كتبت “الشرق الاوسط” تقول: اثار الادعاء على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، في قضيّة انفجار مرفأ بيروت، موجة غضب وتضامناً سنيّاً انطلاقاً من الدفاع عن مقام رئاسة الوزراء ورفض ابتزازه، كما جاء على لسان الرئيس المكلّف تأليف الحكومة سعد الحريري، فيما كان لافتاً انضمام “حزب الله” لرافضي الادعاء الذي طال أيضاً حلفاء الحزب في حركة “أمل” وتيار “المردة”، وسط اتهامات لحليفه الآخر “التيار الوطني الحر” بالوقوف وراء هذا الادعاء.
ورأى الحريري بعد زيارة تضامنية لدياب في مقر رئاسة الحكومة أنّه “ومن الآخر لن يقبل بابتزاز رئاسة الحكومة”، مؤكداً رفضه “المطلق للخرق الدستوري الواضح والفاضح الذي ارتكبه القاضي بالادّعاء على رئيس الحكومة”. ورأى الحريري أنّ “الدستور واضح، فرؤساء الحكومات يمْثلون فقط أمام محكمة خاصة يُشكّلها المجلس النيابي”.
وكان المحقق العدلي في قضية انفجار المرفأ القاضي فادي صوّان، قد ادعى على دياب ووزير المال السابق علي حسن خليل، ووزيري الأشغال السابقين يوسف فنيانوس وغازي زعيتر، بجرم “الإهمال والتقصير والتسبب في وفاة وإيذاء مئات الأشخاص”.
وأثار هذا الادعاء ولا سيّما على دياب جدلاً قانونيّاً بين من رأى أنّ الإهمال والتقصير قد يعد “جُرماً مشهوداً” ما يتيح إمكانية ملاحقة دياب قضائياً خارج إطار المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وبين مَن رأى أن الإهمال والتقصير “ليس جرماً مشهوداً”، وعليه فإن ملاحقة دياب “تتم عبر المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء” الذي يتألف من نواب في البرلمان اللبناني وقضاة.
وفي حين شدّد الحريري على “حق أهالي الشهداء في معرفة الحقيقة، ومَن أدخل باخرة المواد المتفجرة إلى المرفأ ومَن غطّى عليها”، أكّد وقوفه مع رئيس الحكومة والتضامن معه، تماماً كما فعل مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، الذي اتصل بدياب وأشاد “بموقفه وبنظافة كفه”.
ورأى دريان أنّ الادعاء على “مقام رئاسة الحكومة هو استهداف سياسي غير مقبول وتجاوُز للدستور ولقانون محاكمة الرؤساء والوزراء السابقين” مشيراً إلى أنّ الادّعاء على دياب “يصب في إطار حملات كيدية واضحة لفريق معين دون آخر، لتصفية حسابات سياسية”. وأكّد دريان وقوفه مع “القضاء النزيه الشفاف” وحرصه “على تحقيق العدالة وفقاً لأحكام القانون والتزام الدستور” مشيراً إلى أنّ “أي تسييس أو استنساب ادعاء لكشف حقيقة انفجار مرفأ بيروت هو جريمة أخرى بحق الوطن”.
وأكد دريان أنّ “الكل مسؤول في هذا الحادث المفجع”، وأنّ “الوطن لا يُبنى على المصالح الخاصة والكيديات ولا على الاستنساب”، داعياً إلى ترك “القضاء يأخذ مجراه بكل تجرد وانفتاح بعيداً عن الضغوط ودون تقييده بسلاسل السياسة”.
وشدد رؤساء الحكومة السابقون كذلك على رفض المسّ بمقام رئاسة الحكومة، إذ أوضح الرئيس تمام سلام في تغريدة على “تويتر” أنّ “رئاسة مجلس الوزراء ليست مكسر عصا لأي كان”.
أمّا الرئيس فؤاد السنيورة فشدّد على أنّ الدستور واضح بشأن ملاحقة الرؤساء والوزراء، إذ “ينبغي أن يُصار إلى النظر به من خلال المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء”. ورأى السنيورة أنّ المحقق العدلي “يخالف الدستور ويتخطى صلاحياته ويخالف مبدأ فصل السلطات الدستورية، لأن الدستور يحرص على حصر الادعاء بمجلس النواب في هذه الحالات”، مشيراً إلى أنه لا يمكن أن “تتم التحقيقات بشكل حيادي وصحيح إلا من خلال العودة إلى المطالبة بتحقيق تجريه لجنة تحقيق دولية”.
وكان رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، بدوره، قد رأى أنّ العدالة “لا تستقيم بمكيالين”، وأنّ الحقّ “ليس استهداف أشخاص بعينهم افتراءً”.
وانتقد “حزب الله” بدوره الادعاء على دياب والوزراء السابقين، وشدّد على رفضه “بشكل قاطع غياب المعايير الموحدة التي أدت إلى استهداف سياسي طاول أشخاصاً وتجاهل آخرين دون ميزان حق، وحمل شبهة الجريمة لأناس واستبعد آخرين دون مقياس عدل”، مضيفاً في بيان أنّ هذا الأمر “سوف يؤدي مع الأسف إلى تأخير التحقيق والمحاكمة بدلاً من الوصول إلى حكم قضائي مبرم وعادل”.
وأكّد “حزب الله” حرصه على أن تكون كل الإجراءات التي يتخذها قاضي التحقيق بعيدة عن السياسة ومطابقة لأحكام الدستور وغير قابلة للاجتهاد أو التأويل أو التفسير، وأن يتم الادعاء على “أسس منطقية وقانونية”، معتبراً أنّ هذه الأمور كانت غائبة في الإجراءات الأخيرة.
ولفت البيان إلى ضرورة ألا يضيع التحقيق في متاهات الإجراءات الإدارية والتعقيدات الروتينية والإشكالات القانونية “فتختفي الأدلة ويغيب المجرمون وتضيع الحقيقة وتطفو على السطح الشبهات غير الموثوقة والاتهامات غير المسندة والادعاءات غير الصحيحة” ويسقط التحقيق بين “أدغال السياسة ولعبة الشارع وصخب الإعلام على حساب الحقيقة والعدالة والقانون ودم الشهداء”.
ودعا البيان قاضي التحقيق المختص إلى “إعادة مقاربة هذا الملف المهم من جديد واتخاذ الإجراءات القانونية الكفيلة بالوصول إلى الحقيقة المنشودة بمعايير موحدة بعيدة كلياً عن التسييس وبما يطمئن الشعب اللبناني إلى مسار هذه القضية” ولا سيما أنّ “جريمة المرفأ ليست جريمة عادية إنما هي قضية بحجم الوطن”. وأكّد “حزب الله” حرصه “على حق الشعب اللبناني بمعرفة الحقيقة الكاملة في جريمة المرفأ”.
ويُشار إلى أنّ قرار القاضي فادي صوان الادعاء على دياب والوزراء، جاء حسب المعلومات المتداولة “بعد التثبت من تلقي المدعى عليهم عدة مراسلات خطّية تحذّرهم من المماطلة في إبقاء نترات الأمونيوم في حرم مرفأ بيروت، وعدم قيامهم بالإجراءات الواجب اتخاذها لتلافي الانفجار المدمر وأضراره الهائلة”.
وحدد القاضي صوان أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء من الأسبوع المقبل، مواعيد لاستجواب هؤلاء كمدعَى عليهم، على أن ينتقل (الاثنين) إلى السرايا الحكومية لاستجواب دياب وفقاً لما ينص عليه قانون أصول المحاكمات الجزائية بينما يستجوب الوزراء في مكتبه في قصر العدل.
وكان دياب بدوره قد رأى أن توجيه اتهام إليه بقضية انفجار مرفأ بيروت “استهداف” لموقع رئاسة الحكومة، مؤكداً أنّه “مرتاح الضمير وواثق من نظافة كفه وتعامله المسؤول والشفاف مع ملف انفجار مرفأ بيروت”.