تخوض البلاد معركة صعبة، ومشكوك في نجاحها مع فيروس «كورونا»، وسط اقفال عام غير مضمون النتائج،وفيما التعويل على «اللقاح» سابق لاوانه، والرهان على الالتزام «المجتمعي» في غير مكانه، غابت حركة التاليف الحكومي عن «السمع» بانتظار «الترياق» من باريس التي شهدت في الساعات القليلة الماضية اجتماعات فرنسية – فرنسية واميركية – فرنسية .. وعلى وقع معلومات عن اجتماع بعيد عن الاضواء بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية لم يفض الى شيء جديد، لتحريك عملية التشكيل المتوقفة بعدما عادت المشاورات الى «نقطة الصفر»، بعد العقوبات الاميركية على الوزير جبران باسيل،وبانتظار الخطوة المقبلة للرئيس المكلف سعد الحريري المحشور في خياراته الذي ينتظر نتائج المحادثات الاميركية الفرنسية، «غير الايجابية»، بفعل تمسك واشنطن بتصعيدها ضد حزب الله، تمارس السفيرة الاميركية في بيروت دورثي شيا، ضغوطها في اكثر من اتجاه لمنع «ولادة» حكومة «يسيطر عليها الحزب وحلفاؤه»، وهي لم تتوان في هذا الاطار عن دعوة رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب لتفعيل عمل حكومته في الملفات الصحية والمعيشية، لان الحكومة الجديدة لن «تولد» قريبا بحسب قناعتها، وذلك في «رسالة» ضغط مباشرة على الرئيس الحريري لعدم الذهاب بعيدا في ارضاء بعبدا وحارة حريك، فيما لا تزال الخارجية اللبنانية تتحاشى «خدش» «كبريائها» وتحرص عند كل زيارة لمكتب الوزير التاكيد انه لقاء وليس «استدعاء».
ماذا دار في «الاليزيه»؟
وفي هذا السياق، اكدت اوساط دبلوماسية ان الاجتماع الذي عقد بالامس في قصر الإليزيه برئاسة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، ناقش تقرير مبعوثه الى بيروت باتريك دوريل، وجرى البحث خلال الاجتماع الذي حضره وزير الخارجية جان ايف لودريان، الأسباب الكامنة وراء عرقلة تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة سعد الحريري، ووفقا لتلك المصادر حمل تقرير دوريل رئيس الجمهورية ميشال عون مسؤولية عدم التجاوب مع مساعي الحريري لتشكيل حكومة اختصاصيين، بتأثير مباشر من الوزير السابق جبران باسيل، ما ادى الى وصول مساعي التاليف الى طريق مسدود، بعدما شهدت تقدما ملحوظا قبل العقوبات الاميركية على رئيس التيار الوطني الحر. وخلص الموفد الفرنسي الى التاكيد ان الامور معطلة، وقدم انطباعا سلبيا، ولفت الى ان المسؤولين اللبنانيين لا يقدرون خطورة الاوضاع، ولمس عدم استعجالهم للخروج من الازمة، معربا عن قناعته بان الاستمرار على هذا المستوى من الضغوط لن يحرك المبادرة الفرنسية «قيد انملة»..
وفي المقابل، تسود قناعة في «الايليزيه» بان العوامل الداخلية ليست وحدها ما يعيق التقدم في عملية تشكيل الحكومة، ولا يبدو الرئيس الفرنسي مرتاحا لتوقيت العقوبات الاميركية على باسيل، ويعتقد انها زادت الامور سوءا، لكن هذا لا يلغي الاعتقاد الراسخ بان كل الاطراف اللبنانية لم تقدم ما هو مطلوب منها للدفع باتجاه إحداث خرق جدي يعيد «احياء» المبادرة الفرنسية.
التصعيد الاميركي مستمر
وفي ضوء ما تقدم، جاء اللقاء بين وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان ونظيره الاميركي مايك بومبيو في باريس، كما لقاء الرئيس ماكرون مع رئيس الدبلوماسية الاميركية محبطا للفرنسيين، حيث تم استعراض كافة نواحي الاوضاع السياسية والاقتصادية في لبنان، ووفقا لتلك الاوساط، يسود «الاحباط» في باريس حيث لم يبد رئيس الدبلوماسية الاميركية اي «ليونة» في موقف بلاده من الازمة اللبنانية على الرغم من محاولات لودريان شرح المقاربة الفرنسية في التعامل مع واقع وجود حزب الله ودوره، ويمكن القول ان الدبلوماسية الفرنسية اصطدمت بتصعيد اميركي واضح، سيستمر حتى نهاية ولاية دونالد ترامب، وقد تعمد البيان الصادر عن الخارجية الاميركية التاكيد على هذا التشدد من خلال الحديث عن تطرق المحادثات الثنائية للدور «الخبيث» الذي يلعبه حزب الله في لبنان، والجهود التي تقوم بها واشنطن باتجاه تشكيل حكومة اصلاحات واستقرار..!
ولم يتوقف التصعيد الاميركي عند هذا الحد، فقد اعتبر مستشار الأمن القومي الأميركي روبرت أوبراين أن «الرئيس الأميركي دونالد ترمب قام بأعمال غير مسبوقة ضد حزب الله، وزعم أن «حزب الله قام بتجميع أسلحة وصواريخ ونفذ هجمات في أوروبا وأسيا، وهو يفتقر باعتقاده الآن إلى مئات الملايين من الدولارات التي كان يتلقاها من إيران».
وفي الخلاصة، لم يحصل اي تطور ايجابي لردم الهوة بين الرؤى الفرنسية والاميركية لحل الازمة اللبنانية، ويبدو ان واشنطن ليست بوارد التراجع عن اعتماد «العصا» دون تقديم اي «جزرة»، وتم ابلاغ الفرنسيين انه لا مجال لمسايرة لحزب الله بعد اليوم..!
الحريري ينتظر؟
وفيما ذكرت مصادر مطلعة، حصول لقاء بعيدا عن الاعلام بالامس بين الرئيسين عون والحريري، دون التوصل الى خرق في «جدار» التاليف، ينتظر الرئيس المكلف الخبر اليقين من الفرنسيين، وهو سبق وابلغهم انه ليس في وارد تشكيل حكومة محاصرة سلفا دوليا واقليميا، وهو ينتظر «رسالة» فرنسية من ماكرون «ليبني على الشيء مقتضاه»، فاما يسلم بعدم امكانية التقدم قبيل انتهاء ولاية الادارة الاميركية الحالية، «فيعتكف» ويبقي على التكليف في «جيبه» ريثما تتبلور الامور، او يعرض على الرئيس ميشال عون تشكيلته ويحمله مسؤولية رفضها. ويبقى ان خيار «الاعتذار» غير قائم حاليا،وهو ليس بوارد الاقدام على اي خطوة قد يصنفها الفرنسيون في خانة اطلاق «رصاصة الرحمة» على مبادرتهم.
وفي هذا الاطار، اعلن مستشارالحريري نديم المنلا ان الرئيس المكلف يعتبر المبادرة الفرنسية هي خشبة الخلاص الوحيدة كون فرنسا هي فقط من بإمكانها ان تكفل لبنان». ولفت الى أن «الكباش الاساسي الحاصل اليوم هو اعتياد القوى السياسية على الهرطقة بالدستور والحريري لن يشارك بها». ورأى المنلا أن بعد تأليف الحكومة نحن بحاجة الى توافق داخلي على خطة الانقاذ والارقام وبالتالي الاجتماع مع صندوق النقد الدولي.
دعوة وليس «استدعاء»؟
وفيما حضرت الإجراءات العقابية التي اتخذتها الإدارة الأميركية ضد رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل ونواب ووزراء سابقين في اللقاء الذي جمع وزير الخارجية اللبناني في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبة والسفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا، كان لافتا نفي وزارة الخارجية اللبنانية استدعاء السفيرة شيا، لمطالبتها تقديم تفسيرات من بلادها حول هذه العقوبات، وقد ذكر البيان الرسمي الصادر عن مكتب وهبي ان الاجتماع كان في إطار اللقاءات الدورية التي يعقدها مع السفراء المعتمدين..!
وفي خطوة واضحة تهدف لعدم توتيرالعلاقة مع واشنطن، لم يتطرق رئيس الدبلوماسية اللبنانية خلال اللقاء الى الخلفيات السياسية وراء العقوبات التي سبق وربطتها الخزانة الاميركية بعلاقة المعاقبين مع حزب الله اضافة الى اتهامهم بالفساد،وذكر بيان الخارجية ان الوزير وهبة تمنى أن تتمكن السلطات اللبنانية والقضائية من التوصل إلى أي معلومات أو مستندات ارتكزت إليها الإدارة الأميركية في اتخاذها لتلك الإجراءات، وذلك في إطار الإصلاحات التي وعدت بها وتعزيزاً للشفافية في العمل العام.
ماذا تريد شيا؟
وكان لافتا ايضا، مبادرة السفيرة الاميركية الى زيارة رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب قبل ايام، في خطوة «نادرة» بطلب من الدبلوماسية الاميركية.وعلم في هذا السياق، ان السفارة الاميركية في بيروت تعمل على زيادة منسوب الضغوط على رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري لمنعه من التعاون مع رئيس الجمهورية في تشكيل حكومة مقبولة من جميع الاطراف بمن فيهم التيار الوطني الحر، وحزب الله، وقد سبق لشيا ان ابلغت الحريري رفض بلادها منح وزارة الداخلية لشخصية محسوبة على بعبدا او «ميرنا الشالوحي»، وتحدثت صراحة عن ضرورة ابقاء الاجهزة الامنية التابعة لهذه الوزارة، خصوصا قوى الامن الداخلي، وفرع المعلومات، بعيدا عن «الوصاية» المباشرة للرئيس عون.
لماذا فعّل دياب حكومته؟
وفي هذا الاطار، طلبت شيا لقاء رئيس حكومة تصريف الاعمال، وابلغته ضرورة القيام بتفعيل عمل حكومته، لان بلادها تعتقد ان لا حكومة جديدة في لبنان في المدى المنظور، طالما ان شروط تاليفها لا تزال غير متاحة راهنا، ووفقا لمصادر سياسية بارزة، استغرب الرئيس حسان دياب الاندفاعة الاميركية، تعامل معها بواقعية، دون ان يعتبرها «جرعة دعم»، لكنه اعاد «انعاش» العمل في مقر الرئاسة الثالثة حيث تشهد «السراي» حركة لافتة بعد «خمود» طويل، كما اعاد تكثيف اطلالاته التلفزيونية، مع العلم ان الهدف الاميركي واضح، ليس هناك اي تغيير في قواعد التعامل مع الحكومة المستقيلة، لكن حركة السفيرة الاميركية كانت ضرورية لتوجيه «رسالة» تحذيرية للرئيس سعد الحريري، مفادها ان واشنطن لن «تهضم» تشكيلة حكومية تكون اليد العليا فيها لحزب الله وحلفائه، واذا لم يراع «هواجسها»، فهي لن تتوانى عن التعامل مع «الامر الواقع» الموجود في القصر الحكومي.
«رسائل» جنبلاطية للحريري
وفي السياق نفسه، وربطا بالتحرك الاميركي، لفتت مصادر مطلعة الى قيام وزيرة الاعلام منال عبدالصمد بزيارة «مفاجئة» الى السراي الحكومي يوم امس، بعد فترة انقطاع طويلة عقب استقالة الحكومة، ويبدو ان تفعيل نشاطها مرتبط «بالبرودة» المستجدة في علاقة النائب السابق وليد جنبلاط برئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الذي يبقي المختارة بعيدة عن الاتصالات الحكومية، ما اثار «استياء» رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، الذي زار رئيس مجلس النواب نبيه بري مؤخرا «شاكيا» الادارة السيئة للحريري الذي لا يتواصل معه، وعندما يبادر النائب وائل ابوفاعور الاتصال «ببيت الوسط» لا يحصل على اي معلومة مفيدة..!
باسيل يخاطب الاميركيين؟
وفي هذا الوقت، تحدث رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل عن الوضع الداخلي، وعلاقته مع حزب الله، والعقوبات الاميركية، والوضع الحكومي، وفي مقابلة مع تلفزيون «الحدث العربية» السعودي، توجه الى الاميركيين بالقول «اقول للأميركي بصوت عال: اعطني ما يحفظ امن لبنان واستقراره وقوته وعدم الاعتداء عليه فأذهب «على راس السطح وليس عالسكت» واقول لحزب الله بالمباشر معه ثم اخبر اللبنانيين ان ثمن قطع العلاقة هذا ما يأتي به للبنان».
واشار باسيل انه لا يؤيد تدخل اي دولة بشؤون اي دولة عربية ولا يؤيد اي تدخل لبناني في الخارج، وقال «نحن نعاني من التدخلات الخارجية بشؤوننا وارخص شيء هو العقوبات اذا كان السبب رفض التوطين والمطالبة بعودة النازحين».
ولفت باسيل الى انه كوزير خارجية وتيار سياسي لم نوافق على تدخلات حزب الله في الخارج، وتساءل : لماذا مسموح للحريري ان يقول ان سلاح حزب الله مسالة اقليمية تحل في هذا الاطار بينما لا يسمح لنا ذلك؟، ولفت الى ان وثيقة التفاهم مع حزب الله تتحدث عن الاستراتيجية الدفاعية، واشار الى ان التاريخ علمنا ان عزل اي طائفة يؤدي الى انفجار، وهنا نتحدث عن مكون بكامله وليس فقط عن حزب الله. ولفت باسيل انه مستعد لترك الحياة السياسية اذا ثبت عليه اي تهمة فساد، وتساءل : دولة مثل اميركا الا تستطيع ان تكشف كل شيء؟
حكوميا، اشار باسيل الى ان اتهام تياره السياسي بعرقلة الحكومة نغمة قديمة، واكد انه لم يطلب حتى اللحظة الا المعيار الواحد ولم يطرح اي مطلب او اي شرط، واشار الى ان سبب عدم تاليف الحكومة حتى الان هو الوعود المعطاة للداخل غير المتناسبة مع الوعود المعطاة للخارج…
التزام .. ومخالفات
صحيا، سجلت 1016اصابة جديدة بالامس و10 حالات وفاة، فيما الالتزام بقرار الاقفال التام لامس الـ 80 بالمئة كمعدل وسطي في المناطق، لكن مجموع محاضر مخالفات قرار التعبئة العامة المنظمة اعتباراً من فجر السبت بلغ 9155 محضرا، وهو يعكس وجود تجاوزات كبيرة من قبل المواطنين. وبعد اجتماع مع المحافظين، ترأس رئيس حكومة تصريف الأعمال الدكتور حسان دياب اجتماعا أمنيا، حضره الوزيران زينة عكر ومحمد فهمي، قائد الجيش العماد جوزاف عون، المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا، مدير المخابرات العميد أنطوان منصور، العميد الياس البيسري، رئيس فرع المعلومات العميد خالد حمود، مساعد مدير أمن الدولة العميد سمير سنان ورئيس شعبة الخدمة والعمليات العقيد جان عواد، ونوه دياب بـ «الجهود التي بذلتها الأجهزة الأمنية خلال أيام الإقفال الأولى»، وشدد على «ضرورة الاستمرار بتطبيق الاجراءات».
من جهته، أوضح وزير الصحة في حكومة تصريف الاعمال حمد حسن من السراي الحكومي بعد سلسلة اجتماعات تناولت الشأن الصحي ان «الاقفال كأس مر لا بد منه وامل تخفيف عدد الإصابات والتشخيص المبكر وتخفيف الحاجة من الدخول إلى المستشفيات لرفع جهوزيتها»، معتبرا ان نتائج الاقفال لن تظهر قبل يوم الاربعاء. وقال «ناقشنا مستحقات المستشفيات واعلنّا جهوزيتنا تحويل مستحقات 2020 الى وزارة المالية. وأعلن ان شحنة دواء الـ «ريمديسيفير» وصلت مساء أمس الاول، مؤكدا انها ستوزع الى المستشفيات وكمية منها ستبقى لدى الوكيل كي لا يتم خلق سوق سوداء.