قالت مصادر سياسية متابعة للأزمة الحكومية في لبنان، إنه لم تعد هناك أي جدوى لاستئناف مشاورات تأليف الحكومة الجديدة بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف بتشكيلها الرئيس سعد الحريري، بعد أن أعادها اجتماعهما الأخير قبل يومين إلى نقطة الصفر. وأضافت أن معاودة المشاورات باتت معلقة على تدخل الموفد الخاص للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، باتريك دوريل، الذي وصل مساء أمس إلى بيروت وعلى جدول أعماله عقد لقاءات تشمل أبرز المكونات السياسية المعنية بولادة الحكومة.
ويفترض أن تستمر لقاءات المبعوث الفرنسي يومي الخميس والجمعة، في محاولة لإنقاذ المشاورات وتذليل العقد التي ما زالت تؤخر تشكيل الحكومة، والتي تتجاوز الخلافات حول الملف الحكومي إلى التداعيات المترتبة على العقوبات الأميركية المفروضة على رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، والتي سرعان ما تمددت إلى اشتباك بين الأخير وسفيرة الولايات المتحدة لدى لبنان دوروثي شيا.
وعلمت “الشرق الأوسط” من مصادر مواكبة لمسار المشاورات بين عون والحريري، أن اجتماعهما الأخير لم يدفع باتجاه تسجيل خرق يفتح الباب أمام معاودة التواصل بينهما، وإنما أعادها إلى نقطة الصفر، ما يعني أنها لا تزال تدور في حلقة مفرغة من دون تحقيق أي تقدم يذكر. وكان اللقاء الأخير بمثابة نسخة طبق الأصل من اجتماعهما السابق الذي تلازم مع صدور العقوبات الأميركية على باسيل.
وعزت المصادر السبب إلى أن هذه العقوبات كانت حاضرة على هامش مشاورات التأليف، وكادت تتصدر جدول أعمالها، وإنما من جانب عون الذي بدا مذهولاً من استهدافها وريثه السياسي، باسيل، لما لها من ارتدادات سلبية على طموحاته الرئاسية التي يُمكن أن تتراجع، وبالتالي يتعامل مع عملية التأليف من زاوية تعويمه، باعتبار أن تشكيل الحكومة يشكل الخرطوشة الأخيرة لإنقاذه، من خلال تقديمه على أنه الشريك الأول في توزيع الحقائب من جهة وفي ممارسة حق النقض ضد كل ما يتعارض مع مصلحته السياسية.
ولفتت المصادر إلى أن البيان الأخير الذي صدر عن المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية خلا من أي إشارة إيجابية، وبقي في العموميات، بخلاف البيانات السابقة التي كانت تصدر في أعقاب كل اجتماع وتشير إلى أجواء التعاون بين الرئيسين، وأيضاً إلى تحقيق تقدم في بحث الملف الحكومي. وسألت: لماذا قرر عون، استناداً إلى هذا البيان، أن يعيد المشاورات إلى نقطة الصفر؟ وما الذي تبدل ودفعه إلى تغييب الأجواء الإيجابية؟
وكشفت أن المفاوضات بين باسيل والإدارة الأميركية لم تكن وليدة ساعتها؛ بل كانت قد بدأت منذ أكثر من سنتين “لأنه من غير المعقول التطرق ومن موقع الاختلاف بين باسيل والسفيرة الأميركية، إلى هذا الكم من القضايا السياسية في خلال فترة زمنية قصيرة”. وسألت: هل يعقل أن تنسحب العقوبات المفروضة عليه لتستهدف عملية تأليف الحكومة، في ضوء البيان الأخير للمكتب الإعلامي الرئاسي الذي أوحى وكأن اجتماع أول من أمس هو بداية للقاءات بينهما؟
وقالت إن عون تراجع عن موافقته بأن تُشكل الحكومة من 18 وزيراً، وبادر إلى تبني – بطريقة غير مباشرة – وجهة نظر باسيل التي تقول بإسناد كل حقيبة إلى وزير، ظناً منه أنه يتمكن من الحصول على الثلث الضامن أو المعطل في الحكومة. ورأت أن الحريري لا يتحمل مسؤولية حيال تعليق المشاورات، وأن توجهه قبل يومين إلى بعبدا قوبل بارتياح من قبل رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي فوجئ باستمرار المراوحة وعدم حصول أي تقدم.
وأكدت المصادر نفسها أن عون يصر على تطبيق مبدأ المداورة لتشمل كل الحقائب، وقالت إن الحريري – وإن كان يستثني وزارة المالية من تطبيقه – فإنه لا يمانع من استثناء الحقائب السيادية، ولو لمرة واحدة، من المداورة، على أن تقتصر على الحقائب الأخرى. وقالت إن العقدة لم تكن محصورة بتطبيق المداورة، وإنما بمبادرة عون وللمرة الأولى الطلب من الرئيس المكلف ضرورة التشاور مع الكتل النيابية والوقوف على رأيها، ثم العودة إليه ليكون في وسعه أن يبني على الشيء مقتضاه.
وسألت: لماذا لم يطرح عون مثل هذا الاقتراح في اللقاءات غير الأخيرة بينهما؟ وما الدوافع لإدراج ذلك على جدول أعمال المشاورات، مع أن تشكيل الحكومة يعود للرئيس المكلف، ويمكن لرئيس الجمهورية أن يوافق على التشكيلة أو يعترض عليها؟
وقالت إن شروط باسيل أُدرجت على طاولة المشاورات فور صدور العقوبات التي استهدفته. وعزت السبب إلى أن عون يتطلع لمراعاته، بغية توجيه رسالة إلى الإدارة الأميركية، مفادها أن وريثه السياسي هو الآن أقوى مما كان عليه قبل صدور العقوبات، ورأت أن رئيس الجمهورية يرعى استنفار القوى الحليفة له للوقوف إلى جانب باسيل.
وعليه، فإن تشكيل الحكومة بات يصطدم بعقبات، أولها إصرار عون، بتحالفه مع “حزب الله” وآخرين، على تقديم باسيل على أنه الشريك الأول في تقرير مصيرها، بينما يشكل حضور الموفد الفرنسي الفرصة الأخيرة لإنقاذ لبنان، من خلال تعويم المبادرة الفرنسية من جهة، ولتأكيد أن لبنان ليس متروكاً من قبل باريس.
فهل ينجح دوريل في تضييق رقعة الخلاف بين عون والحريري التي اتسعت أخيراً؛ خصوصاً أنه اضطر للحضور شخصياً بعد أن أيقن أن مواكبته من باريس لمشاورات التأليف لم تؤدِّ إلى حلحلة العقد؟ لكن المصادر تساءلت: هل سيحقق الوكيل ما عجز عنه الأصيل حتى الساعة؟ أم أن أزمة التأليف هي الآن في مكان آخر، وتحديداً بين طهران وواشنطن؟