وسط مخاوف وشكوك لم تحجبها الاستعدادات والإجراءات المقررة “بنبرة حازمة” يتجه لبنان الى الجولة الثانية الواسعة والشاملة للإقفال العام في مواجهته مع الانتشار الوبائي لفيروس كورونا علما ان الجولة الثانية منذ تسلل هذا الفيروس الى لبنان في شباط الماضي تبدو اشد صعوبة وتعقيدا وكلفة بعدما تخطى لبنان الأرقام القياسية المقلقة في عدد الإصابات وانتشارها على مستوى كل المناطق .ومع الامل في ان تتسم فترة الاقفال المقبلة بين صباح السبت 14 تشرين الثاني الحالي وصباح الاثنين 30 تشرين الثاني هذه المرة بالجدية والحزم الكافيين من جانب الدولة والأجهزة الأمنية والالتزام الصارم لإجراءات الحماية الذاتية والعامة من جانب المواطنين لا تغيب عن بال اللبنانيين الغارقين بأزماتهم ومشكلاتهم ومخاوفهم الانعكاسات الشديدة السلبية لتعطيل تأليف الحكومة الجديدة التي يبدو ان مسار تشكيلها قد دخل في نفق بلا أي افق مضيء حتى الان بل ان مؤشرات زيادة التعقيدات تتصاعد يوما بعد يوم بما يفاقم المخاوف من الغموض المتحكم بالاستحقاق الحكومي . وفيما يسود الجمود المريب هذا المسار تتحرك فرنسا مجددا على رغم أولوياتها الضاغطة في مكافحة موجات الإرهاب التي ضربتها كما في مكافحتها للانتشار الوبائي التصاعدي . وهو الامر الذي يكشف أهمية عدم تخليها عن لبنان كاولوية خارجية للإبقاء على مبادرة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون خشبة خلاص وحيدة للواقع الانهياري في لبنان . في هذا السياق سيصل اليوم الى بيروت الموفد الفرنسي باتريك دوريل مستشار الرئيس الفرنسي لشؤون افريقيا والشرق الأوسط في مسعى لاعادة تحريك المبادرة الفرنسية .
وقد عين دوريل رئيسا لخلية الازمة في الاليزيه مكان السفير السابق ايمانويل بون وينتظر ان يقوم بجولة على المسؤولين والسياسيين اللبنانيين في اليومين اللذين يمضيهما في بيروت التي يغادرها يوم الجمعة المقبل . واذا كان ايفاد دوريل الى بيروت انعش الآمال في امكان احداث خرق في جدار الانسداد السياسي الذي يواجه رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري في تأليف الحكومة فان ثمة من توقع ان يعيد الموفد الفرنسي سؤال القيادات السياسية عن مصير التزاماتهم بالمبادرة الفرنسية في لقاء قصر ال صنوبر في اللقاء الموسع بين الرئيس ماكرون والقيادات السياسية في الأول من أيلول الماضي كما سيحذر من التبعات الخطيرة جدا على لبنان في حال التمادي في تعطيل تأليف “حكومة مهمة ” تلتزم البرنامج الإصلاحي الذي تضمنته الورقة الفرنسية ووافقت عليها كل القوى التي شاركت في لقاء قصر الصنوبر .
ويصل الموفد الفرنسي فيما تفاقمت حال الانسداد السياسي وبدا الاستحقاق الحكومي كأنه دخل بعد العقوبات الأميركية على رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل مرحلة الجمود الكبير في ظل ما كشفته المعلومات المتوافرة عن اللقاء الأخير بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس الحريري من انعدام تحقيق أي تطور إيجابي . وبدا لافتا في هذا السياق الموقف الذي اتخذه المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى برئاسة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان اذ “استغرب الاستمرار في تعطيل وعرقلة جهود الرئيس المكلف سعد الحريري تأليف حكومة جديدة تعمل على انقاذ لبنان من ازمته الخانقة وإخراجه من دوامة الفراغ السياسي الذي يدور فيه على غير هدى “. واعتبر “ان لبنان احوج ما يكون اليوم الى حكومة انقاذ وطني تكون على مستوى التحديات التي يواجهها وان تقاذف الاتهامات التعطيلية ما هو الا تعبير عن عقلية المساومات الرخيصة لتحقيق مكاسب شخصية او حزبية او فئوية “.
بومبيو وباسيل
وتواصلت امس تداعيات العقوبات الأميركية على باسيل اذ هاجم وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو باسيل معتبرا انه “مرتبط بمنظمة إرهابية هي حزب الله “. وقال بومبيو في مؤتمر صحافي “قمنا بفرض عقوبات على باسيل بسبب الفساد ..الشعب اللبناني لم يعد يحتمل هذه الممارسات “. وأضاف :”وضعنا العقوبات على باسيل لانها مناسبة وصحيحة وستؤدي الى نتائج جيدة “. وقال ان “الشعب اللبناني يريد بلدا مستقلا ولا يريد طبقة فاسدة تسرق بلده ومن الواضح ان الشعب اللبناني يريد من الطبقة السياسية الفاسدة التي يتحكم حزب الله بجزء كبير منها ان تتوقف عن تخريب البلاد “.
الاقفال والتحدي
اما في ما يتصل بقرار الاقفال العام في البلاد الذي اتخذه المجلس الأعلى للدفاع في اجتماعه امس في قصر بعبدا برئاسة الرئيس عون وحضور رئيس حكومة تصريف الاعمال حسن دياب والوزراء والأجهزة والإدارات المعنية فبدا واضحا ان الدولة تحاول تعبئة الرأي العام اللبناني لكي تأتي الجولة الثانية من الاقفال العام الشامل بعد الجولة الأولى في آذار الماضي مجدية وفعالة في كبح جماح الانتشار الوبائي الذي عم كل المناطق اللبنانية وهدد القطاع الاستشفائي والطبي والتمريضي للمرة الأولى بهذا المستوى من الخطورة كما جعل لبنان يقفز الى مراحل متقدمة ومقلقة في مراتب الدول التي تسجل أرقاما قياسية في اعداد المصابين والحالات الحرجة ولو ان عدد الوفيات فيه لا يزال يعتبر متدنيا قياسا بعدد الإصابات . وفي ظل المعطيات المسجلة عن واقع الانتشار الوبائي والتوصيات التي رفعتها اللجنة الصحية المعنية بمتابعة ملف كورونا قرر المجلس الأعلى للدفاع امس سلسلة خطوات احتوائية تبدأ بالإقفال العام بين 14 تشرين الثاني و30 منه. ولكن بدا مستغربا ان تتسع لائحة الاستثناءات من الاقفال الى عدد واسع وفضفاض من القطاعات مع ان الاتجاه الى الحزم والتشدد في تنفيذ الإجراءات المقررة كان يفترض تضييق الاستثناءات الى اقصى الحدود الضرورية والملحة لا اكثر . وقد دعا رئيس الجمهورية في مستهل الاجتماع الى “اقفال على مستوى وطني مع مراعاة لبعض القطاعات ” وحذر من وضع خطير جدا نشأ عن تفشي الوباء . كما ان رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب حذر من ان “كل البلد اصبح في وضع حرج وبلغنا اليوم الخط الأحمر في عدد الإصابات في ظل عدم قدرة المستشفيات على استقبال المصابين “. واعلن ان هناك قرارا حازما في مواجهة تفشي الوباء لمنع انهيار الواقع الصحي في مواجهة كورونا مناشدا اللبنانيين التزام الإجراءات الصحية والتدابير التي اتخذت . يشار في هذا السياق الى ان عداد الإصابات سجل امس 1552 إصابة و17 حالة وفاة وبات مجمل العدد التراكمي للإصابات منذ 21 شباط الماضي يقترب من المئة الف إصابة اذ وصل امس الى 96907 إصابات .