لم تحُل مشاركة الرئيس اللبناني ميشال عون في مؤتمر باريس الثاني لدعم الشعب اللبناني والمناطق اللبنانية المنكوبة جراء انفجار المرفأ دون توجيه رسائل فرنسية وأممية ودولية منددة بتقاعس السلطات اللبنانية الرسمية عن تشكيل “حكومة المهمة” وتنفيذ الإصلاحات المطلوبة منها، بل جاء معبّراً عن حرص الرئاسة الفرنسية على إعلاء صوت المجتمع المدني اللبناني أمام المجتمع الدولي لعكس الصورة الحقيقية لمعاناة اللبنانيين كما هي على أرض الواقع بعيداً من اعتبارات السلطة السياسية اللبنانية التي لا تزال تناور وتتهرب من القيام بما يلزم لإنقاذ الوضع في لبنان.
أما في مستجدات قضية انفجار مرفأ بيروت، فكشف مسؤول في الرئاسة الفرنسية أنّ باريس سلّمت السلطات اللبنانية صور الأقمار الاصطناعية التي ترصد موقع المرفأ قبل انفجار الرابع من آب، بخلاف ما أشيع في بعض الوسائل الإعلامية اللبنانية، مشدداً في ضوء ذلك على وجوب أن تكشف الحكومة اللبنانية عن نتائج التحقيق في الانفجار “وتظهرها علناً”.
إذاً، استجاب 27 دولة و10 منظمات دولية وممثلون عن المجتمع المدني في لبنان لدعوة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وأمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى مؤتمر المساعدات الانسانية لدعم الشعب اللبناني والمناطق اللبنانية المنكوبة بعد انفجار المرفأ الذي أدى إلى سقوط 200 قتيل وتدمير منازل وأحياء في العاصمة وضواحيها. وحضر المؤتمر الذي عقد عبر الفيديو 12 رئيس دولة ورئيس حكومة، بينما تمثل الحضور العربي بالعاهل الاردني الملك عبد الله الثاني، إلى جانب مشاركة كل من مصر والعراق والكويت وقطر والامارات.
وفي مستهل المؤتمر، الذي شهد ثلاث كلمات لممثلين عن المجتمع المدني اللبناني (أليسيا نادر، ملك خيامي وسمر أبو جودة)، شدد ماكرون على أنّ دعم فرنسا للشعب اللبناني “لا يمكن أن يأتي عوض دعم السلطات اللبنانية ولا يمكنه أن يستبدل ضرورة تشكيل حكومة”، وأضاف: “20 بالمئة من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر (…) وعلى الساسة اللبنانيين تشكيل حكومة جديدة لتنفيذ الإصلاحات وإلا لن يحصل لبنان على مساعدات دولية”، مؤكداً عدم التخلي “عن ضرورة القيام بالإصلاحات وعن التحقيقات في انفجار المرفأ”، على أن يصار إلى تأسيس صندوق يديره البنك الدولي مخصصاً لتقديم المساعدات الإنسانية إلى اللبنانيين، كاشفاً أنه سيعود إلى بيروت الشهر الجاري “للضغط على الطبقة السياسية”.
كذلك، دعا الأمين العام للأمم المتحدة “القيادة في لبنان إلى وضع الخلافات والمصالح السياسية جانباً وتلبية حاجات المواطنين”، متعهداً بمواصلة الأمم المتحدة “دعم لبنان وشعبه لاستعادة الاستقرار”. وجدد رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس في كلمته أمام المؤتمر “دعوة السلطات اللبنانية لوضع شبكة أمان اجتماعي والانخراط في إصلاحات ضرورية شاملة ومن بينها في القطاع المالي”، في حين أكدت مديرة صندوق النقد الالتزام بمساعدة لبنان على تطبيق الإصلاحات الضرورية لكنها أضاءت في المقابل على “الحاجة إلى إطار مالي منسق وإلى استراتيجية موثوقة لإعادة تأهيل النظام المصرفي”.
وفي السياق عينه، أتى تشديد رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال على أنه “حان الوقت كي يأخذ القادة اللبنانيون المبادرة المطلوبة لتغيير المسار الصعب ولكن يجب تشكيل حكومة شفافة وقادرة لتنفيذ الإصلاحات، والعودة إلى المفاوضات مع صندوق النقد بشكل سريع”، معلناً عن استمرار المجلس الأوروبي في لعب دور فاعل في مساعدة اللبنانيين وتلبية الحاجات العاجلة لهم والتي بلغت أكثر من 70 مليون يورو.
وقبيل انعقاد مؤتمر باريس الثاني، أوضحت الرئاسة الفرنسية أنّ المؤتمر السابق الذي انعقد في 9 آب كان قد أقرّ أكثر من 250 مليون يورو من المساعدات تم توزيعها عبر المنظمات غير الحكومية والجيش اللبناني والصليب الاحمر، وأكد مسوؤل في الرئاسة أنّ الأموال كلها صرفت وبلغت أكثر بقليل من 250 مليوناً، موضحاً أنّ مؤتمر الأمس كان هدفه تقييم ما تم تنفيذه من الالتزامات والنظر في آليات لدور المنظمات الدولية في تقدير الاحتياجات اللبنانية على المديين القصير والمتوسط ووضع آلية توزيعها عندما يتم جمعها، ولم يكن الهدف وضع رقم جديد للمساعدات بل تقدير الاحتياجات الملحة التي تتراكم في ظل انهيار وضع لبنان المعطل.
وقال المسوؤل في الرئاسة الفرنسية بلهجة استياء: “لا شيء بدأ تنفيذه مما هو مطلوب من المسوؤلين اللبنانيين، لا على صعيد إصلاح الطاقة ولا القضاء ولا التدقيق في المصرف المركزي والمصارف بسبب عدم تشكيل حكومة”، مؤكداً أنّ “خريطة الطريق الفرنسية ما زالت ضرورة ملحة لإنقاذ البلد وجميع الدول الأعضاء في مجموعة الدعم الدولي ترى ضرورة لتنفيذ خريطة الطريق هذه عبر حكومة مهمة تطبق الاصلاحات، وفرنسا تستمر في الضغط بهذا الاتجاه على المسوؤلين اللبنانيين”.
وعما إذا كان الرئيس الفرنسي سيستخدم العقوبات كوسيلة للضغط على المسوؤلين اللبنانيين، أجاب: ” العقوبات ليست مطروحة في الوقت الحاضر، فالعقوبات الأميركية على السياسيين اللبنانيين لم تغيّر الاوضاع ولم تعطل ولم تسرّع شيئاً”. وإذ فضّل عدم تحديد موعد زيارة الرئيس الفرنسي الثالثة إلى بيروت والمتوقعة قبل نهاية السنة، اكتفى بالقول: “نعمل لهذه الزيارة، والرئيس ماكرون أصرّ على دعوة ممثلين عن المجتمع المدني ممن كان قد التقاهم في بيروت لكي يصفوا الوضع على الأرض في لبنان”.