لعلّها أكثر الفترات غموضاً، هي التي يمرّ فيها الملف الحكومي حالياً، حيث يبدو تأليف حكومة سعد الحريري على مفترق بين طريقين، يؤدي أحدهما الى التسهيل والثاني الى التعطيل.
ولعلّها أكثر القرارات أهميّة، تلك المنتظرة من مجلس الدفاع الأعلى اليوم، في مواجهة وباء “كورونا”، الذي بدأ تفشّيه المريع في كل الأرجاء اللبنانية، ينذر بتجاوز عتبة الـ100 الف مصاب بهذا الفيروس، وبات يستوجب وقف الملهاة الفاضحة المستمرة على مستوى السلطة بكلّ مستوياتها، منذ بدء تفشي الوباء، وصياغة قرارات وخطوات جريئة ومسؤولة بحجمه، تقي لبنان ممّا يمكن وصفه بالدمار الوبائي الشامل.
ولعلّ ما هو مطلوب، وبإلحاح في مواجهة هذه الجائحة، ليس فقط دعوة المواطنين الى الإلتزام بإجراءات الحماية الذاتية، بل أن تلزم السلطة نفسها مع كلّ اجهزتها العسكرية والأمنيّة، بتطبيق ما يُتّخذ من قرارات بكلّ جدية ومسؤوليّة وحزم، وليس أن تكون هي، كما كانت على مدى اشهر المصيبة الوبائية، عنوان التراخي والإهمال الذي تولّد عنه التراخي والإستهتار لدى المواطنين.
فالسلطة تعترف بلسانها، أنّ إجراءاتها العشوائية والاستنسابية والمتسرّعة مُنيت بفشل ذريع، وهي إجراءات لا تعفيها على الإطلاق، من المسؤولية عن التسبّب بتفشي الوباء، وعن كلّ مواطن ابتلي بفيروس “كورونا”، وعن كلّ حالة وفاة نتجت منه. وبالتالي، أقلّ الواجب أن تُحاسَب على كل ذلك وتُزجّ خلف القضبان، ولكن مَن سيحاسب مَن؟ ولأنّ التجربة مرّة مع هذه السلطة، فإنّ ما يُخشى منه هو أن تأتي القرارات المنتظرة من مجلس الدفاع الأعلى اليوم، من نوعيّة القرارات السابقة التي لم تكن اكثر من حبر على ورق. الّا اذا كان اصحاب القرار قد قرّروا ان يكونوا مسؤولين بالفعل، ولا يسقطون مجدداً في فشلهم وعجزهم ومراهقاتهم الفاضحة، فيبادروا، ولو متأخّرين، الى قرارات تطمئن الناس، والناس في كلّ الأحوال تنتظرهم، فهل يصدّقون هذه المرّة؟!
حسن
وفيما أُعلِن عشية اجتماع المجلس الاعلى للدفاع انّ اللجنة الوزارية المعنية بأزمة كورونا اتفقت على الاقفال العام بدءًا من صباح السبت المقبل وحتى 30 تشرين الثاني المقبل، ولكن من دون ان يشمل الاقفال مطار بيروت، قال وزير الصحة حمد حسن: “انّ الاقفال لمدة اسبوعين هو امر منطقي”.
اضاف: “صحيح هناك هواجس حياتية واقتصادية، لكن وصلنا الى مرحلة يصعب فيها تأمين سرير لمرضى كورونا”، معلناً انّه “خلال اسبوعين سنكون قد جهّزنا 60 سرير ICU في المستشفيات الحكومية”. وقال: “اصرّيت على توفير الظروف المؤاتية للإقفال، وطلبت من وزارة الدفاع تفقّد الحصص الغذائية ليتمّ تأمينها للعائلات الاكثر فقراً”، مشدّداً على انّه “يجب أن نُنجح هذا الاقفال، خصوصاً وانّ الإقفال الجزئي لمدة 3 أسابيع لم يحصد نتائج جيدة”.
السفيرة الاميركية
سياسياً، بقيت العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الاميركية على رئيس “التيار الوطني” جبران باسيل بنداً اول في جدول المتابعات الداخلية، رصداً لارتداداته. ولكن ما لفت بالامس، كان ردّ السفيرة الاميركية على ما قاله باسيل في مؤتمره الصحافي، مشيرة الى تضمنه “سوء فهم لكيفية سير العقوبات، ونقص في فهم السياسة الأميركية وكيفية صنعها”.
ولفتت السفيرة الاميركية الى انّ العقوبات على باسيل “هي على فرد، وليس على حزب. فالولايات المتحدة لا تقوم بمعاقبة أو “تدمير” التيار الوطني الحر.
وقالت: “في خطابه، اشتكى السيد باسيل من أنني لم أحذّره مسبقاً من أنّه سيُعاقب على أساس الفساد، وكأنّه من مسؤوليتي الكشف عن ذلك قبل التسمية. ليست الامور كذلك”.
اضافت: “إنّ حقيقة كون تسمية السيد باسيل قد جاءت في هذا الوقت بموجب قانون “ماغنيتسكي” العالمي، لا يعني أنّه هو أو أي شخص آخر لن يكون ممكناً تسميته بموجب عقوبات أخرى، في وقت لاحق”.
وقالت: “قد يظن السيد باسيل أنّ تسريب معلومات انتقائية خارج سياقها حول نقاشنا المتبادل يخدم قضيته. هذه ليست الطريقة التي أعمل بها عادة لكنني سأكشف شيئًا واحدًا. هو نفسه، أعرب عن الاستعداد للانفصال عن “حزب الله” بشروط معينة. وفي الواقع، فقد أعرب عن امتنانه لأنّ الولايات المتحدة جعلته يرى كيف أنّ العلاقة هي غير مؤاتية للتيار. حتى أنّ مستشارين رئيسيين أبلغوني أنّهم شجعوا السيد باسيل على اتخاذ هذا القرار التاريخي”.
باسيل يردّ
وفي وقت لاحق، ردّ باسيل على السفيرة الاميركية في بيان عبر مكتبه الاعلامي، قال فيه: “في ردّها على كلام رئيس “التيار الوطني الحر”، أعطت السفيرة الأميركية في بيروت برهاناً على انّه لا توجد إثباتات على الاتهامات الموجّهة لرئيس التيار بالتورط في الفساد، وذلك بإعلانها أنّ المعلومات التي تمّ الاستناد إليها غير قابلة للنشر؛ فإذا كانت هذه المعطيات متوفرة ولا تريد نشرها، فإنّ النائب باسيل يطالب أقلّه بأن تقوم الجهة الأميركية المعنية بتسليمها للسلطات اللبنانية المختصة”.
اضاف: “من جهة أخرى، نعيد التأكيد انّ موضوع الفساد لم يُطرح لا من قريب ولا من بعيد في النقاشات التي حصلت، لا لناحية وروده في العقوبة ولا لناحية اي مطالب لواشنطن بخصوصه، بل دارت المباحثات حول التفاهم مع “حزب الله” والمواضيع المرتبطة به، ولم يكن من موجب للنائب باسيل ان يسأل او يعتب او يهتمّ لنوع العقوبة”.
وختم البيان: “في النهاية، إذا كانت السياسة الأميركية قد فشلت حتى الآن في فك التفاهم بين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” على الرغم من كل الضغوط التي مارستها واشنطن عبر السنين، وبالرغم من كل التهديد والترغيب، فإنّ محاولة دقّ الاسفين بينهما من خلال بيان إعلامي، يتكلّم عن “شروط معيّنة” بدل الكلام عن مسار حواري وطني شامل، هي محاولة ظريفة ولكنّها لن تنجح بهذه الطريقة حتماً”.
التأليف والعقوبات
حكوميًّا، طفت على سطح المشهد في الساعات القليلة الماضية أجواء ساوت بين احتمالي التسريع بتأليف الحكومة والتأخير فيه، ربطاً بالعقوبات التي فرضتها الخزانة الاميركية على باسيل.
وبحسب معلومات “الجمهورية”، فإنّ حركة الإتصالات تكثّفت خلال اليومين الماضيين، شاركت فيها مراجع سياسيّة وجهات معنيّة بمطبخ التأليف، سعياً لاستكشاف المواقف، وما اذا كانت ارتدادات العقوبات الاميركية على باسيل، قد بدأت تتمظهر على خط التأليف. وتبيّن من هذه الاتصالات، أنّ الأجواء لم تتبدّل في “بيت الوسط” والرئيس سعد الحريري ماضٍ في ذات المنحى التسريعي لتشكيل الحكومة، بمعزل عن كل ما استجد. وهذا التسريع تعكسه ايضاً اجواء القصر الجمهوري، ويتلاقى ذلك مع ما يؤكّد عليه رئيس مجلس النواب نبيه بري لجهة التعجيل بالحكومة، كون البلد لا يحتمل مزيداً من تضييع الوقت.
لقاء الرئيسين
الّا انّ مصادر سياسية، لفتت الانتباه عبر “الجمهورية”، الى “انّ الصورة الحقيقية للمواقف، ستتبدّى في اللقاءات المرتقبة بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، والتي ستتحدّد فيها وجهة التأليف، إما نحو الاستمرار في المنحى الايجابي الذي سلكته مع اللقاءات السابقة بينهما، وإما في اتجاه “التريّث” اكثر، ربطاً بالشروط التي طرحها باسيل في مؤتمره الصحافي، وبالمعايير التي حدّدها للتسريع في تشكيل الحكومة”.
وفي هذا السياق، افيد امس، عن لقاء جديد عُقد بعد ظهر امس بين الرئيسين عون والحريري في القصر الجمهوري، واكتفى خبر مقتضب نُشر على موقع رئيس الجمهورية بالإشارة الى انّ رئيس الجمهورية استقبل بعد ظهر امس الرئيس المكلّف واستكمل معه درس الملف الحكومي. ولوحظ انّ هذا اللقاء، هو الاول من بين اللقاءات السابقة بينهما، الذي لم يؤتَ في نهايته على ذكر ايجابيات، بما فُسّر على انّه اشارة سلبية غير مشجعة.
لا رابط
وفي هذا السياق، قال معنيون بملف التأليف لـ”الجمهورية”، إنّه ” لا وجود لأيّ رابط بين هذه العقوبات وبين تأليف الحكومة، خصوصاً وانّ هذه العقوبات سابقة لملف التأليف، وليست وليدة اليوم، وهي في الأساس كانت معلومة من قبل الجهات المعنيّين بها وبأنّها ستصدر حتماً، وهو ما أشار اليه باسيل صراحة، حينما كشف عمّا دار في سلسلة اللقاءات – المحادثات مع الأميركيين حول هذه العقوبات، سواء معه شخصياً او مع رئيس الجمهورية، ووسط هذه الاجواء عُقدت اللقاءات المتتالية بين الرئيسين عون والحريري، ولم يبدُ انّها كانت متأثرة بالعقوبات على باسيل، بل عكست ما يفيد بأنّ الرئيسين قطعا مسافات مهمة في الطريق الى اتمام التأليف، وأجواؤهما كانت ولا تزال توحي بإيجابيات تجاوزت الكثير من السلبيات والتعقيدات، وانّهما لا يزالان يقاربان ملف التأليف بنَفَس ايجابي لن تستغرق ترجمته وقتاً طويلاً.
وبحسب هذه المصادر، فإنّه، وربطاً بالإيجابيات التي ابداها الرئيسان عون والحريري بعد سلسلة اللقاءات التي عقداها، تبقي كرة حسم التأليف السّريع في ملعبهما معاً، حيث انّهما باتا محكومَين بالاستجابة لحاجة البلد الملحّة الى وجود حكومة في أسرع وقت ممكن، بالنظر الى المنحى الانحداري الرهيب الذي تسلكه أزمات الداخل المتفاقمة كورونيًّا ودولاريًّا واقتصاديًّا وماليًّا ونقديًّا ومعيشيًّا واجتماعيًّا، كما انّهما في الوقت ذاته، لا يستطيعان أن يتجاهلا الحثّ الدولي المتجدّد على التعجيل في تشكيل الحكومة، والذي عاد وعبّر عنه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للرئيس عون، في الاتصال الهاتفي بينهما نهاية الاسبوع الماضي، وقبله بأيام قليلة وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو، الذي ابلغ عون أنّ واشنطن تتطلع الى تشكيل حكومة ملتزمة وقادرة على تطبيق الاصلاحات.
كوبيتش
ولفت في هذا السياق، موقف للمنسق الخاص للامين العام للامم المتحدة في لبنان يان كوبيتش، الذي قال: “من اجل استقرار لبنان، من الضروري ان تتوصل مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة الى نتيجة مثمرة على وجه السرعة، تأسيساً على الاتفاقات التي جرى التفاهم عليها بشأنها بين الرئيس ميشال عون ورئيس الوزراء المكلّف سعد الحريري في ما يتعلق بشكل الحكومة وتوزيع حقائبها”.
استاذ في النكد!
على أنّ في مقابل هذه الأجواء، تتبدّى صورة تشاؤميّة يبدو فيها الأفق الحكومي مسدوداً بالكامل.
وفي هذا السياق، ابلغت شخصية سياسيّة بارزة معارضة لرئيس الجمهورية وتياره السياسي الى “الجمهورية” قولها: “إنّ مهمّة الرئيس المكلّف في تأليف الحكومة، باتت أكثر صعوبة مما كانت عليه قبل صدور العقوبات على باسيل، إذ أنّ هذا الفريق سيحاول أن يتحصّن امام هذه العقوبات بمحاولة تحقيق مكاسب إضافية له في الحكومة، مستنداً الى دعم مباشر له في تحقيقها من قِبل “حزب الله”، والشروط التي عاد وطرحها باسيل، لا تعبّر فقط عن موقفه بقدر ما هي تعبّر عن موقف عون. ما يعني انّ باسيل قال ما لم يقله عون، ومفاده انّ معايير تأليف الحكومة قبل العقوبات، لا تصلح لأن تُعتمد في تأليف الحكومة بعد العقوبات”.
اضافت الشخصية المعارضة: “من هنا فإنّ ما أخشاه هو ان يكون الحريري أمام مرحلة جديدة من المماطلة السياسيّة التي قد تعطّل تأليف الحكومة بشروط تعجيزية تفرّغ هذه الحكومة من الغاية التي يريدها الحريري منها، وبالتالي لا يستطيع أن يتجاوب معها. مثل الإصرار على حكومة موسّعة تصل الى 24 وزيراً وربما اكثر، وكذلك الاصرار على الوزارات التي يعتبرها هذا الفريق ملكاً حصرياً له مثل وزارة الطاقة، واكثر من ذلك، الاصرار على الثلث المعطل في الحكومة. من هنا، فإنّني أرى أنّ طريق الحريري الى تشكيل الحكومة مزروعة بالألغام، وأنا شخصيًّا لا أتوقّع سوى النكد من هذا الفريق، وخصوصاّ أنّ التجربة مع المرشد السياسي لتيار باسيل، اكّدت للقاصي والداني انّه في مثل هذه الحالات هو “استاذ في النكد السياسي”.
العوض بسلامتكم!
على أنّ هذه الصورة التشاؤمية تجلّت بشكل واضح في بعض الصالونات السياسية المعنية مباشرة بملف التأليف، حيث برز فيها تقييم لشخصية سياسية رفيعة المستوى خلصت فيه الى الآتي:
اولاً، العوض بسلامتكم في ما خصّ الحكومة، كنا ننصح ونأمل في أن يتمّ تشكيل الحكومة قبل الانتخابات الرئاسية الاميركية، وأمّا الآن فقد فتحت امامنا صفحة جديدة عنوانها العقوبات الاميركية، التي طالت باسيل، وقد تطال شخصيات اخرى تنتمي الى جهات سياسية اخرى، وهناك مؤشرات الى أنّ هذه العقوبات ستصدر خلال فترة وجيزة، والواضح من اداء بعض المعنيين بالحكومة انّ هناك محاولة جدّية للربط المتعمّد بين تأليف الحكومة والعقوبات، ما يعني انّ هذا التأليف قد تعثّر في الوقت الراهن، ويمكن مع هذه التطورات افتراض انّ تأليف الحكومة قد رُحِّل الى فترة طويلة أقلّه الى شهر آذار المقبل، وربما الى ما بعد تشكّل الادارة الاميركية الجديدة برئاسة الرئيس الاميركي المنتخب جو بايدن.
ثانياً، إنّ بعض المعلومات تشير الى انّ الادارة الاميركية الحالية، وكما مارست ضغوطاً على باسيل، يُخشى انّها قد مارست ضغوطاً مماثلة على بعض المعنيين الآخرين بالملف الحكومي، وتلويحاً بفرض عقوبات عليهم على غرار باسيل، كالرئيس سعد الحريري على سبيل المثال، وذلك لقطع الطريق على اي محاولة لتشكيل حكومة تضمّ في صفوفها حضوراً مباشراً او غير مباشر لـ”حزب الله” عبر وزراء يسمّيهم الحزب او وزراء تابعين له.
ثالثاً، انّ بعض المعطيات المتوفّرة من بعض الجهات السياسية المحلية تفيد بتوجّه لديها نحو عدم الرضوخ لضغوطات الإدارة الاميركية الحالية، باعتبارها ادارة راحلة، وبالتالي محاولة تحقيق ما يمكن لها ان تحققه في حكومة، خلافاً لرغبة هذه الادارة الاميركية الراحلة، والتي تصفها هذه الجهات بالادارة الظالمة، ما يعني انّ الوضع اللبناني وفي هذا الجو التصادمي، مفتوح على احتمالات خطيرة، من الآن ولغاية انتهاء ولاية الرئيس الاميركي دونالد ترامب اواخر شباط المقبل.
رابعاً، انّ كل المؤشرات تشي بأنّ الفترة الفاصلة من الآن وحتى نهاية ولاية الادارة الاميركية الحالية، هي الأكثر خطورة التي تشهدها نقاط كثيرة على مستوى العالم ومن ضمنها لبنان، فما يُخشى منه هو ان تبادر ادارة اميركية ترامبية متهورة في اتخاذ مزيد من القرارات والخطوات، سواء على مستوى الداخل الاميركي، او على مستوى العالم ملزمة بها الادارة الاميركية، ومن شأنها ان تخلق توترات على اكثر من جبهة، وتشكّل ارباكاً لإدارة بايدن قبل تشكّلها، ويندرج في ذلك، حمل رئيسة الادارة الوطنية للأمن النووي في وزارة الطاقة الاميركية، التي تشرف على مخزون الولايات المتحدة من الأسلحة النووية، جوردون هاجرتي، على الاستقالة من منصبها، دون إبداء الأسباب. وإيكال هذا المنصب لأحد المقربين من ترامب وليام بوكليس، وكذلك محاولة رفع مستوى الاستفزاز للصين، عبر القرار الذي اتخذته ادارة ترامب، ومن دون سابق انذار رفع “حركة تركستان الشرقية الاسلامية” التي تمثل جماعة ( الإيغور) المعروفة بتطرّفها وعنفها الاجرامي، عن لائحة الارهاب، بعد عقدين من تصنيفها في اعقاب هجمات 11 ايلول في العام 2000.
ولعلّ اخطر ما تحذّر منه الشخصية السياسية الرفيعة المستوى، ان تفاجئ ادارة ترامب الجميع بقرارات غير متوقعة، سواء تجاه ايران او سوريا او تجاه الملف الفلسطيني وحتى جنوب لبنان ومزارع شبعا. ومن هنا فإنّ اعين اللبنانيين ينبغي انّ تظل مفتوحة خلال الشهرين الخطيرين، سواء في اتجاه الداخل اللبناني او في اتجاه الجبهة الجنوبية، تحسباً لأي طارئ قد يقلب الأمور رأساً على عقب.
مفاوضات صعبة
الى ذلك، من المقرّر ان تُعقد في الناقورة اليوم جولة جديدة من مفاوضات ترسيم الحدود بين الجانبين اللبناني والاسرائيلي برعاية الامم المتحدة وحضور الوسيط الاميركي.
الأجواء السابقة لهذه الجولة توحي بأنّ المفاوضات بدأت تتّسم بالصعوبة، وسط اجواء سلبية بدأت تضخها اسرائيل حيال هذه المفاوضات، وآخرها ما ورد على لسان وزير الطاقة الاسرائيلي يوفال شتاينتس، بإعلانه أنّه ليس متفائلاً من محادثات ترسيم الحدود، لأنّ لبنان يأتي بمطالب قاسية لن تؤدي الى حلّ النزاع”، مشيراً الى وجود ”انقسام بالآراء حيال ما يخصّ الحدود بين البلدين منذ 10 سنوات، فلبنان يريد خطاً معيناً وإسرائيل من ناحيتها تريد خطاً آخر، وتوجد فجوة معينة عبارة 5 كيلومترات بين الحدود”.
واللافت للانتباه في هذا السياق، هو مبادرة الجانب الاسرائيلي الى تسريب محاضر اجتماعات الناقورة الى الاعلام الاسرائيلي، الذي اشار الى انّ الهوة واسعة جداً بين الجانبين اللبناني والاسرائيلي، تتمثل في أن لبنان طلب الحصول على 1500 كيلومتر مربع، اضافة إلى المنطقة المتنازع عليها البالغة 850 كيلومتراً مربعاً. وهو الأمر الذي ترفضه اسرائيل، التي طالبت بدورها بإضافة ما يزيد عن 350 كيلومتراً مربعاً على “المياه الاقتصادية الإسرائيلية”.
واكّد خبير لبناني لـ”الجمهورية”، انّ لبنان متمسك بحقه الكامل في سيادته على كامل حدوده البرية والبحرية، وهو يمتلك من الوثائق التي تثبت هذا الحق بالكامل، وهو يقدّم مقارباته في المفاوضات بناء على هذه الوثائق لا أكثر ولا أقل.
ولفت الخبير المذكور الى انّ الوفد اللبناني متنبّه الى كل ما قد يلجأ اليه الجانب الاسرائيلي من ألاعيب، وبالتالي فإنّ لبنان ليس معنيًّا بكل ما يثار في الاعلام الاسرائيلي، الذي بدأ يروّج لاعتماد قواعد جديدة لترسيم الحدود، كمثل التي طبقتها الولايات المتحدة الاميركية في خليج المكسيك ومع كندا، او تجاوز الخرائط ، وانتقال مفاوضات الترسيم بالتالي الى معادلات رياضيّة قد يحصل بنتيجتها لبنان على ما يزيد عن 55% من مساحة الـ860 كيلومتراً المتنازع عليها. مُقرناً ترويجه هذا بمحاولة إغراء الجانب اللبناني للقبول بهذا الأمر، على اعتبار أنّ ذلك يرتد بأرباح اقتصادية هائلة على لبنان واسرائيل. وكأنّهم يبيعون لبنان من كيسه ومن حقوقه”.
ولفت الخبير الإنتباه الى أنّ “المفاوضات ليست بالسهولة التي يأملها لبنان، وكما سبق واشرت، فإنّ الوثائق والخرائط اللبنانية تؤكّد الحق القاطع للبنان بمياهه إلى ما أبعد من مساحة الـ860 كيلومتراً، وبالتالي موقفنا ثابت بالاصرار على حقنا الكامل أمام أيّ مماطلة متوقعة من الجانب الاسرائيلي”.
وعمّا اذا كان الجانب اللبناني قد لمس”حيادية ايجابية” من الوسيط الاميركي، أمل الخبير أن يتثبّت لبنان فعلاً من هذه الحيادية. إلاّ أنّه عبّر في الوقت نفسه عن خشيته من أن تتأثر مفاوضات الترسيم سلباً بتغيّر الإدارة الاميركية.
ما يجدر التذكير به في هذا السياق، هو ما اورده الخبير الإسرائيلي إيهود يعاري، المعروف بصلته الوثيقة بأجهزة الأمن الإسرائيلية، في مقال نشره موقع “القناة 12” الاسرائيلية قبل ايام، من “أنّ المفاوضات الجارية بين تل أبيب وبيروت لترسيم الحدود البحرية، تحمل أرباحاً ومكاسب اقتصادية هائلة، بسبب ما تخفيه هذه المياه على جانبي الحدود من خزان كبير للغاز الطبيعي”.
اضاف: “إن هناك بنية جيولوجية تحمل كميات كبيرة من الغاز، ومن الواضح لمفاوضي الجانبين في مقر اليونيفيل في رأس الناقورة، أنّه سيكون من الضروري تقاسم ملكية هذا المجال مستقبلاً”.