فتحت البلاد امس وسط مزيد من الارباكات الناجمة عن العشوائية الحكومية في اتخاذ الخطوات والإجراءات التي من شانها إقامة توازن الحد الأقصى بين احتواء موجات التفشي الوبائي لفيروس كورونا مجتمعيا، وموجبات تحريك الدورة الاقتصادية والتجارية في بلد يختنق بانهيارات وازمات مصيرية. وعلى العلل والشوائب الكثيرة التي تكتنف الفتح التدريجي للبلاد، فان الحركة الكثيفة التي سجلت امس عكست الحاجة المتعاظمة لاحياء الشلل الاقتصادي والتجاري فيما بدا في المقابل ان الانسداد السياسي التصاعدي الذي يمنع بل يفخخ الطرق والدروب والوسائل المؤدية الى الافراج عن الحكومة الجديدة لا يزال بلا أي افق واعد بالانفراج.
ولم تقتصر صورة الاجواء القاتمة على المأزق الحكومي العالق بين معادلات الغموض والاشتراطات والرهانات المتشابكة والمتصادمة فحسب، بل ان الصورة الخارجية للدولة برزت في احدى تجلياتها البالغة السلبية من خلال تطورين يتصلان بغياب حكومة فاعلة وحاضرة بكل صلاحياتها واستنفارها وسياساتها الواضحة للإفادة من كل تطور من شأنه الدفع نحو انقاذ لبنان من ازماته الخطيرة. فلبنان الذي تعاود فرنسا غدا تنظيم مؤتمر جديد لحشد الدعم والمساعدات الإنسانية لشعبه، لن تجد الجانب اللبناني الحكومي الفعال الى جانبها لاقناع العالم بتوسيع اطار الدعم بحيث يطاول الاقتصاد العليل والمالية العامة المعدومة. في المقابل ولو اختلفت الظروف والحيثيات في ملف آخر لا يقل خطورة واهمية، فان تعليق جولة المفاوضات الخامسة لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل التي كانت مقررة غدا أيضا، لا يشكل نبأ إيجابيا للبنان حتى لو كانت إسرائيل تتلاعب بالتوقيت واللحظة الإقليمية وتستغل الفراغ الحكومي في لبنان. وكل هذا يجري وسط ازدياد منسوب الدهشة لدى اللبنانيين حيال معادلة الغموض “غير البناء” اطلاقا في شأن مسار تأليف الحكومة، حتى ان بعض المراقبين بدأ يتساءل عما اذا كان لا يزال يصح الحديث عن مسار لتشكيل الحكومة وسط هذا الجمود القاتل غير المسبوق الذي يطبع مجمل المشهد السياسي الداخلي منذ أسبوعين على الأقل.
المأزق المستمر
وإذ لم يطرأ أي جديد على المشهد الحكومي المأزوم، ولم تصدر أي إشارة في شأن ما تردد عن زيارة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري لقصر بعبدا، بدا لافتا ان تعاود بعبدا التموضع في موقع دفاعي عن موقفها من خلال الرد على تقارير صحافية تناولت دور رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل وتدخلاته الى جانب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في طرح الشروط المعرقلة لمهمة الرئيس الحريري. وفي معرض ردها على هذه الأجواء، جددت رئاسة الجمهورية التأكيد “ان تشكيل الحكومة يتم بالاتفاق بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري ولا دور لاي طرف ثالث فيه”. وقالت مصادر قريبة من بعبدا ان رئيس الجمهورية لم يطرح او يقترح حتى الآن أسماء وزراء على الرئيس المكلف سعد الحريري وما يشاع عن طرح عون اسم جان سلوم لوزارة الداخلية غير صحيح، مع التأكيد ان رئيس الجمهورية لا يزال يتحدث في المبادئ العامة ولن يطرح أي اسم ولن يقوم الأسماء التي يطرحها الحريري عليه قبل تقديم مسودة كاملة اليه.
وفيما بدأت بعض الأوساط تلاحظ ان الرئيس الحريري يعتمد اعتكافا عن التواصل المباشر مع سائر الافرقاء السياسيين، اكتفى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بالقول لـ”النهار” في هذا الصدد “لا اعرف وهو (الحريري) لا يتصل بنا “. وحذر جنبلاط من ان “كل لحظة تأخير في تأليف الحكومة نكون في وضع اصعب وسيزداد الشلل وتتفاقم الازمة الاقتصادية بدءا من الاحتياط الإلزامي الى عدم ترشيد الإنفاق”. واللافت في كلام جنبلاط انه لمح الى “انهم يعملون على خلق عقدة درزية غير موجودة”. ولوح الى انه اذا كان الاتجاه سيكون وفق هذه الطريقة “فمن الأفضل ان نتعاطى مع الحكومة المقبلة كما فعلنا مع حكومة حسان دياب”.
وإذ لم يثبت بعد ما اذا كان الرئيس الحريري سيزور قصر بعبدا في الساعات المقبلة وربط هذه الزيارة بانعقاد مؤتمر الدعم الدولي من اجل لبنان غدا افاد مراسل “النهار” في باريس ان هدف المؤتمر الدولي الثاني لدعم الشعب اللبناني الذي تنظمه باريس غدا بالتنسيق والتعاون مع الأمم المتحدة هو تقييم نتائج المؤتمر الأول الذي عقد في 9 آب الماضي بعد أيام قليلة من انفجار مرفأ بيروت في 4 آب حيث جمع آنذاك 250 مليون يورو للمساعدات الإنسانية والاجتماعية الطارئة. وسيتم الإعلان عن التزامات نحو 35 دولة ومنظمة دولية ستشارك مبدئيا في المؤتمر الدولي الثاني غدا، علما ان المؤتمر ينعقد وسط خيبة فرنسية ودولية عميقة حيال التأخير المتمادي في تشكيل الحكومة الجديدة. ومن المتوقع ان يصدر عن المؤتمر بيان يشدد على وقوف المجموعة الدولية الى جانب الشعب اللبناني وعدم تركه لتداعيات الازمات التي تعصف بلبنان كما سيؤكد مجددا أهمية تشكيل حكومة اختصاصيين بسرعة والتزامها الإصلاحات العاجلة الجوهرية .
ولوحظ في هذا السياق ان رئاسة الجمهورية أحالت امس الى رئاسة مجلس الوزراء نص القرار الذي أصدره مجلس النواب حول التدقيق الجنائي وطلبت “المبادرة الى اتخاذ الإجراءات القانونية والعملية في موضوع التدقيق المحاسبي المركز على حسابات مصرف لبنان والجهات ذات الصلة وفقا لقرار مجلس الوزراء”.
ارجاء الجولة الخامسة
وسط هذه الأجواء تبلغ لبنان امس ارجاء الجولة الخامسة من المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل برعاية الأمم المتحدة ووساطة الولايات المتحدة حول ترسيم الحدود البحرية التي كانت مقررة غدا في الناقورة. وذكر انه سيستعاض عنها بتشاور بين الجانبين الأميركي واللبناني في ظل تبلغ لبنان ان رئيس الوفد الأميركي المشارك في هذه المفاوضات جون دو روشيه سيحضر الى بيروت للقاء المسؤولين اللبنانيين واستكمال النقاشات او محاولة إيجاد أرضية مشتركة.
وزارت امس السفيرة الأميركية دوروثي شيا رئيس مجلس النواب نبيه بري من دون كشف أي معلومات عن المواضيع التي تناولها اللقاء. وكان متوقعا ان تتعثر المفاوضات بعدما قدم لبنان طرحا رفضته إسرائيل بانطلاق الترسيم البحري من نقطة رأس الناقورة برا وتجاوز لبنان كل النقاط التي كان تم التوصل اليها سابقا بدءا من المفاوضات مع قبرص وصولا الى المفاوضات مع الولايات المتحدة بما فيها خط هوف. وطالب لبنان بخط جديد يعطيه 1430 كيلومترا مربعا مضافة الى 860 كلم لحظها خط هوف أي ما مجموعه 2290 كيلومترا مربعا. وسيقوم رئيس الوفد الأميركي الوسيط جون دو روشيه بلقاء رئيس الجمهورية وقائد الجيش والوفد اللبناني المفاوض برئاسة العميد بسام ياسين