كتبت “النهار” تقول: لعل المفارقة اللافتة الغريبة التي برزت امس تمثلت في جمع احداث وتطورات تتقاطع في طبيعتها عند نقطة واحدة هي القضاء . فمن جهة هبت عاصفة حادة ضد الادعاء على رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب . ومن جهة أخرى أصدرت المحكمة الخاصة بلبنان حكمها في العقوبة على المتهم الوحيد الباقي باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري سليم عياش بالمؤبد في خمس اتهامات . وجاء ذلك كله عشية الذكرى ال15 لاغتيال الشهيد جبران تويني الذي تفتقد عدالة لبنان حرفا واحدا في ملفه العدلي وحقائق تبحث عن عدالة حقيقة لكشفها وملاحقة القتلة .
اذن الخلاصة المنطقية الأساسية للمجريات الحارة التي طبعت عاصفة الاعتراضات الكثيفة على ادعاء المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي فادي صوان على رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب ومعه ثلاثة وزراء سابقين هي انها اعادت الخشية على نتائج التحقيقات كلا في انفجار المرفأ بفعل امتزاج العوامل السياسية والطائفية بالقضائية والدستورية . واذا لم يكن اتساع ردود الفعل على ما اعتبر استهدافا متعمدا لموقع رئاسة الحكومة مفاجئا الى حدود بعيدة فان البارز في المشهد الذي ارتسم امس تمثل في التضامن شبه الشامل لمراجع الطائفة السنية السياسية والدينية مع الرئيس دياب على قاعدة رفض استهداف موقع رئاسة الحكومة ومنع تمرير سابقة قضائية تحمل شبهة سياسية من هذا النوع بما يصعب معه تجاوز الوقائع السياسية التي أحدثها هذا التطور خصوصا لجهة انعكاساته المؤكدة على المسار المتعثر لتأليف الحكومة الجديدة . ولم يكن ادل على الاستنفار الواسع الذي اثاره الادعاء على دياب من المبادرة المفاجئة لرئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الى زيارة السرايا الحكومية للمرة الأولى منذ استقالته قبل اكثر من سنة لاطلاق رسالة دالة بان رئاسة الحكومة هي خط احمر امام محاولة استهدافها .
اذ كان يمكن الحريري الاكتفاء بإصدار بيان بموقفه من الادعاء على دياب الذي وصل الى السرايا قبل سنة في ظروف معروفة اعتبرت معها حكومته حكومة قوى 8 آذار بالكامل . ولكن الحريري الذي يخوض راهنا المرحلة المتقدمة من الكباش الشاق لتأليف حكومته تجاوز موقفه من دياب وزاره متضامنا متقدما مجمل المواقف السنية وغير السنية سواء على خلفية طائفية او سياسية او دستورية من الادعاء على دياب . والواقع ان العاصفة التي نشأت عقب الادعاء عكست تداعيات مقلقة بل خطيرة للتداخل الذي تزامن او زج به عفوا او عمدا بين “حرب” الملاحقات والملفات التي تصاعدت في الفترة الأخيرة بين الحكم وبعض القوى السياسية الأساسية التي تتهم العهد بالضلوع في تسخير بعض القضاء في فتح حرب أحادية على خصومه وبين التحقيق العدلي الجاري في ملف انفجار المرفأ .
واذا كان الصدام مع رئاسة الحكومة اتخذ واجهة متقدمة في هذا المشهد على خلفية استناد المعارضين للادعاء من ألوان مختلفة وليس سنية فقط الى أسانيد دستورية تعرض الادعاء للاهتزاز فان ذلك لم يخف الجانب الأكثر اثارة للمخاوف على مآل التحقيق في انفجار المرفأ اذ ليس خافيا ان عجز المحقق العدلي او تمنع المدعى عليهم السياسيين عن المثول امامه في ظل مواجهة سياسية قضائية حادة تتداخل فيها الاحتقانات سيرتد بسلبيات كبيرة على التحقيق كما على القضاء الامر الذي يوجب احتواء سريعا يحول دون تعريض القضاء لمزيد من المداخلات السياسية المؤذية كما يضمن احقاق حق بأسرع وقت في جلاء التحقيق في انفجار المرفأ . وقد اعرب الرئيس الحريري بعد لقائه دياب في السرايا عن “رفضه المطلق للخرق الدستوري الواضح والفاضح الذي ارتكبه القاضي صوان بالادعاء على رئيس الحكومة ” قائلا “من الآخر رئاسة الحكومة ليست للابتزاز وهذا الامر مرفوض ونحن لن نقبل به “.
وأفادت معلومات ان رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب والوزراء السابقين الثلاثة الذين ادعى عليهم المحقق العدلي علي حسن خليل وغازي زعيتر ويوسف فنيانوس يتجهون الى اتخاذ موقف موحد مشترك من الادعاء والموقف الذين سيعتمدونه مع ترجيح الامتناع عن المثول امام المحقق العدلي بحجة مخالفته للدستور وتجاوز مجلس النواب .
وقد بدا واضحا ان مجمل هذا المناخ قد اثار مزيدا من الشكوك حول مسار تأليف الحكومة الجديدة فيما عاد شبح القطيعة الباردة بين قصر بعبدا وبيت الوسط اللذين لم تسجل أي اتصالات جديدة بينهما لتحديد موعد جديد بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس الحريري علما انهما كانا اتفقا مبدئيا على معاودة اللقاءات بعد 48 ساعة من لقائهما الأخير الذي قدم خلاله الحريري تشكيلته الحكومية الكاملة فيما طرح عون تركيبة مختلفة لتوزيع الحقائب والطوائف من دون أسماء . ولا تبدو الأجواء مشجعة اطلاقا حيال امكان حصول تسوية وشيكة خصوصا بعدما ابرزت بعبدا رد فعل حاد للغاية على تشكيلة الحريري بما لا يحمل على توقع أي حلحلة في وقت قريب . كما ان الشكوك تثار حول تأليف الحكومة قبل زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للبنان التي حدد الاليزيه موعدها الرسمي امس في 22 و23 كانون الأول.
حكم العقوبة
وسط هذا المناخ أصدرت امس غرفة الدرجة الأولى في المحكمة الخاصة بلبنان حكمها بالعقوبة على المتهم سليم عياش الذي قضى بالسجن المؤبد في حقه عن كل من التهم الخمس الموجهة اليه في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري . وأصدرت المحكمة مذكرة توقيف دولية جديدة في حقه وطلبت إحالتها على السلطات اللبنانية والهولندية . وفيما برز في الحكم الخاص بالعقوبة التلميح الواضح الى ارتباط الجريمة بالوجود السوري وظروف مناهضة الحريري لذاك الوجود كان لافتا ان رئيس الغرفة القاضي ديفيد رأي تطرق بدوره في رأي منفصل عن الحكم الى مواقف الأمين العام ل”حزب الله ” السيد حسن نصرالله “والكلمات القاسية” التي دافع فيها عن المتهمين باغتيال الحريري وتهديد من يحاول التعرض لهم ليخلص الى ان ذلك يقود الى “الاستناج من هو المسؤول” عن حماية المتهمين.
وعقب صدور الحكم دعا الرئيس سعد الحريري الى “وضع العقوبة موضع التنفيذ وعلى السلطات القضائية والأمنية اللبنانية القيام بواجبها في هذا الخصوص “.