بدت مصادفة لافتة ومعبرة ان تتزامن امس ذكرى مرور مئة يوم على الانفجار المزلزل في مرفأ بيروت مع بدء الموفد الرئاسي الفرنسي مستشار الرئيس ايمانويل ماكرون لشؤون شمال افريقيا والشرق الأوسط باتريك دوريل مهمته في بيروت دافعاً مرة جديدة بزخم مبادرة بلاده نحو انتشال السلطة والقوى السياسية من أسوأ الممارسات السياسية التي تعطل تأليف حكومة انقاذية للبنان من الانهيارات بل الكوارث التي تطبق عليه. اذ ان مفارقات هذا التزامن وان كانت غابت على الأرجح عن معظم المسؤولين والسياسيين الذين شملتهم لقاءات الموفد الفرنسي في اليوم الأول من زيارته للبنان، زادت قتامة المشهد المأزوم بين تعثر متزايد في تذليل تعقيدات تشكيل الحكومة الجديدة وتصاعد مخيف في تداعيات المرحلة الانتظارية التي تتطلب حكومة ناشطة وفعالة تعمل على مدار الساعات بلا توقف فكيف بحكومة تصريف اعمال تجرجر ذيول التركة الثقيلة لأسوأ أزمات لبنان؟ ولذا بدا طبيعيا ان يكبر رهان بعض القوى المؤيدة حقيقة وليس لفظيا و”مناوراتياً للمبادرة الفرنسية على مهمة الموفد الفرنسي الرئاسي دوريل في بيروت كفرصة أخيرة جدية لإحداث اختراق سياسي وديبلوماسي للمأزق الحكومي بات لبنان في اقصى الحاجة اليه ليس من منطلق اخطار ازماته المتصاعدة والمتزاحمة فحسب وانما أيضا من منطلق التحديات الغامضة التي تلوح في افق المنطقة خصوصا في الشهرين المقبلين الفاصلين عن نهاية ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
لا اختراقات
ومع ذلك لم تظهر الحصيلة الفورية للجولة الأولى من اللقاءات التي عقدها الموفد الفرنسي ما يشجع حتى الان على الأقل على توقع اختراقات سريعة تمنع انزلاق البلاد الى مزيد من تداعيات الانسداد اوالتعطيل المفتعل لاسباب مختلفة. ولم يكن تشديد رئيس الجمهورية ميشال عون امام دوريل على ضرورة ما وصفه بالتشاور الوطني العريض لكي يأتي تأليف الحكومة منسجما مع ورقة المبادرة الفرنسية مؤشرا مشجعا على الاستجابة المطلوبة للتحرك الفرنسي الجديد في انتظار ان تتكشف في الساعات المقبلة معطيات تبدد هذه الشكوك او تثبتها. وفهم من المعطيات التي توافرت عن لقاءات الموفد الفرنسي انه بدا مركزا بصورة أساسية على ابلاغ كل الذين التقاهم وسيلتقيهم من رؤساء ومسؤولين رسميين ورؤساء كتل نيابية شاركوا في اجتماع قصر الصنوبر مع الرئيس ماكرون لدى زيارته لبيروت إصرار الرئيس الفرنسي على اعتبار ان مبادرته لا تزال الورقة الوحيدة الصالحة المطروحة على الطاولة لإنقاذ لبنان، والا فان التداعيات والكلفة ستكون أسوأ بكثير مما هو حاصل مع استهلاك الوقت بلا جدوى من دون التمكن من تجاوز تعقيدات السياسيين لتشكيل حكومة مهمة إصلاحية تستقطب الدعم الدولي للبنان. بدا هذا الموقف بمثابة تحذير واضح من مغبة التمادي في تجاهل عامل مرور الوقت بلا أي تغيير في الممارسات السياسية بما يتلاءم وخطورة الأوضاع الدراماتيكية التي يعاني منها اللبنانيون. وذكرت ان دوريل عمد في كل اللقاءات الى التنبيه الى محاذير التأخير في تشكيل الحكومة الجديدة مشددا على ضرورة انطباقها على معايير المبادرة الفرنسية لجهة ان تكون من الاختصاصيين وليس من الحزبيين على ان تحظى بمظلة توافق داخلي واسع. وأفيد أيضا ان دوريل ومن خلال تشديده على التمسك بالمبادرة الفرنسية وعدم وجود أي خطة بديلة منها نقل ضمنا رسالة واضحة من باريس مفادها ان التخلي عن الالتزامات حيال المبادرة او افتعال عراقيل متواصلة في وجه تنفيذها سيفتح الباب امام تداعيات خطيرة في نهاية المطاف. ولذا فان فرنسا تجهد لحض الافرقاء على استعجال الحكومة لانها ستكون مفتاح الدعم الدولي للبنان الذي تسعى باريس الى جمعه من خلال مؤتمر الدعم الدولي في نهاية الشهر الحالي. ولكن بدا واضحا الربط بين عقد هذا المؤتمر وتشكيل الحكومة قبل موعد انعقاده بما يعني ان عدم تشكيل الحكومة قد يدفع فرنسا الى تأجيله. وأفادت مصادر مرجع رئاسي ان دوريل شدد على الإسراع في تشكيل الحكومة للشروع في الإصلاحات التي تمكن لبنان من ولوج أبواب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومجموعة الدعم الدولية. وإذ نفى الكلام عن عقوبات فرنسية على لبنان دعا اللبنانيين الى الذهاب الى حلول سريعة لمشكلاتهم الداخلية بتأليف الحكومة التي ان لم تولد قبل نهاية السنة “فانكم تقدمون على أذية لبنان من دون حدود ولن تشهدوا عندها أي مؤتمر يساعدكم”.
وكانت جولة الموفد الفرنسي ترافقه السفيرة الفرنسية آن غريو شملت في يومها الأول امس الرئيس عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس “كتلة الوفاء للمقاومة” محمد رعد على ان يستكملها اليوم بلقاءات رؤساء الكتل الآخرين الذين شاركوا في اجتماع قصر الصنوبر. وأفادت المعلومات ان دوريل شدد في بعبدا على الإسراع في تشكيل حكومة مهمة وكفوءة ومقبولة من جميع الأطراف كي تباشر الإصلاحات المطلوبة مذكرا بان إيفاء المجتمع الدولي بالتزاماته تجاه لبنان مرتبط بتحقيق إصلاحات .
الاقفال ومنع التجول
وسط هذه الأجواء يستعد لبنان للجولة الثانية من الاقفال العام لأسبوعين في محاولة محفوفة بالكثير من الشوائب والثغرات والشكوك لاحتواء الانتشار الوبائي المتسع لفيروس كورونا في لبنان بدءا من غد السبت ولغاية الاثنين 30 تشرين الثاني الحالي. وعشية بدء تنفيذ قرار الاقفال صدر قرار بإعلان منع التجول يوميا من الساعة الخامسة عصرا حتى الخامسة فجرا خلال فترة الاقفال كما اعتمد نظام المفرد والمزدوج للسيارات. وتجاوز امس عداد الإصابات المتراكم بكورونا المئة الف إصابة اذ بلغ رسميا 100703 إصابات فيما سجلت 12 حالة وفاة في الساعات الأربع والعشرين الاخيرة .