الرئيسية / صحف ومقالات / الأخبار : لماذا يؤخّر الحريري تأليف الحكومة؟
الاخبار

الأخبار : لماذا يؤخّر الحريري تأليف الحكومة؟

لا يأبَه الرئيس المكلف سعد الحريري بحال لبنان المكشوف سياسياً وأمنياً ‏ومالياً على كل السيناريوات. يتباطأ في مهمته، ويعزف عن تأليف ‏الحكومة، واضعاً العراقيل أمام نفسه والآخرين. هل يريد الحريري تأخير ‏ولادة الحكومة إلى العام المقبل، مراهناً على سياسة جديدة في إدارة الرئيس ‏الأميركي المُنتخب جو بايدن؟

تتزايَد في بيروت الشكوك حيال إمكان ولادة الحكومة التي كُلّف الرئيس سعد الحريري بتأليفها، في المدى القريب، أو ‏حتّى بعيد. وتتزايَد معها علامات الاستفهام عمّا إذا كانَت العِقد التي تواجِهها ناجمة عن عوامل محض داخلية تتّصل ‏بالخصام بين الحريري من جهة، ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون والنائب جبران باسيل من جهة أخرى، أم أنها ‏ترتبِط بالتحولات الإقليمية والدولية التي لم تتضّح نتائجها بعدن بعد الانتخابات الأميركية. وإذ لم يعُد مُهماً الجواب ‏الذي أفضى الى دخول المداولات الحكومية في غيبوبة، وسواء كانَ إدخالها مُتعمداً من قِبل الأطراف المعنيين أو لا، ‏فإن ثابتة واحدة لم يعُد بالإمكان إنكارها، وهي أن البلاد محاصرة بينَ حكومة تصريف أعمال أعجَز من حمل الأثقال ‏وحكومة مؤجلة محكومة بانتظار ما وراء المحيطات، من دون الالتفات إلى تحلّل هيكل الدولة بكل مفاصله: الأمن ‏والسياسة والاقتصاد والمال والنقد. ورغم الانطباع بأن عدم تأليف الحكومة بعد أكثر من شهر على التكليف، مردّه إلى ‏إصرار كل طرف على مطالبه وشروطه، فإن المسؤولية الأكبر، لا شكّ، يتحمّلها الحريري الذي يتمسّك بورقة ‏التكليف في جيبه بانتظار دخول الرئيس الأميركي جو بايدن الى البيت الأبيض، مراهناً على تفاهمات جديدة في ‏المنطقة والعالم تُعيد ترسيم النفوذ‎.‎

لم تحمِل الأيام الماضية أي جديد في ما يتعلّق بالحكومة. فقد كانَت روزنامة الأسبوع الفائِت مليئة بمناقشة ملفات ‏حساسّة، من قانون الانتخاب إلى رسالة عون في مجلس النواب بشأن التدقيق الجنائي. غيرَ أن لا علاقة لذلك بعدم ‏استئناف رئيس الحكومة المُكلف اتصالاته ولا تسجيل أي زيارة له إلى قصر بعبدا. فكلّ ما يفعله الحريري، على ‏حدّ قول معنيين، هو “الشكوى” من باسيل. تقول مصادر مطلعة على الملف الحكومي إن عدداً من الأطراف كانَ ‏ينصَح الحريري في الفترة الماضية بالتواصل مجدداً مع عون وباسيل من أجل تأليف الحكومة، لكنه كانَ يُجيب ‏بجملة واحدة “ما حدا يلزمني بالحديث مع باسيل”! المصادِر ذاتها تعتقِد بأن ثمة أمراً آخر يقِف خلف تصرفات ‏الحريري الذي باتَ يتسلّح بهذه الحجة، وخاصة أن الكلام مع رئيس تكتل “لبنان القوي” لم يعُد هو العائِق، بعدَ أن ‏تكفّل الموفد الفرنسي باتريك دوريل بذلك، خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان. ثمّ إن آخر العقد التي كانَ يُحكى عنها ‏هي أسماء الوزراء المسيحيين وتوزيع الحقائب في الحصة المسيحية. ويصعب في رأي هذه المصادر عزل ‏تصرفات الحريري عن المناخ الإقليمي – الدولي الذي يُحيط بلبنان في لحظة اشتداد المواجهة، لكنها تميل أكثر إلى ‏ربطها باعتبارات لديه تتعلّق برهانه على سياسة الإدارة الأميركية الجديدة‎.

من البداية، لم يكُن الحريري ثابتاً على موقف. ظنّ أن بإمكانه تجاهل باسيل، ما دامَ قد “حبكها” مع حزب الله ‏وحركة أمل، واهماً بأنهما الى جانبه لمجرّد أنه يقبَل بأن يسمّيا هما الوزراء الشيعة. ثم لعِب الحريري على خطّ ‏بعبدا، متذرعاً بالدستور، لحياكة تشكيلة يشاركه فيها عون وحده، علماً أنه لم “يحلِب صافياً معه”. بداية أوحى ‏إليه بأنه منفتِح وسيقبل بما يريده رئيس الجمهورية من وزارات وأسماء ثم عادَ وانقلب عليه، بحجة أنه محشور ‏بحصص أطراف مسيحيين آخرين، حتى وصلت الأمور بينهما إلى حدّها، خلال اللقاء الأخير الشهير الذي كانَ ‏فيه عون منزعجاً جداً. باعَ الحريري وليد جنبلاط وعوداً بحقيبتين (الصحة والشؤون الاجتماعية) وتراجع، ما ‏دفع بجنبلاط الى رمي بعض التغريدات العالية السقف. وهكذا دواليك، أخذ الحريري يرمي أوراقاً ويسحبها على ‏طاولة التوازنات والحصص، فيما بدأت تتكشف محاولاته تأخير التأليف الى السنة الجديدة. وهنا، توسّع المصادر ‏في دائرة التحليلات وصولاً الى باريس، إذ اعتبرت أن “الحريري والفرنسيين معاً يُفضّلان تجميد التأليف الى ‏حين تسلّم بايدن، الذي من المتوقّع أن يذهب الى تفاهمات جديدة مع الأوروبين ودول الخليج، ما قد يتيح تأليف ‏الحكومة بطريقة أسهل وأكثر نفعاً”. في المقابل، تردّ مصادر قريبة من الحريري بالقول إن “السبب الوحيد لتأخير ‏التأليف هو أن عون وباسيل لا يزالان يتصرفان كما لو أن البلاد بخير، إذ لم يتبدّل شيء في أدائهما‎”.‎
وتجزم المصادر بأن الحكومة “ستولد في لحظة تنازل عون وباسيل عن شروطهما‎”.

وفيما لا يزال مؤكداً أن الحريري لن يعتذر، وهو ما أشار إليه عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل النائب ‏السابق مصطفى علوش، لفتت مصادر قصر بعبدا إلى أن “الرئيس المكلف لم يكُن حتى مساء أمس قد طلبَ موعداً ‏من عون”، وذلك رداً على المعلومات التي جرى تداولها بشأن زيارة ستحصل اليوم، لافتة إلى أنه “في العادة ‏يطلب الموعد في اليوم ذاته‎”.

من جهة أخرى، أطل في مقابلة تلفزيونية رئيس حكومة تصريف الأعمال، حسان دياب، معتبراً أن ما حدث في ‏مرفأ بيروت هو “جريمة العصر، ونتيجة شكل من أشكال الفساد المستشري”. وعن أن البعض يصف حكومته ‏بأنها تابعة لحزب الله، شدّد على أنه “مستقل وحكومتي ليست حكومة حزب الله. وفي هذا الظرف مطلوب حكومة ‏تكنوقراط ووزراء غير حزبيين وغير سياسيين واختصاصيين وأصحاب خبرات”. وقال إن “المنظومة الفاسدة ‏متجذرة في البلد وتعطل كل مشروع إصلاحي”، مشيراً إلى أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة “مدعوم من ‏الطبقة السياسية والمالية، ولا شك في أن هناك دعماً كبيراً له، فهو لم ينفّذ قرار مجلس الوزراء” بشأن التدقيق ‏الجنائي‎.‎

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *