تكاد الأزمة اللبنانية تبلغ حدود الانفجار. هناك من يسعى الى تهديد السلم، أو تعميم التخريب على كل الأصعدة، وكأنه لا يرى حجم الكوارث التي وصل اليها البلد، وتؤسس لانهيارات متعددة بدأت بالقطاع المالي والمصرفي والاقتصادي، وطاولت البنى الاجتماعية والمعيشية، وهدمت ما تبقى من مؤسسات الدولة. ما يجري حالياً يندرج في اطار محاربة كل ما يرمز الى المؤسسات او السلطات ومنطق الدولة. وكل ذلك يجري بقرار مسبق للأسف ممن يفترض بهم صون الدولة وحماية الدستور والكيان والمؤسسات، لكنهم يرهنون كل ذلك خدمة لثأرهم الشخصي.
حرب شعواء يختار فريق العهد خوضها في كل الاتجاهات، مستغلاً النفوذ في بعض القضاء ووزارة العدل، مع ممارسة ضغوط كثيرة على قضاة آخرين للعمل غبّ الطلب السياسي، وهذا المسار لن يؤدي إلا إلى تدمير السلطة القضائية، ومسلسل التدمير بدأ منذ عرقلة التشكيلات القضائية لأنها لم تكن خاضعة لأهواء المتنفذين ومصالحهم ورغباتهم.
هناك من يريد استخدام القضاء كبيدق من بيادق حروبه، في فتح ملفات ونبش قبور ومواجهة كل القوى المعارضة له في سبيل استكمال ما بدأه العهد من خطط التدمير، وكأنه يعتمد سياسة الحرق الكامل لإعادة تعويمه عبر فتح جبهات متعددة يراد لها أخذ طبائع مذهبية وطائفية في إطار لعبة التجييش. وهذه اللعبة لن تؤدي الا الى مزيد من التوتر، وقد تودي بما تبقى من استقرار.
وفي هذا الطريق العبثي يعمل هذا الفريق على تركيب الملفات لكل الناس لتنزيه نفسه عن المساءلة والمحاسبة في كل الادارات والمؤسسات، ويستثني نفسه من تحقيقات تفجير مرفأ بيروت، ويصب التركيز فقط على الخاصرة الأضعف من الموظفين الذين لا حول ولا قوة لهم. وقد كان لافتًا الادعاء على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وثلاثة وزراء في قضية انفجار المرفأ، فيما من المُثبت أيضاً وبشكل واضح أن رئيس الجمهورية كان على علم بوجود المواد المتفجرة في مرفأ بيروت، وعلى حامي البلاد فإنّ المسؤولية مضاعفة.
وهذه الاستنسابية يبدو انها باتت متحكمة بكل مفاصل الدولة، حيث سأل أمين سر كتلة اللقاء الديمقراطي هادي أبو الحسن في مؤتمر صحافي، عن ملف الكهرباء، “فأين كانت هيئة القضايا حينما قدّم مدير إدارة المناقصات جان علية وثائقه حول الخسائر التي كلفتها الكهرباء للدولة اللبنانية؟”
الإنتقائية السياسية للملفات القضائية بدت تستهدف جهات محدّدة وبشكل واضح، وفي هذا السياق، رأى عضو كتلة التنمية والتحرير قاسم هاشم في حديث لـ”الأنباء” أن “تحريك ملفات قضائية معينة وطرح بعض الأمور في غير مكانها الصحيح في الفترة الأخيرة يشير إلى إنتقائية مُعتمدة، مدفوعة بكيدية سياسية، وهو أمر يتنافى مع إستقلالية القضاء، مع حرصنا التام على عمل القضاء بمعزل عن السياسة”.
وردا على سؤال، قال هاشم: “إننا نشتم رائحة إثارة فريق معيّن للملفات القضائية، فبعض الإشارات التي تصدر عن بعض رموز وسياسيي التيار الوطني الحر توحي أنهم يقفون خلف الممارسات القضائية الأخيرة”، إلّا أنه امل بأن “لا تسير الأمور في السياق المذكور، لأن البلد لا ينقصه كيديات سياسية في ظل الأزمات المتلاحقة”.
قانونيا، يفصّل رئيس منظمة جوستيسيا المحامي الدكتور بول مرقص في إتصال مع “الأنباء” حيثيات الشكوى المقدمة من قبل هيئة التشريع والقضايا في وزارة العدل ضد الموظفين الـ17 في وزارة المهجرين، “إذ من حيث صفة هيئة القضايا للإدعاء على موظفين تابعين لوزارة المهجرين بالإستناد إلى قانون الإثراء غير المشروع المعدل حديثاً، ولما كان نص المادة 18 من قانون تنظيم وزارة العدل (المرسوم الإشتراعي رقم 151 الصادر بتاريخ 16/9/1983) ينص على تولي هيئة القضايا إقامة الدعاوى باسم الدولة والدفاع عنها في الدعاوى المقامة عليها في الداخل والخارج واعداد الاستحضارات واللوائح والمذكرات وتوقيعها، وتبيلغ الاستحضارات واللوائح والمذكرات والاحكام والقرارات العائدة لدعاوى الدولة، كما والمثول امام جميع المحاكم العدلية والادارية، القيام بجميع الاعمال التي يتطلبها الدفاع عن مصالح الدولة امام المحاكم سواء كانت مدعية او مدعى عليها”.
ويتابع: “فإن وزارة المهجرين تابعة مباشرةً إلى الدولة اللبنانية، وتعتبر من الإدارات العامة، وقانون الإثراء غير المشروع يهدف إلى مكافحة الفساد، وذلك بعد ملاحقة من يثار شكوك حول إرتكابه جرائم تمس بالمصلحة العامة، فتكون صفة هيئة القضايا متوفرة للإشتكاء أمام النيابة العامة التمييرية، سنداً إلى المادة المذكورة آنفاً”.
إلّا أن مرقص أشار إلى أن “الإدعاء بالإثراء غير المشروع غالباً ما يبنى على “مظاهر الثراء”، (بالأخص استناداً إلى التصاريح عن الأموال)، وليس على أسس ثابتة ومثبتة، ما يجعل محتوى الشكوى إحتماليا”.
وردا على سؤال حول التشهير الذي حصل على الإعلام، لفت مرقص إلى أن “مجرد تقديم شكوى، أو حتى إدعاء النائب العام لاحقاً، أو حتى صدور القرار الظني، لا يعني الإدانة، إذ لا إدانة دون حكم نهائي ومبرم. وفي هذه الحالة، على من تثبت براءته لاحقاً، ملاحقة الدولة كما وملاحقة من سرّب الصفحة الإولى من الشكوى إلى الإعلام ومن تداولها، ومطالبتهم بالتعويض بسبب الضرر الذي لحق به”.
في غضون ذلك تسمّر الملف الحكومي بعد بدعة رئيس الجمهورية ميشال عون بتقديم طرح حكومي إلى الرئيس المكلّف سعد الحريري الأربعاء الماضي في بعبدا مقابل التشكيلة التي قدمها الحريري
في هذا الإطار، أكد عضو كتلة المستقبل النيابية عثمان علم الدين أن “تشكيلة الحريري التي قدّمها الحريري إلى عون تضم 18 أخصائيا، وهي تراعي مواصفات المجتمع الدولي، لناحية الكفاءة كما والإستقلالية، بحيث لا تضم وجوها تمثّل حزب الله أو غيره، وتحوز التشكيلة على دعم فرنسي وأوروبي وأميركي أيضا”.
ولفت علم الدين إلى أن “الحريري ينتظر حاليا رد عون، إذ طلب الأخير مهلة لدرس التشكيلة المقدّمة، وليس أمام الأخير سوى خيارين، إما الموافقة عليها أو رفضها، ونحن ننتظر إذا ما كان هو صاحب القرار، أو سيأخذ برأي تيريز”
وحول تقديم عون صيغة للحريري، أكد علم الدين أن “هذه الخطوة خارج صلاحيات رئيس الجمهورية”
الرئيسية / صحف ومقالات / الأنباء: العبثية تدمّر بقايا الدولة في القضاء والاقتصاد.. والحكومة تنتظر موافقة “تيريز”