كم هي رخيصة هذه السلطة، تُباع وتُشترى بأبخس الأثمان في سوق الممانعة، مفلسة بكل المعايير المالية والأخلاقية… وكالتاجر الذي يُقلّب دفاتره القديمة حين يفلس، عادت للمتاجرة بالنازحين السوريين تحت راية النظام الذي دمّر البشر والحجر في سوريا. فبمعزل عن فولكورية مؤتمر دمشق الهادف في جوهره إلى تظهير الرئيس السوري بشار الأسد “بيدقاً” على طاولة “الشطرنج” الروسية، لا يزال للأسد بيادق و”خزمتشية” كثر في الطبقة اللبنانية الحاكمة، حتى كاد المشهد بين لبنان وسوريا بالأمس يجسد واقع “عهد مأزوم واحد” في بلدين.
بوزيرين، واحد للخارجية من بيروت وآخر للشؤون من دمشق، شاركت حكومة حسان دياب في مؤتمر الأسد، بعدما اختار العهد العوني من خلال مصادقته على هذه المشاركة أن يزجّ لبنان في محور واحد مع فنزويلا وإيران والصين وروسيا في مواجهة الأسرتين الدولية والعربية، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على وجه أخص، ضارباً بعرض الحائط المصلحة الوطنية التي تحتّم “النأي بالنفس” عن الصراعات الإقليمية والدولية في سوريا، ليعيد في الداخل تأجيج الانقسام اللبناني العمودي حيال الموقف من التطبيع مع نظام الأسد.
وتشدد أوساط معارضة على كون الهدف الأساس من المشاركة اللبنانية الرسمية في مؤتمر دمشق إنما يتمحور حول “إعادة تعويم النظام في سوريا وليس إعادة النازحين إليها”، مذكّرةً بأنّ الأكثرية الحالية الحاكمة لطالما استخدمت ملف النازحين “مطيةً للتطبيع الرسمي اللبناني مع نظام الأسد”، وحاولت على امتداد حكومات الإئتلاف الوطني السابقة الدفع جاهدةً بهذا الاتجاه “بذريعة الحاجة إلى تخفيف عبء النزوح مقابل تصويرها خصوم 8 آذار على أنهم يعرقلون عملية إعادة النازحين لرفضهم التواصل الرسمي بين حكومتي البلدين”.
أما اليوم، وبعدما استقر الحكم بأركانه الثلاثة، رئاسياً وحكومياً ومجلسياً للقوى الحليفة للنظام السوري، فتساءلت هذه الأوساط: “مَن منع حكومة دياب التابعة بلا منازع لقوى 8 آذار والأكثرية الحاكمة من إعادة النازحين؟”، وأردفت: “لم تعد بروبغندا السلطة تنطلي على عاقل، فهذا العهد أثبت في أكثر من مناسبة أنه راغب، لحسابات سياسية ورئاسية، في إعادة لبنان إلى أحضان النظام السوري، سواءً في ما بدا من توجهات كان قد عبّر عنها الرئيس ميشال عون نفسه في بدايات عهده على المنابر الدولية والأممية، أو على مستوى الرسائل الاستفزازية للعرب على لسان رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل في مقاربته للأزمة السورية خلال اجتماعات الجامعة العربية حين كان وزيراً للخارجية، وصولاً إلى المجاهرة بعزمه الذهاب إلى دمشق عشية اندلاع ثورة 17 تشرين”. وشددت في المقابل على أنّ “العهد العوني كما فشل في بداياته في إعادة عقارب الساعة اللبنانية إلى الوراء باتجاه التطبيع الرسمي بين لبنان والنظام السوري تحت “شماعة” النزوح، سيفشل أيضاً في نهايته في محاولة فرض هذا التطبيع على اللبنانيين الذين كسروا قيود الوصاية والتبعية لنظام الأسد ولن يسمحوا تحت أي ذريعة بإعادتهم مخفورين إلى تلك الحقبة المشؤومة”، وختمت بإسداء نصيحة للرئيس ميشال عون: “الأجدى بدل محاولة إنقاذ نظام الأسد أن تفكّر في كيفية إنقاذ العهد”.
حكومياً، وصل الموفد الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل إلى بيروت على وقع أصداء تصعيدية للأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، نصرةً لرئيس “التيار الوطني الحر” في مواجهة إدراجه على قائمة العقوبات الأميركية. ففي حين آثر في كلمته المتلفزة مساءً تهميش الملف الحكومي واختصاره بأحقية رئيس الجمهورية في الشراكة بالتأليف مع الرئيس المكلف، مع ما يختزنه ذلك من وقوف “حزب الله” خلف التصلّب العوني في عملية التشكيل، ألقى نصرالله بكل ثقله دعماً و”نفخاً” لباسيل الذي صوّره في صورة “الشجاع” المقدام الذي تصدى للولايات المتحدة ولم يخضع لها في طلب الانفصال عن “حزب الله”، متعامياً عما كشفته السفيرة الأميركية دوروثي شيا من حقيقة أنّ باسيل نفسه هو من أبدى استعداده لهذا الانفصال “بشروط معينة” لم تستجب لها الولايات المتحدة.
ولفت نصرالله إلى أنه عبّر لباسيل “على التلفون الداخلي” عن تثمين موقفه وصموده في مواجهة المطالب الأميركية، متهماً في المقابل أطرافاً لبنانيين بالعمالة لأميركا وبالتحريض على فرض العقوبات على رئيس التيار الوطني، ليخلص إلى التأكيد على أنّ الحزب والتيار بصدد إجراء “مراجعة” لتفاهم مارمخايل بهدف “تطوير العلاقة” بين الجانبين ليكون ذلك بمثابة “الردّ على العقوبات الأميركية”.
أما على المقلب المتصل بمشهد الانتخابات الرئاسية في أميركا وأبعاده الإقليمية المرتقبة، فلم يُخفِ أمين عام “حزب الله” شعوره الشخصي “بالفرح” لسقوط الرئيس دونالد ترامب، وخشيته في الوقت عينه من أي عمل أميركي محتمل “خلال الشهرين المقبلين” ضد محور المقاومة، وقال: “مع ترامب كل شي محتمل”، داعياً إزاء ذلك أركان هذا المحور في لبنان والمنطقة إلى الإبقاء على “أعلى درجات الحيطة والحذر والجهوزية والبناء على أسوأ الاحتمالات الممكنة لرد الصاع صاعين في مواجهة أي حماقة قد ترتكبها أميركا” في الفترة المتبقية من ولاية إدارتها الحالية.