يبدو واضحا ان عملية استرهان تأليف الحكومة ليست مرشحة للخروج من دوامة الشروط الأسرة، بما يعني ان ابعادا تتجاوز اللحظة الحالية الداخلية تتحكم بالمأزق، ولا افق قريبا لاي انفراج محتمل لهذه الازمة. ولعل ما استوقف المراقبين في الآونة الأخيرة هو ابتعاد المعنيين المباشرين بمسار تأليف الحكومة أي رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري عن تسليط الأضواء على لقاءاتهما والتكتم حتى على خبر انعقاد اللقاء الأخير الذي عقد بينهما اول من امس في قصر بعبدا بما يكشف تاليا اتساع الهوة في مسار التاليف بدل اقتراب التعقيدات من تسويات وحلول.
وأكدت المعطيات المتوافرة امس في هذا السياق ان التاليف الحكومي يدور في حلقة مفرغة بما يصعب معه توقع أي حلحلة وشيكة في دوامة التعقيدات والمواقف المتصلبة. وادرج الحراك السياسي الأخير في اطار مساعي الرئيس الحريري المستمرة للوصول الى نتيجة انطلاقا من المرتكزات التي أرساها منذ تكليفه لتشكيل “حكومة مهمة” تضم 18 وزيرا من أصحاب الاختصاص غير الخاضعين للقرار السياسي من دون اقفال الباب امام مناقشة الأسماء المطروحة مع المكونات السياسية كافة. وتؤكد هذه المعطيات ان الحريري، الذي نفى مستشاره الإعلامي حسين الوجه مساء امس ان يكون على جدول أعماله اليوم أي مؤتمر صحافي، لا يزال متمسكا بموقفه من ركائز هذه الحكومة بعدما كان قطع شوطا كبيرا في مناقشتها مع رئيس الجمهورية، وانه لن يتراجع عنها من منطلق ان المعايير التي تتألف على أساسها الحكومة المقبلة وحدها ستكون قادرة على وقف الانهيار وتنفيذ الإصلاحات المطلوبة.
وتلقى الوسط السياسي امس رسالة اممية جديدة تحضه على تشكيل الحكومة بسرعة وتولى نقل الرسالة المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش الذي اعلن انه قدم إحاطة الى مجلس الامن حول الوضع في لبنان “حاشدا الدعم للبلد ولشعبه الذي يعاني من ازمة وجودية متفاقمة”. وأضاف في تغريدة :”في المقابل رسالة من مجلس الامن الى قادة لبنان واضحة: شكلوا حكومة دون مزيد من التأخير، حكومة فعالة وقادرة على الإصلاح والتغيير، حكومة تعمل ضد الفساد ومن اجل العدالة والشفافية والمساءلة. هل سيصغون؟”.
نهاية السنة؟
ولكن المخاوف تتصاعد من تمدد ازمة التاليف الى ما يتجاوز الشهر الحالي وربما أيضا الشهر المقبل اذا ثبت ربط ازمة التاليف وافتعال سلاسل الشروط والتعقيدات بأبعاد إقليمية لم تعد خافية على احد علما ان البلاد تترنح بقوة امام هوة سحيقة من الازمات والانهيارات التي تضغط بقوة هائلة. ويبدو ان الخلافات بين عون والحريري لم تقترب بعد من أي قاسم مشترك اقله بعدما اتسعت الهوة في شكل لافت عقب فرض العقوبات الأميركية على رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل وافتعال اتهامات في وجه الحريري من انه يساير المناخ الأميركي في بعض جوانب طروحاته لتأليف الحكومة. وفي هذا السياق بالذات تحدثت امس مصادر مطلعة عن عدم توصل اللقاء الأخير السري بين عون والحريري الى أي جديد مشيرة الى ان النقاش يحصر كما في كل مرة، بحسب قول المصادر نفسها، بالاسماء المسيحية دون ان يتطرق الى أسماء الوزراء من الطوائف الإسلامية سواء الشيعية او السنية او الدرزية. وأسوة بما تردده جهات سياسية تسعى الى تقييد الحريري في مسار التاليف بشروطها تتحدث المصادر نفسها عن “قيود خارجية مفروضة على حقائب محددة كالمال والأشغال والطاقة والاتصالات وتتعلق بإبعاد أحزاب معينة عن التوزير المباشر وغير المباشر”.
وفي إطار المواقف من مسار التأليف جدد “تكتل لبنان القوي” دعوته الى تشكيل حكومة انقاذ تنفذ البنود الإصلاحية في المبادرة الفرنسية وشدد تكرارا على “اعتماد معيار واحد في عملية التشكيل ليتأمن للحكومة أوسع دعم نيابي وسياسي وشعبي”. واعتبر ان “حكومة الاختصاص والخبرة والكفاءة لا يمكنها ان تعمل وتنجز بمعزل عن مبدأ حفظ التوازن الوطني الذي لا يمكن تجاوزه او التنازل عنه” ونبه الى “وجود معطيات أكيدة ومؤشرات مقلقة توحي برغبة البعض في العودة 15 سنة الى الوراء الى زمن الإقصاء والتهميش وهو امر يعاكس مسار الاستقرار الوطني”.
التحقيق الجنائي
ولعل اللافت وسط هذه الأجواء ان موضوع التحقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان عاد بقوة الى الواجهة بعدما أدت تداعياته الى انفجار خلاف داخلي وسجالات علنية بين وزيرة العدل ماري كلود نجم ورئيس لجنة المال والموازنة النيابية ابرهيم كنعان ونواب في “تكتل لبنان القوي” الامر الذي دفع رئيس الجمهورية الى التدخل وجمع نجم وكنعان امس في قصر بعبدا لاعادة تصويب الموقف الموحد من التدقيق. وفي سياق متصل فان نائب رئيس حزب “القوات اللبنانية” النائب جورج عدوان سيتقدم اليوم باسم “كتلة الجمهورية القوية” باقتراح قانون لتعليق العمل ببعض بنود قانون السرية المصرفية وسيشرح حيثيات الاقتراح في مؤتمر صحافي لجهة تسهيل التحقيق الجنائي في مصرف لبنان وكل مؤسسات الدولة. كما لوحظ ان السفير البريطاني كريس رامبلينغ لفت في لقائه مع وزير المال في حكومة تصريف الاعمال غازي وزني امس الى أهمية القيام بتدقيق جنائي ملائم لحسابات مصرف لبنان. وإذ شدد على تشكيل حكومة جديدة بأسرع وقت قال “حتى يتم ذلك من المهم ان على حكومة تصريف الاعمال ان تضطلع بمسؤوليتها مثل تحضير موازنة السنة 2021 وهذا ما يحصل”.
صرخة القطاعات
والاستحقاق الحكومي على أولويته وإلحاحه ساهم في تظهير تصاعد التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لحال التعبئة والأقفال العام في مواجهة الانتشار الوبائي لفيروس كورونا في لبنان ومحاولة لجم انتشاره. ذلك انه بعد أيام قليلة وقبل اتضاح نتائج الأسبوع الأول من الاقفال بدأت التداعيات التجارية والاقتصادية للإقفال تتصاعد بفعل اشتداد الضائقة الاقتصادية والركود التجاري والتراجعات في معظم القطاعات ولا سيما منها التجارية. وعقد لهذه الغاية اجتماع استثنائي للمجتمع التجاري بكل مكوناته من كل المناطق اللبنانية في جمعية تجار بيروت وكان الاجتماع والمطالب التي انتهى اليها بمثابة جرس انذار جديد الى خطورة الأوضاع التي بلغها القطاع التجاري. وعكس رئيس جمعية تجار بيروت نقولا الشماس باسم ممثلي القطاع “الذهول والإحباط المخيمين على القطاع التجاري إزاء الظلم والتعسف والإساءة التي يرتبها قرار الإغلاق لكونه ينطبق فقط على هذا القطاع دون سواه ويستقوي عليه وحده ” وإذ حذر من ان “الموت الحتمي لهذا القطاع لن يؤدي الى احياء قطاعات أخرى دعا الى اعتماد التوازن بين الموجبات الصحية والمقتضيات الاقتصادية مطالبا بإعادة النظر في قرار الاقفال فورا ومعاملة القطاع التجاري مثل القطاعات الإنتاجية الأخرى والعمل بنصف الطاقة التشغيلية. وفي هذا السياق لمح وزير الداخلية في حكومة تصريف الاعمال محمد فهمي بعد زيارته لبكركي ولقائه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الى انه من الممكن إعادة النظر في إلاجراءات التي تنفذ بقرار من وزارة الداخلية يوم الجمعة المقبل واتخاذ قرار بإعادة فتح بعض المصالح.