قال رئيس حكومة سابق في لبنان، إن رئيس الجمهورية ميشال عون بإعادته مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة مع الرئيس المكلف بتشكيلها سعد الحريري إلى نقطة الصفر، وفَّر الذرائع لحليفه “حزب الله” ومن خلاله لإيران التي لا تحبذ تأليفها على وجه السرعة، وتفضل ترحيل المشاورات إلى ما بعد تسلُّم الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن لمهامه الدستورية، خلفاً للرئيس الحالي دونالد ترمب. وأضاف أن ما يهم إيران هو التفاوض مع بايدن حول القضايا العالقة بين طهران وواشنطن، ومنها الوضع في لبنان، بغية التوصل معه إلى تسوية، بدلاً من أن “تبيع” الورقة اللبنانية لباريس التي ليست قادرة على تسديد الثمن المطلوب.
ولفت رئيس الحكومة السابق الذي فضَّل عدم ذكر اسمه لـ”الشرق الأوسط”، إلى أنه لا يفهم الأسباب الكامنة وراء عودة المشاورات بين عون والحريري إلى نقطة الصفر، إلا من خلال مراعاة الأول لموقف حليفه “حزب الله”؛ لأنه لا يرغب في إحراجه، مع أن الأخير وإن كان مع تسهيل ولادة الحكومة فإنه في المقابل يمتنع عن القيام بأي دور باتجاهه، ولو من باب رفع العتب، وهذا ما لمسه بالمباشر الموفد الفرنسي باتريك دوريل لدى اجتماعه برئيس “كتلة الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد، الذي أبدى كل استعداد للمساعدة في تسهيل تشكيل الحكومة؛ لكن هذا الاستعداد لم يُقرن حتى الآن بخطوات عملية.
ورأى المصدر ذاته أن دوريل تلقَّى في لقاءاته في بيروت وعوداً مجانية من قبل عون وصهره رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل و”حزب الله” تمثلت في تمسكهم بالمبادرة الفرنسية؛ لكن هذه الوعود سرعان ما تبخرت فور عودته إلى باريس.
وفي إطار مرتبط، كشفت مصادر سياسية عن معلومات توفرت لديها تتعلق بمداولات جرت بين وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو وعدد من المدعوين، ومن بينهم شخصيات لبنانية، لتناول العشاء معه بدعوة من السفيرة الأميركية في باريس. ونقلت هذه المصادر عن أحد المدعوين اللبنانيين أن بومبيو كان صريحاً بقوله إنه لا مساعدات مالية واقتصادية للبنان في حال أن “حزب الله” تمثل في الحكومة الجديدة بصورة مباشرة، أو من خلال وزراء يُشتَمُّ بأنهم من رائحة الحزب، وتربطهم به صلات سياسية غير مباشرة.
وأوحت المصادر – كما أُعلمت من أحد المدعوين اللبنانيين – بأن لبنان لن يكون مُدرجاً على جدول أعمال الاهتمامات الأميركية، في حال أن الحكومة لن تتشكل من اختصاصيين ومستقلين منزوعة عنهم انتماءاتهم الحزبية، وإن كان بومبيو يولي أهمية لتطبيع العلاقات الذي يسير بخطى سريعة بين عدد من الدول العربية وإسرائيل.
وفي هذا السياق، علمت “الشرق الأوسط” أن الحريري باقٍ على موقفه. وكان السبَّاق، قبل تكليفه وبعده، بتشكيل حكومة مهمة بالمواصفات التي حددها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وانتزع موافقة المكونات السياسية المعنية بتأليف الحكومة على هذه المواصفات، عندما التقاها في قصر الصنوبر.
وقالت مصادر واسعة الاطلاع، إن الحريري كان قد استبق بشروطه التي جددها فور تكليفه بتشكيل الحكومة قناعة منه، بأن الإفادة من عودة الاهتمام الدولي بلبنان الذي تجلى بالكارثة التي حلت ببيروت من جراء الانفجار الذي حصل في المرفأ، يجب أن توظف لإنقاذ لبنان الذي شكل ماكرون رافعة له، وهذا لن يتحقق إلا بالمجيء بحكومة بمواصفات دولية لاستعادة ثقة المجتمع الدولي بلبنان، كشرط لتأمين المساعدات المالية والاقتصادية لوقف انهياره ومنع تدحرجه وصولاً إلى زواله.
وأكدت أن الحريري تمسك بحكومة مستقلة؛ لأنها الوحيدة من وجهة نظره التي تفتح الباب أمام تصالح لبنان مع المجتمع الدولي والدول العربية، والقادرة على قاعدة تحييده عن الصراعات الدائرة في المنطقة، والتزامه بسياسة النأي بالنفس التي أطاح بها باسيل من دون أن يقوم عون بردعه، ما أدى إلى إقحام لبنان في “محور الممانعة” بقيادة إيران.
واعتبرت أن شروط الحريري لتشكيل الحكومة لم تكن استجابة لرغبات خارجية، بمقدار ما أنها المعبر الوحيد الذي يعيد لبنان إلى خريطة الاهتمام الدولي؛ لأن لا قدرة لديه للتعافي المالي والاقتصادي من دون الالتفات إلى المجتمع الدولي، والدخول معه في تطبيع العلاقات، لإنهاء مرحلة الاشتباك السياسي الذي لم يكن له من مبرر سوى تسديد فواتير مجانية على حساب توثيق العلاقات اللبنانية – العربية.
ومع أن المصادر نفسها ما زالت تجهل الدوافع التي أملت على عون الانقلاب على الأجواء الإيجابية التي سادت الجولات الأولى من مشاورات التأليف، وسرعان ما أعادها إلى نقطة الصفر، فإنها كشفت لـ”الشرق الأوسط” أن عون، وبلا أي مبرر، تصرف في الاجتماعين الأخيرين بالحريري وكأن التكليف لم يحصل، وقالت إنه تراجع عن أن تُشكل الحكومة من 18 وزيراً، وعاد وأصر على رفع عدد الوزراء إلى 20 وزيراً.
وأضافت أن عون يصر حالياً على “وحدة المعايير” وكأنه يرفض استثناء وزارة المالية من المداورة، ويتمسك بتسمية الوزراء المسيحيين، مع أنه عاد وتراجع عن تسمية 3 وزراء مسيحيين ويود استبدال آخرين بهم. وقالت إن تمسكه بموقفه يعني أنه يتيح لباسيل اختيارهم، وإن الأخير يريد التعويض عن العقوبات الأميركية المفروضة عليه بالسيطرة على “الثلث المعطل” في الحكومة.
وتابعت المصادر بأن عون يصر على قيام الحريري بمشاورات مع الكتل النيابية، ويقصد من وراء طلبه إعادة تعويم باسيل، وتقديمه للرأي العام على أنه لا يزال يمسك بمفاتيح اللعبة السياسية، وبالتالي فإن لا تأثير للعقوبات عليه، إضافة إلى أن عون يتطلع لتشكيل حكومة تكنوسياسية، وهذا ما يرفضه الحريري؛ لأن الحكومة ستولد في هذه الحال ساقطة دولياً وعربياً. وأضافت أن الحريري لن يتراجع عن موقفه، وسيكون له الرد المناسب، إنما تحت سقف عدم الاعتذار عن تأليف الحكومة.