لا مؤشرات ايجابية يعتد بها حكوميا في اليوم الاول لزيارة مستشار الرئيس الفرنسي الى بيروت باتريك دوريل، الذي لم يحمل مبادرة، ولم يهدد بعقوبات، بل جاء مستطلعا احوال مبادرة بلاده «المترنحة» رابطا عقد المؤتمر الدولي لدعم لبنان المنوي عقده في باريس نهاية الجاري بتشكيل حكومة جديدة، وما سمعه في بعبدا من مصارحة رئاسية حول ضرورة عدم «تهميش» مكون مسيحي وازن يمثله رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، الذي يتعرض براي الرئيس ميشال عون لعملية «اغتيال سياسي»، مقابل اصرار في «بيت الوسط» على عدم تكرار التجربة الفاشلة معه، لا يوحي بقرب حل العقد قريبا، باعتراف مصادر «المستقبل»،المعطوفة على «استياء» «اشتراكي» من انقطاع الرئيس المكلف عن «التواصل»… هذا المناخ الحكومي «الملبد» الذي ينتظر «التنازلات» الداخلية المتبادلة، والمناخ الدولي والاقليمي المؤاتي، يترافق مع بوادر انهيار صحي مع استمرار «غزو» «كورونا» للاراضي اللبنانية، وسط شكوك كبيرة في نجاح «الاقفال العام» بدءا من يوم غد في الحد من انتشاره في ظل غياب الالتزام المجتمعي، وتوسيع مروحة الاستثناءات، وتمرد عدد من القطاعات الاقتصادية…
وفيما حذرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» من ان تقاعس السلطات اللبنانية الشائن عن معالجة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة والجمود السياسي الناجم عنها سيؤدي على الأرجح إلى تزايد الاحتجاجات في الأشهر القادمة، برز في الساعات القليلة الماضية ارتفاع منسوب المخاطر الامنية على الساحة اللبنانية وسط تقارير اسرائيلية عن تعاون وثيق مع بعض الدول الخليجية لمواجهة حزب الله في لبنان وخارجه، وسط مخاوف جدية من دور «مشبوه» يؤديه القيادي الفلسطيني محمد دحلان. اما على خط مفاوضات الترسيم جنوبا، فقد دخلت الامم المتحدة بقوة على خط وقف «التسريبات» الاسرائيلية التي تهدد مسار التفاوض، فيما تستعد اسرائيل لوضع طرح «مفخخ» على «طاولة» التفاوض.
«التسريبات» خطر على «الترسيم»؟
فبعد ساعات على انتهاء جولة التفاوض الجديدة حول ترسيم الحدود البحرية جنوبا، علمت «الديار» من اوساط دبلوماسية مطلعة على مسار المحادثات، ان الراعي الاممي المتمثل بالامم المتحدة، ابلغ الطرف الاسرائيلي بضرورة وقف التسريبات الى وسائل الاعلام حول مسار عملية التفاوض، لان من شأن الاستمرار في محاولة ممارسة ضغوط علنية على الطرف اللبناني، سيؤدي حتما الى فشل التوصل الى تسوية سريعة، او عرقلة التفاوض على اقل تقدير، وربما تجميد المحادثات… وعلم في هذا السياق ان الامم المتحدة طلبت من الجانب الاميركي التدخل مع اسرائيل لاعادة ضبط مسار المحادثات والحفاظ على سرية المداولات، وعدم ممارسة اي ضغوط علنية في هذا الوقت الحساس الذي يحتاج الى عملية «بناء للثقة» المتبادلة، وذلك بعدما طرح الجانب اللبناني اكثر من علامة استفهام حول التصرفات الاسرائيلية، ملوحا باتخاذ اجراءات مماثلة في حال بقاء الامور على حالها، وقد ابدى «الوسيط» الاميركي تفهما لهذا الاحتجاج، ووعد بالتدخل من اجل «كبح» جماح التسريبات الاسرائيلية.
الخرائط «الاستفزازية»
وجاء الاعتراض في هذا الاطار،على الخرائط الاستفزازية التي تم تسريبها الى وسائل اعلام اسرائيلية، رداً على تلك التي تقدم بها الوفد اللبناني، خلال جولة المفاوضات ما قبل الاخيرة، وبرأي الامم المتحدة سيؤدي استمرار هذا الاسلب في التعامل الى تمسك كل من الطرفين بمواقف متصلبة يصعب التراجع عنها، خصوصا اذا ما واكب الرأي العام هذه المحادثات التي يجب ان تبقى في «الغرف المغلقة، اما التسريبات التي تشير الى أن لإسرائيل خطين، واحد «استفزازي» وآخر جدي، فهي تقوض المحادثات، وتنسف قواعد التفاوض التي وضعها الاميركيون، تحت عنوان ان لكلا الطرفين مصلحة في التوصل الى ترسيم «مقبول»، دون ان يخسر اي طرف شيء من حقوقه!
العرض الاسرائيلي «المفخخ»
وفي هذا السياق، تحدثت تلك المصادر عن عرض اسرائيلي «مفخخ» يجري العمل على تسويقه لدى الامم المتحدة، ولدى الجانب الاميركي، قبل عرضه على «طاولة» التفاوض في الجولات المقبلة، والفكرة تنطلق من وجود صعوبة في التوصل الى حل يسمح لكل طرف بإنتاج الغاز في المنطقة المتنازع عليها، ولذلك لا يمانع الاسرائيليون ان تتولى شركة توتال الفرنسية، الحائزة عقد التنقيب من الجانب اللبناني، بـ«الشراكة» مع شركتين روسية، وايطالية، بالتنقيب على الغاز في المثلث المتنازع عليه، وتوزع الحصص بين الطرفين وفقاً لكميات يتم الاتفاق عليها مسبقا… وهذا الطرح براي مصادر لبنانية معنية بالملف،«خبيث»، لانه قد يكون حلاً معقولاً بين دولتين جارتين تربطهما علاقات دبلوماسية، او ظروف طبيعية، لكن الجانب الاسرائيلي يسعى للحصول على «شراكة» اقتصادية مع لبنان، ولو كان الامر من خلال طرف ثالث، بعدما نجح في جر اللبنانيين الى محادثات عبر طرف ثالث، وهو يريد فرض وقائع عملانية تؤدي الى «شراكة» غازية يعتقد انها ستتطور مستقبلا لتصل الى المجال السياسي… وفي انتظار ما سيوضع على «الطاولة» في الناقورة، لا يزال الوفد اللبناني يتصرف بحرفية عالية، واستطاع حتى الان تجاوز اكثر من «فخ» اسرائيلي.
حرب أمنية مفتوحة؟
وعلى وقع ارتفاع منسوب التعاون الامني بين بعض دول الخليج «المطبعة» حديثا مع اسرائيل، وفي ظل ارتفاع حدة المخاطر في الاسابيع العشرة المتبقية من ولاية الرئيس الاميركي دونالد ترامب، كشفت صحيفة «إسرائيل اليوم» الإسرائيلية المقربة من بنيامين نتانياهو، عما اسمته تعاوناً وشيكاً بين إسرائيل وعدد من دول الخليج، للعمل المشترك ضد حزب الله. ولفتت الى ان ثمة تعاوناً «اقليمياً» مشتركاً لتوسيع قاعدة تصنيف حزب الله «منظمة إرهابية». ونقلت الصحيفة عن نائب مدير عام وزارة التعاون الاستراتيجي لدى وزارة الخارجية، يهوشع زرقا قوله سيكون التعاون بين إسرائيل ودول الخليج ضد حزب الله، في عواصم العالم، والمؤسسات الدولية، مشيرا إلى أن إسرائيل ستركز نشاطاتها القادمة ضد الحزب، في دول الاتحاد الأوروبي، وداخل الأمم المتحدة، والهدف هو أن تصنف الأمم المتحدة حزب الله كمنظمة «إرهابية».
خطر دحلان!
وتأتي هذه التسريبات، عقب اتفاقات بين وزير الداخلية الاسرائيلي ونظرائه في عدد من الدول الخليجية على تشكيل فريق مشترك للعمل على تنفيذ البرامج والمشاريع الأمنية المشتركة، وفي هذا الاطار تشير مصادر مطلعة «للديار»، الى ان جزءاً اساسياً من التعاون الامني سيكون عنوانه حزب الله، حيث تم التفاهم بين الجانبين على تأكيد «العمل المشترك والفاعل» من خلال تبادل المعلومات، والتعاون الامني على الارض لمواجهة نفوذ الحزب في ساحات انتشاره، وخصوصا على الساحة اللبنانية… وفي هذا السياق، وصلت تحذيرات ذات صدقية عالية الى بيروت حول عودة تحرك «خلايا» القيادي الفلسطيني محمد دحلان الذي يؤدي ادوارا امنية خطرة في المنطقة، وقد سبق له ان وسع من نفوذه داخل الساحة الفلسطينية في لبنان مستغلا شبكة علاقات اجتماعية قامت بها زوجته من خلال جمعيتها «الخيرية»، وهو يملك اليوم نفوذا مقلقا لدى اكثر من مجموعة، داخل المخيمات وخارجها وهو امر يدعو «للقلق»!
عون يصارح الموفد الفرنسي
وفي هذا الوقت، لا مؤشرات ايجابية «حكوميا»، لزيارة الموفد الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل الى بيروت. ووفقا للمعلومات، لم يحمل معه اي مبادرة، ولم يهدد بأي عقوبات، وكانت جولته استطلاعية، حث خلالها المسؤولين اللبنانيين على الاسراع في تشكيل حكومة اختصاصيين، خصوصا في الوزارات التي تحتاج الى اصلاح، لكنه تحدث عن «موافقة» جميع الاطراف عليها، ووفقا للمعطيات فإن كل الاطراف لا تزال على مواقفها، وبعد ان ابلغ عون الحريري في لقائهما الاخير بضرورة التفاهم مع الوزير باسيل والاطراف الاخرى قبل الاتفاق معه على الحكومة، اشارت اوساط سياسية بارزة الى ان رئيس الجمهورية تساءل امام الموفد الفرنسي عن الحكمة في «تهميش» مكون مسيحي رئيسي يتمثل بالتيار الوطني الحر عن المشاورات الحكومية، بينما يقوم الرئيس المكلف «باسترضاء» غالبية المكونات السياسية الاخرى؟ ولفت الى ان الشعور «بالعزل» ليس بالامر الجيد لدى هذ المكون الذي تعرض رئيسه جبران باسيل الى عقوبات اميركية «مسيسة»، وهو يتعرض لعملية «اغتيال» سياسي، وهذا الامر يزيد الامور تعقيدا خصوصا ان الحريري متمسك بموقفه بإبقاء «الابواب» موصدة مع التيار الوطني الحر، وهو يعتقد انه غير معني بالتواصل مع باسيل، ويعتقد انه قادر على انجاز الحكومة عبر فرض شروطه «غير المنطقية» والتي تتبدل كل يوم، وهذا ما يؤخر التأليف، برأي الرئيس عون الذي لم يخف قلقه من نيات مبيتة لدى الحريري للعب على «الوقت»، باعتبار ان عملية الاستنزاف تستهدف العهد، وهو غير مستعجل، ويعتقد ان الرئاسة الاولى ستضطر بنهاية المطاف الى تقديم تنازلات، وهذا لم يحصل ولن يحصل لان اي حكومة مقبلة لا بد ان تراعي التوازنات الميثاقية.
بعبدا والتوافق «العريض»؟
من جهتها، تحدثت أوساط بعبدا، أن الرئيس عون عرض من جهته للاتصالات الجارية بينه وبين الرئيس المكلف سعد الحريري في مجال التأليف، والعقبات التي يواجهها هذا المسار. وابلغ دوريل،ان العقوبات الأميركية التي استهدفت سياسيين لبنانيين زادت الأمور تعقيدا». ولفت الى ان «الهم الأساسي حاليا هو استمرار الاستقرار في البلاد وسط العواصف الإقليمية والأزمات غير المسبوقة التي يواجهها لبنان، فضلا عن تداعيات وجود النازحين السوريين والضائقة الاقتصادية وانتشار وباء «كورونا»، إضافة الى الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت»، لافتا الى ان «كل هذه الأوضاع تتطلب توافقا وطنيا واسعا لتشكيل حكومة تتمكن من تحقيق المهام المطلوبة منها بالتعاون مع مجلس النواب لاقرار قوانين إصلاحية ضرورية»، مشيرا الى أهمية التشاور الوطني العريض في هذه المرحلة الدقيقة، مشددا على ان لبنان متمسك بالمبادرة الفرنسية لما فيه مصلحة لبنان.
دوريل وموافقة الجميع!
من جانبه، شدد دوريل للرئيس عون على «ضرورة الانتباه الى دقة الازمة الاقتصادية وخطورتها وضرورة الإسراع في تشكيل حكومة كفوءة ومقبولة من جميع الأطراف كي تباشر الإصلاحات المطلوبة واستعادة ثقة المجتمع الدولي». وأشار دوريل الى ان فرنسا ستواصل تقديم مساعدات عاجلة في مجالات عديدة، لا سيما منها المجال التربوي، وجدد التأكيد على ان «وفاء المجتمع الدولي بالتزاماته تجاه لبنان مرتبط بتحقيق الإصلاحات».
الحريري: التجربة مع باسيل فاشلة
وفي بيت الوسط، عرض الموفد الفرنسي موقف بلاده من الازمة الحكومية، وسمع كلاما واضحا من الحريري عن تمسكه بالتفاوض مع رئيس الجمهورية على تشكيل حكومة متجانسة من الاختصاصيين، ملمحا الى ان الرئيس عون يمثل عمليا التيار المسيحي الاقوى، وهذا يعني انه لا نية لدى احد في ضرب الميثاقية، ولفت الحريري الى انه كرئيس مكلف مضطر لمحاورة الكتل النيابية التي سمته، وليس معنيا بالتفاوض مع من اعترض على عودته الى الحكومة، خصوصا ان التجربة السابقة مع باسيل كانت مريرة، وغير ناجحة، وانتهت الى الفشل، وليس مضطرا لتكرارها.
«المستقبل» لا شيء جاهز بعد!
وعلى عكس ما اوحى به الرئيس المكلف قبل ايام ، تؤكد اوساط بارزة في تيار المستقبل ان التشكيلة الوزارية لا تزال غير منجزة حتى الان، والعقد التي اصطدم بها التشكيل لا يبدو انها ستجد طريقها الى الحل قريبا،لان الفريق الاخر لم يقدم حتى الان التنازلات المطلوبة التي تلبي تطلعات الرئيس الحريري الذي ابلغ الموفد الفرنسي انه غير مسؤول عن التعثر الحكومي، ويجب على باريس الضغط على الجهات المعرقلة كي تتنازل عن «سقوفها العالية» والتي تعيد عملية التأليف. ولفتت تلك الاوساط، الى ان الموفد الفرنسي دعا مجددا الحريري للاسراع في تشكيل حكومة اختصاصيين من غير المنتمين حزبياً الى تنفيذ الاصلاحات المطلوبة لوقف الانهيار واعادة اعمار بيروت، خصوصا الوزارات الخدماتية التي تحتاج الى اصلاح كوزارتي الطاقة والاشغال العامة.
وفي السياق نفسه، أكد عضو المكتب السياسي في «تيار المستقبل» مصطفى علوش «ألا مؤشرات إيجابية توحي بقرب ولادة الحكومة الجديدة»، مشيراً الى «ان التحذيرات الفرنسية المتكررة اصبحت امراً واقعاً بانتظار ترجمتها على ارض الواقع عند انتهاء احتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية». وقال في تصريح «العقد الحكومية على حالها»، لافتاً الى ان «التيار الوطني الحر» يصرّ كما في المرّات السابقة على السيطرة على الحكومة».
رعد «يستغرب»
وبانتظار ان يلتقي الموفد الفرنسي الوزير جبران باسيل اليوم، التقى بالامس النائب السابق وليد جنبلاط، ورئيس مجلس النواب نبيه بري الذي وصف اللقاء مع مستشار الرئيس الفرنسي بـ«الجيد». من جهته اكد النائب محمد رعد بعد لقاء دوريل ان الموفد الفرنسي جاء في مهمة استطلاعية بموضوع تشكيل الحكومة وللتأكيد على المبادرة الفرنسية لافتا الى ضرورة التزام الحكومة التي يجري تشكيلها بتنفيذ بنود المبادرة والورقة الاصلاحية التي تم الاتفاق عليها في قصر الصنوبر، وقال نحن مسؤولون قدر المستطاع عن الاسراع في تشكيل الحكومة لأن البلد لا يحتمل والوضع الاقتصادي سيئ جدا. وردا على سؤال عن عقوبات اوروبية على معرقلي تشكيل الحكومة: استغرب مثل هذا الكلام الذي لم يؤتَ على ذكره ولا يمكن تحديد من يعرقل قيام الحكومة.
استياء «اشتراكي»
وفي السياق نفسه، كشفت اوساط الحزب الاشتراكي عن «انزعاج» المختارة من انقطاع التواصل بين الرئيس المكلف والنائب السابق وليد جنبلاط، ووصفت الاجواء الحكومية بأنها غير مريحة، والرئيس الحريري «غائب عن السمع»، ولا يتواصل مع الحزب الاشتراكي، واجاباته على استيضاحات الوزير السابق وائل ابو فاعور عمومية وغير مطمئنة، وتوحي بأن الرئيس المكلف «مربك» ولا يملك رؤية واضحة حيال المرحلة المقبلة.. وهذا مؤشر سلبي على عدم وجود ايجابيات حكومية.
«كورونا» يتمدد
وفيما «الكباش» على اشده بين الدولة وقطاعات اقتصادية واسعة ترفض الالتزام بالاقفال التام بدءا من يوم غد، يواصل «فيروس كورونا» انتشاره مسجلا اعدادا مخيفة في الاصابات والوفيات. فقد اعلنت وزارة الصحة امس 1874اصابة جديدة و12 حالة وفاة، فيما تستمر الاستعدادات الرسمية لمراقبة حسن تنفيذ قرار الاقفال. وقد عقدت اللجنة الفنية المتخصصة في متابعة الاجراءات على الارض، اجتماعا امس في السراي لهذه الغاية، وسط «تخبط» جدي في كيفية ادارة الازمة وسط اصرار من وزير الداخلية محمد فهمي على عدم قدرة قوى الامن الداخلي على تغطية كامل الاراضي اللبنانية لتأمين التزام المواطنين والقطاعات المشمولة بالاقفال.