بعد أربعة اشهر ونحو أسبوع من الانفجار المزلزل الذي حصل في مرفأ بيروت في 4 آب الماضي، لم يكن غريبا ان يتحول الادعاء “السياسي” الأول الذي أصدره المحقق العدلي في ملف انفجار المرفأ القاضي فادي صوان الى حدث مدو طغى بكل ابعاده ومعالمه وردود الفعل الفورية عليه، حتى ان هذا الحدث كاد يحجب الترقب الحار والمشدود بقوة الى تطورات المأزق الجديد في المسار المعقد لتأليف الحكومة العتيدة. ذلك انه ليس تطورا عاديا ومألوفا في لبنان ان يتم الادعاء على رئيس للحكومة وثلاثة وزراء سابقين دفعة واحدة خصوصا بعدما كانت حصلت مواجهة خشنة بين المحقق العدلي ورئيس مجلس النواب نبيه بري في ظل الكتاب الذي كان وجهه القاضي صوان الى المجلس طالبا اجراء المقتضى في امكان تحديد مسؤوليات سياسية في ملف انفجار المرفأ، الامر الذي رفضه المجلس ورئيسه لجهة مخالفة المحقق العدلي الدستور ومبدأ فصل السلطات. كما ان الطابع الأهم والأكثر اثارة للاهتمام في هذا التطور النادر تمثل في ادعاء المحقق العدلي مباشرة على رئيس حكومة تصريف الاعمال #حسان دياب الى جانب وزراء المال والأشغال السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر ويوسف فنيانوس كما تردد انه ادعى على الوزير السابق غازي العريضي بما يعني ان الادعاء الذي شمل هذه الشخصيات سيستتبع توقعات بمواجهة سياسية – قضائية أولا، وسياسية – سياسية تاليا، من شأنها رفع معركة التجاذبات والسجالات الحادة التي نشأت منذ فترة حول ملفات الملاحقات القضائية في عدد من الوزارات والإدارات الى درجات حارة جدا بما سيلفح المناخ السياسي بمزيد من التوترات. ولعل الامر اللافت في هذا السياق ان الادعاء على الرئيس دياب جاء في وقت بالغ الحرج وسط اعتمال معركة تأليف الحكومة الجديدة وشد الحبال الذي يطبعها بما سيستتبع بطبيعة الحال عدم مرور الادعاء على دياب مرورا امنا لاستهدافه الرئاسة الثالثة، ولو كان شاغلها حاليا في موقع تصريف الاعمال، الامر الذي اثار بداية صدور أصوات الاعتراض السنية والتي يرجح ان تتكثف في الساعات المقبلة. وستتجه الأنظار أيضا الى ردود فعل من جانب حركة “امل” التي شملها الادعاء بوزيرين سابقين من صفوفها علما ان الوزير السابق علي حسن خليل اتهم المحقق العدلي بالاستنسابية وذلك غداة الانفجار الإعلامي السياسي الذي حصل أخيرا على خط بعبدا -عين التينة – كليمنصو على خلفية اتهام العهد بالملاحقات “الكيدية”. وتجدر الإشارة هنا الى ان ملفات الملاحقات التي تطاول عددا من المؤسسات والشخصيات العاملة في الشأن العام او شخصيات عسكرية وامنية اتخذت في الساعات الأخيرة بعدا متوهجاً تزامن مع ادعاء القاضي صوان على الرئيس دياب والوزراء السابقين بما يسلط الأضواء على جانب صاعد بقوة في المشهد الداخلي من دون امكان الجزم سلفا بما سيؤول اليه خصوصا مع اتساع بقعة المعركة السياسية بين الأطراف السياسيين الذين يعتبرون انفسهم في دائرة استهداف يتهمون العهد وفريقه السياسي بالوقوف ورائه من خلال توظيف بعض القضاء في معركة تصفية حسابات سياسية.
ولم يكن رد فعل الرئيس حسان دياب على الادعاء عليه بعيداً عن هذه الخلفية اذ سارع الى ابداء استغرابه “لهذا الاستهداف الذي يتجاوز الشخص الى الموقع” مشددا على ان “حسان دياب لن يسمح باستهداف موقع رئاسة الحكومة من أي جهة كانت”. وفي إشارته الى رفض الإدلاء بإفادته امام القاضي صوان اكد ان الاخير تبلغ جواب رئيس الحكومة على طلب الاستماع الى إفادته لافتا الى انه “رجل مؤسسات ويحترم القانون ويلتزم الدستور الذي خرقه صوان وتجاوز مجلس النواب”. ومعلوم ان المحقق العدلي كان حدد أيام الاثنين والثلثاء والأربعاء من الأسبوع المقبل مواعيد لاستجواب دياب في السرايا الحكومية والوزراء السابقين في قصر العدل بجرم الإهمال والتقصير والتسبب بوفاة وإيذاء مئات الأشخاص في انفجار مرفأ بيروت. كذلك ادعى على المدير العام لامن الدولة اللواء طوني صليبا واستجوبه وتركه بسند إقامة لاستكمال التحقيق.
وبدا لافتا في سياق صدور ردود الفعل الأولية على الادعاء على دياب ان الرئيس نجيب ميقاتي تحدث عن “عدالة بمكيالين وعن اعتماد انتقائية في الملاحقة ” منبها الى اغفال ما كان قاله رئيس الجمهورية ميشال عون من انه قرأ التقارير التي تحذر من وجود مواد خطرة في المرفأ وعلق على ذلك بقوله “الحق كل لا يتجزأ وليس استهداف أشخاص بعينهم افتراء”. وتزامنا مع هذا التطور لم يمثل امس حاكم مصرف لبنان رياض سلامة امام القاضية غادة عون التي قبلت كتاب معذرة ارسله اليها مبررا عدم حضوره بظروف امنية واستمعت الى مسؤولين في المصرف المركزي حول موضوع الصيارفة والدولار المدعوم.
الى الانسداد مجددا
اما في الملف الحكومي فبدا واضحا، غداة تقديم رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري تشكيلته الكاملة من 18 وزيرا الى رئيس الجمهورية ورد الأخير بطرح تشكيلة تضمنت توزيعا للحقائب على الطوائف من دون أسماء، ان الانسداد عاد سيد الموقف بل ربما مع رفع وتيرة التوتر نظرا الى المحاذير التي ستترتب على محاولة اسقاط تركيبة الحريري كرسالة تصعيدية وما يمكن ان ترتبه من تداعيات على المبادرة الفرنسية وموقف المجتمع الدولي بعد هذا التطور. وتقول أوساط معنية بالاتصالات السياسية المشاورات التي أجريت غداة اللقاء الأخير بين عون والحريري ان الحكومة عالقة في كباش رئاسي بين الطرح الذي قدمه رئيس الجمهورية والتشكيلة الحكومية المكتملة المقدمة من الحريري.
ووفق المعلومات ان تشكيلة الحريري المكونة من 3 “ستات” لم تعط فريقاً واحداً الثلث المعطٌل وقامت على توزير شخصيات مستقلة غير حزبية من اختصاصيين وفق المبادرة الفرنسية. وهو اعدها بعدما اكمل مشاوراته النيابية مع الكتل وبعدما استمع الى ملاحظات رئيس الجمهورية على مدى 11 لقاء.
وفيما تشير مصادر كل القوى السياسية الى ان العقد داخلية ولا شيء خارجياً يحول دون ولادة الحكومة، كشفت ايضاً ان حل العقدة الاخيرة يمكن التوصل اليه بأن يتفق رئيس الجمهورية مع الرئيس المكلّف على ان تتم تسمية كل من الوزير المسيحي السابع والوزير السني الرابع بالاتفاق بينهما.
وفِي المعلومات ان طرح الرئيس عون قام على تشكيلة مكونة من 18 وزيراً من دون اسماء ويقترح فيها بدائل بتوزيع الحقائب على الطوائف بما فيها المداورة.
وتقول المصادر ان الرئيس عون في طرحه لم يضع اسماء بل كان اعطى سابقاً اسماء للرئيس الحريري.
وتشير المعلومات الى ان الداخلية التي كانت اعطيت لرئيس الجمهورية استعادها الحريري من حصته وسمى لها قاضياً ارثوذكسيا على ان تكون الدفاع لماروني يسميه رئيس الجمهورية والخارجية لدرزي هو السفير ربيع النرش. وان جو صدي هو الاسم المرشح على كل اللوائح لوزارة الطاقة.
ووفق المعلومات توزعت تشكيلة الحريري على الشكل التالي:
حصة رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر + الطاشناق: (6 وزراء) واعطيت حقائب : الطاقة والدفاع والتربية والثقافة والاعلام والبيئة والصناعة (الطاشناق).
حزب الله + امل + المرده+ القومي :6 وزراء وتضمنت حقيبتي العمل والاشغال لحزب الله وحقائب المال والسياحة والتنمية الادارية لحركة امل اضافة الى الاتصالات للمرده .
الرئيس الحريري مع “اللقاء الديموقراطي” 6 وزراء وتضمنت حقائب:
الصحة والعدل والاقتصاد لتيار المستقبل والداخلية لمسيحي ارثوذكسي يسميه الحريري، والخارجية والزراعة لوزير درزي.
ووضع عون ملاحظات على تشكيلة الحريري من ابرزها انه اعتبر انها متعددة المعايير ولم تتم استشارة بعض الكتل وان الحريري تدخل في أسماء المسيحيين فيما رفض أي تدخل في أسماء السنة والشيعة .