“مئة يوم على الكارثة الوطنية التي تمثلت في انفجار مرفأ بيروت، مئة يوم من التحقيقات بمشاركة خبرات دولية مهمة، ورغم ذلك لا وضوح بعد ولا محاسبة ولا عدالة”… كعادته اختصر الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش إجرام الطبقة الحاكمة بتغريدة. كلمة حق في وجه سلطة جائرة قالها كوبيتش بُعيد اجتماعه برئيس الجمهورية ميشال عون مستعرضاً وإياه ملف الترسيم البحري مع إسرائيل، وكذلك المبعوث الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل لم يتردد في تحميل عون مسؤولية أساسية في عرقلة التأليف والإصلاح، متوجهاً إليه حين التقاه بالقول: “أنتم مسؤولون ونحملكم مسؤولية عدم تشكيل الحكومة بعد”، حسبما كشفت مصادر مطلعة لـ”نداء الوطن”، وأضاف: “نريد مساعدتكم لكن عليكم أن تساعدوا أنفسكم، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه فلن تروا لا مساعدات ولا حتى كيس طحين”.
أما رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الذي أعادت السفيرة الأميركية دوروثي شاي الإضاءة أمس على كونه منغمساً في علاقة مع “حزب الله” تقوم على أساس تغطية الأول لسلاح الثاني مقابل تغطية الثاني لفساد الأول، فخاض في حوار مطوّل أمس مع المبعوث الفرنسي وحاول جاهداً التمظهر أمامه بصورة المسهّل لتأليف الحكومة على أساس مبدأ “وحدة المعايير”، غير أنّ دوريل لم تنطلِ عليه خدعة “المعايير” وبادر إلى الرد بوضوح ودون أدنى مواربة على طرح باسيل بالقول: “مسألة المعايير هذه تخفي شروطاً تضعونها لتوزير الموالين والمحاسيب في الحكومة”.
ونقلت المصادر عن دوريل تشديده أمام باسيل على أنّ “المعيار بالنسبة لتعيين الوزراء يجب أن يكون اختصاصهم وليس انتماءهم الحزبي والسياسي”، مشيرةً إلى أنّ باريس من خلال كلام موفدها الرئاسي أبدت تصميمها على عدم مجاراة الأطراف السياسية في لعبة تشكيل الحكومة التي باتت أشبه بـ”سباق السعادين”.
وعما تم تداوله حيال طرح دوريل أسماء اختصاصيين ترى فيهم فرنسا مواصفات تخصصية وإصلاحية تخولهم تولي حقائب وزارية معينة، أكدت المصادر أنّه “طرح أسماء مرشحة للتوزير في حقائب الطاقة والاتصالات والأشغال”، لما لهذه الحقائب من أهمية محورية في عملية تنفيذ الإصلاحات المدرجة ضمن إطار الورقة الفرنسية، مشيرةً إلى أنّ دوريل بدا متابعاً بدقة للملف الحكومي اللبناني ومدركاً جيداً للدهاليز السياسية التي تمرّ بها عملية التأليف، وعليه فإنّ مهمته قضت بحض الأفرقاء على العمل والمضي قدماً في فكفكة مختلف العقد، والتي برزت منها مؤخراً على مستوى الحقائب السيادية عقدة التسميات في حقيبتي الطاقة والداخلية، في حين لا يزال حتى الساعة يوسف الخليل، مدير العمليات المالية في مصرف لبنان، هو الاسم المطروح لتولي وزارة المالية.
وخلال جولته على القيادات المسيحية أمس، في بنشعي والصيفي ومعراب، لفتت الرسالة التي حمّلها رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، للموفد الفرنسي لينقلها إلى الرئيس إيمانويل ماكرون “طلباً لدعم فرنسا الطلب الموجّه إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أجل إرسال لجنة تقصي حقائق حول انفجار مرفأ بيروت إحقاقاً للعدالة”، بينما وضع دوريل جعجع في أجواء محادثاته مع المسؤولين اللبنانيين مؤكداً أنه شدد أمامهم على “وجوب تشكيل الحكومة العتيدة في أسرع وقت ممكن، باعتبارها الفرصة الأخيرة للبنان، وإلا فإن الاستمرار بالمماطلة سيضيّع هذه الفرصة وعندها لا مؤتمر دولياً لدعم لبنان ولا مؤتمر سيدر”.
والضياع الذي تمرّ به السلطة إزاء مختلف الملفات الحكومية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والحيوية، انسحب في أبعاده على حالة الإغلاق التام التي تدخل اليوم حيز التنفيذ ليدخل الناس تحت وطأتها في حالة إخضاع وتقييد لحركتهم تحت طائل تغريم كل مخالف والتشدد في قمع المخالفات. وعلقت مصادر طبية على مشهد التفلت من القيود وحالة الازدحام التي شهدتها العاصمة والمناطق عشية موعد سريان الإغلاق الشامل، بالقول لـ”نداء الوطن”: “الأمور لا تبشر بخير والإغلاق مبيّن من عنوانه”، متسائلةً عن “سبب تغاضي الأجهزة المعنية الرسمية عن فرض تدابير التباعد الاجتماعي والتزام وضع الكمامة أمام المشهد المروع الذي شهدناه أمس”، وأضافت: “كيف للمواطنين أن يلتزموا بالإرشادات والتعليمات الاحترازية خلال فترة الإغلاق وكيف يمكن إقناع الناس بجدوى هذا الإغلاق إذا كان وزير الداخلية نفسه أطل قبل ساعات من بدء مفاعيله معلناً أنه ضد الإغلاق وغير مقتنع بجدواه”، مشددةً على أنّه “من الواضح أنّ السلطة لا تملك خطة عمل متجانسة وفاعلة في مواجهة انتشار الوباء ولا وزارة الصحة بصدد الاستفادة من فترة الإغلاق لتعزيز القدرات الاستشفائية والطبية والتمريضية تحسباً للمرحلة المقبلة التي تؤكد كل التقارير والتقديرات أنها ستكون أشد وطأة على مستوى التفشي الوبائي”.
وتوازياً، برز تذكير السفيرة الأميركية دوروثي شاي أمس بـ”شرط” بلادها لمساعدة لبنان في مواجهة كورونا وهو “الابتعاد عن وزارة الصحة لقرب وزير الصحة من حزب الله”، مقابل تأكيدها قرار واشنطن “التعامل مع مؤسسات صديقة وموثوق بها كالجامعة الأميركية والجيش اللبناني” في هذا المجال.