وباء كورونا يتمدّد في شكل خطير في مختلف المناطق اللبنانية، حيث يسجّل عدّاد الإصابات اليومي أرقاماً قياسية، إلى امتلاء المستشفيات بمرضى الفيروس، ومن بينهم مئات العاملين في القطاع الصحي من أطباء وممرضين وممرضات، فرض الواقع على الدولة اللجوء إلى خيار الإقفال العام للبلد بكل قطاعاته باستثناء المطار، وذلك لاحتواء التفشي السريع لوباء كورونا، لكن القرار النهائي يٌفترض أن يصدر اليوم عقب اجتماع المجلس الأعلى للدفاع في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية على رغم أن بعض أعضاء لجنة كورونا الوزارية لم يوافقوا على الإقفال، من دون خطة عامة تسّهل الأمور للمواطنين.
وعشية اجتماع المجلس الأعلى للدفاع اجتمعت اللجنة الوزارية لمتابعة أزمة وباء الكورونا برئاسة رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب في السرايا، وناقشت توصيات اللجنة العلمية واتفقت بحسب المعلومات على توصية الاقفال العام بدءاً من صباح السبت المقبل 14 تشرين الثاني حتى الاثنين 30 منه، فيما مطار بيروت الدولي يستثنى من الإقفال، إلى استثناءات أخرى سيقررها المجلس اليوم.
وقال وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن بعد اجتماع اللجنة إنّ “الاقفال لمدة اسبوعين هو امر منطقي. هناك هواجس حياتية واقتصادية، لكن وصلنا الى مرحلة يصعب فيها تأمين سرير لمرضى كورونا”، فيما أعلن نقيب الأطباء شرف أبو شرف في تصريح أنّ “لدينا 17 طبيبًا في العناية المشددة، 3 أطباء توفوا و100 في الحجر المنزلي”، مُشدّدًا على أنّه “إذا استمرت الأعداد بالتزايد لن يبقى من يعالج المصابين”. فيما تحدثت نقابة الممرضين والممرضات عن ألف إصابة بين العاملين بوباء كوفيد-19.
وأعلنت وزارة الصحة العامة في تقريرها اليومي أمس، لتطور الوباء يوم الأحد الماضي، تسجيل 1119 إصابة بوباء كورونا، انقسمت بين 1079 محلية و40 بين الوافدين عبر المطار ليرتفع العدد التراكمي لإصابات كورونا في لبنان إلى 95355 حالة. علماً أن عدد الفحوص كانت قليلة مقارنة بالايام السابقة. كما سجلت 9 وفيات جديدة ليرتفع العدد الإجمالي لوفيات كورونا في لبنان منذ 21 شباط الماضي إلى 732 وفاة .
وفي المقابل تصاعدت حالة الرفض الواسعة لدى الهيئات والقطاعات الاقتصادية للاتجاه نحو الاقفال نظرا الى الاثار الكارثية التي تعاني منها هذه القطاعات وحذرت من تداعيات الاقفال داعية الحكومة الى التريث وعدم التسرع في الاقفال ودرس الإجراءات الحازمة البديلة التي يمكن عبرها الاستعاضة عن الاقفال والتشدد في مراقبة إجراءات الحماية من الفيروس.