إذا كانت زيارتان استثنائيتان بكل المعايير للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لبيروت بعد انفجار 4 آب مع كل ما رافقهما من قطع التزامات وتعهدات للمسؤولين الرسميين وزعماء الأحزاب والقوى السياسية ورؤساء الكتل النيابية لم تؤد جميعها بعد اكثر من ثلاثة اشهر الى كسر محظور انتقال لبنان من ضفة الغرق المطرد في الانهيار، الى ضفة وقف الاندفاع نحو الهاوية القاتلة عبر تشكيل حكومة انقاذية جديدة، فهل سيوفق موفد الرئيس الفرنسي الآن في كسر مخطط التعطيل؟ السؤال بدا بديهيا مع وصول مستشار الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط باتريك دوريل مساء امس الى بيروت وسط ارتفاع سقوف التشاؤم في إمكانات حلحلة الانسداد الذي يحكم مسار تأليف الحكومة الى الذروة. ومع بدء الديبلوماسي الفرنسي تحركا يتسم باتساع مروحة اللقاءات التي سيجريها، رسمت زيارة موفد الرئيس ماكرون مجددا علامات الاستفهام الكبيرة حول المحاذير التي يمكن ان تزداد وتتفاقم في حال لمس دوريل عقم المحاولات المتكررة لخرق التعقيدات السياسية اللبنانية بما يرتب عودته الى باريس بمعطيات من شأنها ان تثير هذه المرة ردة فعل فرنسية بالغة السلبية تبدأ مع خسارة مؤتمر الدعم الدولي الذي يعد الرئيس الفرنسي لتنظيمه بعد فترة. ذلك ان التناقضات الواسعة طبعت المعطيات المتداولة بين الكواليس السياسية حول حقيقة ما بلغه مسار تأليف الحكومة في ظل التعقيدات المتفاقمة في الأيام الأخيرة. وإذ تجمع الأوساط المطلعة على هذه التعقيدات على استبعاد أي خرق إيجابي في جدار التعقيد، فان بعض المصادر تحدث امس عن ملامح تبديل في الأجواء المتشائمة ربما تساعد زيارة الموفد الفرنسي في تثبيتها وتوسيع اطارها في الأيام المقبلة. وبدا نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي شديد التفاؤل حين تحدث توقع اتفاقا بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري على شكل الحكومة وعدد الحقائب كما على الأسماء هذا الأسبوع.
وأشارت المعلومات الى ان الموفد الفرنسي باتريك دوريل سيلتقي بمروحة واسعة من الشخصيات تبدأ بالرؤساء الثلاثة ومن ثم رؤساء الكتل النيابية الثمانية الذين التقاهم الرئيس ماكرون في قصر الصنوبر خلال زيارتيه لبيروت غداة انفجار 4 آب وفي اول أيلول. وتشير المعلومات الى ان دوريل سيستوضح من المسؤولين الرسميين والسياسيين رؤيتهم وتفسيرهم للأسباب التي حالت حتى الآن دون تشكيل “حكومة المهمة” التي نصت عليها المبادرة الفرنسية وتاليا الأسباب التي افشلت بعد ثلاثة اشهر امكان تشكيل حكومة تنسجم مع تعهدات المسؤولين اللبنانيين بتنفيذ سائر مندرجات المبادرة الفرنسية التي اتفق عليها في اجتماع قصر الصنوبر في الأول من أيلول. ولفتت المعلومات الى ان الجانب الأشد اثارة للحذر في ما تردد عن مهمة الموفد الفرنسي يتعلق باحتمال ان ينقل الى المسؤولين الرسميين والسياسيين تحذيرا من امكان تأثر التحضيرات الجارية في فرنسا لتنظيم مؤتمر دولي للدعم الاقتصادي للبنان بعد فترة في حال عدم تجاوز التعقيدات الماثلة امام تشكيل الحكومة وتاليا تحويل هذا المؤتمر الى منتدى دولي لتقديم المساعدات الإنسانية المختلفة الى المجتمع المدني في لبنان بدل دعم الدولة في النهوض الاقتصادي. وذهب بعض المصادر الى ان الرئيس ماكرون لم يرسل موفده لاعادة ترداد المواقف الفرنسية الثابتة التي يعرفها السياسيون اللبنانيون، لان الرئيس الفرنسي متمسك بمبادرته اكثر من أي وقت مضى بدليل ان ايفاد مبعوث رئاسي الى بيروت وسط كل الانشغالات الفرنسية الطارئة يشكل رسالة حاسمة حيال استمرار انقاذ لبنان ودعمه من الأولويات الفرنسية. ولكن ذلك لن يحجب احتمال قيام ردة فعل سلبية قوية من جانب ماكرون هذه المرة خصوصا اذا خيبته الحسابات السياسية اللبنانية الضيقة الأفق بما يرتب واقعا آخر لن تبقى معه مقاربات باريس مرنة بل ستتجاوز الأطر التقليدية الى مقاربات صارمة. وفي غضون ذلك اكدت المعلومات المواكبة لزيارة الموفد الفرنسي ان الرئيس ماكرون لا يزال يدرج زيارته المقررة للبنان خلال شهر كانون الأول المقبل على جدول أعماله وان هذه الزيارة لم تلغ خصوصا ان ماكرون سيقوم خلالها بزيارة القوة الفرنسية العاملة ضمن قوات اليونيفيل في الجنوب.
وفي اطار التحركات السياسية الداخلية التقى امس رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في عين التينة.
لبنان يخرق المقاطعة !
ووسط الانسداد الحاصل في مسار تأليف الحكومة، وجدت السلطة في الواقع الانتقالي الحالي الفرصة المناسبة لاعادة تقديم نفسها في اطار سلطة أحادية تتبع سياسات محورية اذ سجل خرق لبنان للمقاطعة العربية والأوروبية والأميركية للمشاركة في مؤتمر إعادة النازحين السوريين الذي عقد امس في دمشق. واوفدت حكومة تصريف الاعمال وزير الشؤون الاجتماعية رمزي مشرفية لتمثيل لبنان في المؤتمر حيث ألقى كلمة تحدث فيها عن الخطة التي اقرتها الحكومة اللبنانية لعودة النازحين السوريين الى بلادهم “بتوافق مع المعايير الدولية بما يضمن حق النازح في العودة محفوظ الكرامة بالتنسيق مع الدولة السورية وبرعاية المجتمع الدولي “. كما ألقى وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الاعمال شربل وهبه كلمة عبر الفيديو داعيا الى “تكثيف الجهود الدولية لتامين العودة الآمنة للنازحين السوريين وعدم ربطها بالحل السياسي “.
الجولة الرابعة
في غضون ذلك بدا ان نتائج الجولة الرابعة من المفاوضات اللبنانية الإسرائيلية غير المباشرة في الناقورة لترسيم الحدود البحرية خالفت التوقعات التي استبقتها وتحدثت عن احتمال تعليق المفاوضات بعد هذه الجولة. ومع ان التقارير القليلة التي تسربت عن الجولة اشارت الى انها كانت شديدة الحساسية والصعوبة، اعلن بيان مشترك لحكومة الولايات المتحدة ومكتب منسق الأمم المتحدة الخاص في لبنان ان ممثلي حكومتي لبنان وإسرائيل “أجروا مفاوضات مثمرة …ولا تزال الولايات المتحدة والأمم المتحدة تأملان في ان تؤدي هذه المفاوضات الى حل طال انتظاره “. وأشار البيان الى ان الطرفين التزما مواصلة المفاوضات في أوائل كانون الأول المقبل. وأفادت تقارير ان الوفد اللبناني قدم مستندات وخرائط تثبت حق لبنان في حدوده البحرية ومساحته البحرية البالغة 2290 كيلومترا مربعا فيما تسلح الجانب الإسرائيلي بان المفاوضات انطلقت على أساس 860 كيلومترا مربعا للبنان الامر الذي لا يخول الجانب الإسرائيلي البحث في مساحة أخرى .
نصرالله
وفي سياق متصل شدد الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في كلمته مساء امس على ان “الدولة اللبنانية بمؤسساتها الدستورية تقرر الحدود البرية والبحرية للبنان ونحن في المقاومة لا ندخل في مسالة ترسيم الحدود والمقاومة تلتزم ما تحدده الدولة وتعتبر ان من واجبها ان تدافع عن هذه الحدود”. وقال “ان الدولة اللبنانية هي التي قالت ان مزارع شبعا محتلة وان تلال كفرشوبا لبنانية وان هناك جزءا لبنانيا من بلدة الغجر ولسنا نحن كمقاومة من فرض هذا الامر”. واعتبر ان “المقاومة في لبنان تنقل للمرة الأولى العدو الإسرائيلي من موقع الهجوم الى موقع الدفاع ” واكد ثقته برئيس الجمهورية وادارته لملف التفاوض مشيدا بصلابته. ودعا إلى عدم تعليق امال على السياسات الأميركية سواء كانت ديموقراطية ام جمهورية “لان السياسة الأميركية هي سياسة إسرائيلية”. ولكنه اعرب عن “فرحه الشخصي بالسقوط المذل لترامب على يد شعبه “. وتطرق إلى العقوبات الأميركية على النائب جبران باسيل فرأى انه امام فشل كل مسارات الاميركيين لم يتبق لهم سوى مسار العقوبات على أصدقاء وحلفاء حزب الله والهدف من العقوبات الضغط النفسي وتحريض بيئة المقاومة وجمع المعلومات وتجنيد العملاء “. وقال ان البعض في الداخل اللبناني حرض على باسيل لحسابات شخصية وسياسية وهذه خطوة كبيرة وأبلغته ان حزب الله لا يريد أذية التيار الوطني الحر. وأشاد نصرالله بحرارة بموقف باسيل وقال ” العقوبات انتقاص من السيادة ولا اقبل تصنيف أي من خصومنا بالفاسد والإرهابي من قبل اميركا .. ان موقف الوزير باسيل شجاع ووطني ويبنى عليه في الادبيات السياسية اللبنانية .والرد على العقوبات هو تطوير العلاقة بين حزب الله والتيار الوطني الحر “.