لم تجرِ الرياح بما يشتهي رئيس الجمهورية ميشال عون، لا هو استطاع تجنيب صهره جبران باسيل “كأس العقوبات” ولا استطاع دفع الرئيس المكلف سعد الحريري إلى تجرّع “كأس التنحي”. حاول قطع الطريق على تكليفه، بدايةً عبر قرار إرجاء الاستشارات الملزمة ثم بكلمة تحريضية للكتل عشية التكليف لكنه أخفق، سعى بعدها إلى تطويع التكليف ووضع مفاتيح التأليف في “جيب جبران” فلم يفلح، حاول استدراج الحريري إلى مشكل طائفي ولم ينجح، رمى قنبلة التعطيل أمام المجتمع الدولي في ملعب الرئيس المكلف فجاءت ارتدادتها عكسية وأصابت شظاياها صورة الرئاسة الأولى، عبر استقبال غير لائق بمقامها في مؤتمر باريس… استنفد عون أدوات تهشيل الحريري وأيقن أنّ تكليفه يهتزّ لكنه لا يقع، فأعاد جردة حساباته ليجد أنّ خسائر تأخير ولادة الحكومة تُدفع من كيس العهد دون سواه، فكان السؤال: أين المفر؟
وتحت سقف هذا السؤال، لاحظت مصادر مواكبة بوادر إعادة بحث في دوائر قصر بعبدا عن أرضية مشتركة مع الرئيس المكلف قابلة للتأسيس عليها حكومياً، وكشفت لـ”نداء الوطن” أنّ مقربين من رئيس الجمهورية نقلوا عنه أنه “منفتح على الحلول” بالتزامن مع إيصال “رسائل مشفّرة”، تشجع الحريري على كسر دوامة التريّث وتستدرجه إلى زيارة عون لاستئناف البحث في التشكيلة العتيدة “من دون شروط ولا قيود مسبقة”. وعلى هذا الأساس، يتجه الرئيس المكلف لزيارة بعبدا اليوم وفق ما أكدت المصادر بهدف “استشراف الآفاق والنوايا”.
وإذ لم يُعلم هل يحمل الرئيس المكلف معه مسودته الجاهزة لتقديمها رسمياً إلى رئيس الجمهورية، أعربت المصادر عن ثقتها بأنّ مسودة الحريري ستكون بلا شك “الطبق الرئيس” على طاولة اللقاء، باعتبار أنّ “كل ما يمكن أن يقال بين عون والحريري قد قيل ولا بدّ من الانتقال في مباحثاتهما إلى “الورقة والقلم”، للغوص بشكل معمّق في خريطة الأسماء والحقائب، إذا كانا يريدان فعلاً التوصل إلى نتيجة تفضي إلى ولادة الحكومة”.
تزامناً، تتجه الأنظار اليوم إلى بروكسل لتتبّع الخطوط العريضة لمضامين “خريطة الطريق” التي سيتبناها الاتحاد الأوروبي إزاء الأزمة اللبنانية. وفي هذا السياق، تتوقع مصادر واسعة الاطلاع لـ”نداء الوطن” ألا تخرج المبادرة الأوروبية في بنودها عن إطار الطرح الفرنسي الذي يعبّر عنه الرئيس إيمانويل ماكرون، لكنّ أهميتها ستكمن في نقل هذا الطرح إلى مستويات جديدة “تضاعف المسؤوليات والضغوط على الأفرقاء السياسيين في لبنان”.
وأوضحت المصادر أنّ نقطة الارتكاز في إعلان بروكسل ستتمحور حول مقررات مؤتمر “سيدر” بشكل ستنبثق عنه جملة نقاط وطروحات موسعة، حيال التصوّر الأوروبي لسلسلة الإجراءات والتدابير الواجب اتخاذها من قبل السلطة اللبنانية “عاجلاً وآجلاً” لإخراج لبنان من أزمته الطاحنة، بدءاً من وجوب تشكيل حكومة المهمة الإصلاحية وإنجاز التدقيق الجنائي بالحسابات وكشف نتائج التحقيقات بانفجار المرفأ، وتطبيق مبدأ المحاسبة والمساءلة بحق الفاسدين والمرتكبين، وتعبيد الأرضية الملائمة أمام إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي على برنامج عمل للمرحلة المقبلة يوقف الانهيار ويستنهض الاقتصاد الوطني.
ولفتت المصادر الانتباه إلى أنّ ماكرون سيعود إلى بيروت هذا الشهر “متسلّحاً” بالمبادرة الأوروبية، ليقول للطبقة الحاكمة في لبنان “مشكلتكم لم تعد معي وحدي بل أصبحت مع الاتحاد الأوروبي كله”، مع ما يعنيه ذلك من “عواقب وخيمة” ستتأتى على الاستمرار في سياسة التعطيل والمناورة والتهرب من الإصلاح والالتزامات والوعود المقطوعة سابقاً، بحيث سيكون التوجه الأوروبي عندها أقرب إلى الاقتناع بأنّ مبدأ “العصا” الذي تعتمده الولايات المتحدة هو أنجع مع المسؤولين اللبنانيين من مواصلة إغرائهم بـ”الجزرة”.