فيما الكيد السياسي يضرب بصيرة البعض ويعمي بصرهم عن واقعةٍ أوصلت البلاد للى عجز مالي غير مسبوق، خرج صوت رئيس إدارة المناقصات جان العلية وحيداً في المؤسسات الرسمية ليقول: كفى في ملف الكهرباء. وهو صوتٌ يلاقي المسار المتواصل منذ سنوات للحزب التقدمي الإشتراكي الذي كان متمايزاً على الدوام في التحذير مما ذهب اليه هذا الملف من صفقات تشكل الفضيحة الأكبر في خزينة الدولة اللبنانية.
وبين السجال على خلفية التحقيقات في تفجير مرفأ بيروت وخطوة المحقق العدلي فادي صوان بالإدعاء على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وثلاثة وزراء سابقين التي قاربتها القوى السياسية المعنية بشكل معيوب، ومع تحديد صوان اليوم موعداً جديداً للإستماع إليهم، تفيد المعلومات بأنهم لن يحضروا لاستجوابهم متذرعين بأن “لا صلاحية لصوان بالإدعاء على نواب ووزراء، فهناك حصانة لهم”.
في المقابل كان يمكن لمن تم طلب الاستماع إليهم المثول للادلاء بإفادتهم، ووضع المسار القضائي المستقل نقطة قوة في مسيرتهم. لكن الملف دخل بسبب الوضع القائم في موقف حرج.
هذه السجالات والصراعات السياسية والقضائية، ستؤدي إلى مزيد من التعقيدات والخلافات التي ستعرقل أي مسار سياسي كما ستنعكس سلباً على أي محاولة لتشكيل الحكومة، خصوصاً في ظل الخلاف المستمر والمتصاعد بين بيت الوسط وقصر بعبدا.
ومتابعةً لأكثر ملفات الدولة هدرا وفسادا، تقدّمت كتلة اللقاء الديمقراطي عبر النائبين هادي أبو الحسن وبلال عبدالله بإخبار للقضاء في ملف الكهرباء، وذلك لضمان المسار القضائي لكشف الفضائح التي نشرها مدير إدارة المناقصات جان العلية، ومساء امس أحال النائب العام التمييزي ملف الإخبار الى النيابة العامة المالية.
وفي هذا السياق، شدد عضو لجنة الطاقة النيابية زياد حواط في إتصال مع جريدة “الأنباء” الالكترونية على “وجوب تحرّك القضاء في هذا الملف، وإستدعاء جميع المسؤولين عن الهدر الحاصل في القطاع”، لكنه اعتبر أن “السطوة السياسية هي التي تمنع تحرّكه”.
وأكد حواط أنه “لا يمكن السير بطريق الإصلاح دون البدء بملف الكهرباء، ودون معالجة الهدر والخسائر الناتجة عن سلفات الدعم، إذ يكبّد القطاع سنويا الدولة قرابة المليارين ومئتي مليون دولار فيول فقط، علما ان التقنين مستمر ولا كهرباء”.
أما حول تشكيل لجنة تحقيق برلمانية لمتابعة الملف التي طالب بها اللقاء الديمقراطي، رأى حواط أنه “حل من الحلول، إلّا أن التوجّه نحو التدقيق الجنائي، والتدقيق في كافة إدارات ووزارات الدولة ومنها وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان يغني عن تشكيل اللجنة”.
وكشف حواط أنه وبرفقة النائب جورج عقيص يعملان على مشروع لا مركزية يتعلق بملف الكهرباء، وفي حال تم التوجّه نحو إصلاح الملف والتدقيق في الهدر الحاصل في القطاع، فيجب أن تترافق العملية مع خطة حقيقية لإنتاج الطاقة وإنشاء المعامل. وختم حواط مشددا على أن “لا سبيل لبناء لبنان إلّا بقضاء مستقل، وتحريره من سطوة السلاح”.
وعلى صعيد الأزمات المعيشية، وفي حين تدور ملفات ترشيد الدعم في أروقة المماطلة في مجلس الوزراء بإنتظار إتخاذ القرارات الجريئة التي من شأنها معالجة الأزمة حتى تشكيل حكومة، كشف رئيس الإتحاد العمالي العام بشارة الأسمر في حديث مع جريدة “الأنباء” الالكترونية عن “نية الحكومة رفع إقتراحات قوانين ذات الصلة الى مجلس النواب من أجل إقرارها”، لافتا الى أن “الإتحاد أجرى إتصالات مع مختلف المعنيين في الساعات الأخيرة، قضت إلى التوصل نحو تفاهمات من المفترض أن تدخل حيز التنفيذ قريبا”.
وأوضح الأسمر أن “التفاهمات نصّت على نقاط أساسية، منها المحافظة على سعر الطحين بكافة أنواعه وعدم رفع الدعم عنه، ما يعني أن المنتجات المصنوعة من الطحين ستبقى أسعارها على حالها، على أن تُسلم الكميات نفسها التي كانت تُسلم في السابق، اي لا خوف على رغيف الخبز والمعجنات بمختلف أنواعها”.
أما في ما خص الدواء، فأشار الأسمر إلى أن “الإتحاد، وفي إجتماعاته مع وزير الصحة، توصّل إلى تفاهم يقوم على تخفيض حجم فاتورة الإستيراد بنسبة 20%، أي ما يوازي 200-250 مليون دولار، وذلك عبر الإعتماد على الدواء الجينيريك اللبناني، وتخفيف عدد الجينيريك المستورد ومراقبة الأسعار، إضافة إلى مبدأ المعاملة بالمثل، أي إستيراد الجينيريك من دولة وإبرام إتفاق معها على تصدير جينيريك لبناني، وغيرها من الإجراءات”.
وأعلن الأسمر عن “موافقة دياب على الطروحات المقدمة، وعزمه ترجمتها إلى مشاريع قوانين في المجلس النيابي، وبناءً عليه، رفعنا إضرابنا، إلّا أنه خيار متاح دائما، وسيكون الإضراب أقسى في حال عاد المعنيون عن وعودهم”، منوها بـ”فعالية تحرّك الإتحاد وتهديده بالإضراب الذي دفع إلى التوجه في المسار المذكور”.
إلّا أن الأسمر لفت إلى أن “الحلول المطروحة جميعها آنية قد تستمر لأشهر معدودة، ويبقى الحل بتشكيل حكومة لتتحمل مسؤولياتها”.
من جهته، رأى رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو في إتصال مع جريدة “الأنباء” الالكترونية أن “الأمور لا زالت تركد مكانها، ولم يتم إتخاذ أي قرار بعد في ملف الدعم، والحكومة تنتظر حاليا الجهة التي ستستمر في تمويل الدعم، أكان مصرف لبنان أم وزارة المالية”، معتبرا أن “سياسة الدعم الحالية أربكت العملية الإقتصادية للبلاد برمتها”.
إلّا أن برو أبدى تفاؤله “لجهة مناقشة الحكومة إحتمال التوجه نحو البطاقة التموينية، التي تعني توجيه الدعم المباشر للعائلات الأكثر فقرا، وإلغاء كافة أشكال الدعم على السلع”، لكنه شدّد على “ضرورة وضع آلية عادلة بالنسبة لتوزيع المبالغ على الأُسر، وإجراء دراسة دقيقة لتقسيم هذه العائلات وفق شطور، تبعا لعدد أفراد العائلة، حجم إنتاجها وحاجاتها”، كما تخوّف من الفساد والزبائنية.
أما لجهة دعم المحروقات، وبعد الحديث عن إحتمال إستيراد النفط من العراق على أن يتم السداد لاحقا، كشف عضو نقابة أصحاب المحطات جورج براكس في حديث لجريدة “الأنباء” الالكترونية أن “الحكومة العراقية موافقة ضمنيا على هذا التوجّه، والتباحث يجري حاليا على الأسعار”. إلّا أن معوقات عدة ذكرها براكس تعترض مسار نجاح العملية، ”فهل سيرسل العراق نفطا مكررا أم خاما؟ في حال تم الإتفاق على النفط المكرر، فتكلفة نقله بحرا مكلفة جدا، أما في حال إستيراده خاما، عبر الضخ بأنابيب من العراق مرورا بسوريا وصولا إلى طرابلس، فأين نكرر النفط؟ علما أن مصفاة طرابلس غير صالحة للتكرير، بل هي مستودعات للتخزين فحسب”.
وتوقّع براكس “إستمرار الأمور على ما هي عليه حتى السنة الجديدة، لكن وفي حال إنتهت الكتلة النقدية الأجنبية، فاللبناني سيواجه مصيرا أسودا، يتمثل في إنقطاع مختلف المواد، من المحروقات إلى المواد الغذائية وغيرها، ولا يمكن حل الأزمة الحالية إلّا عند التوجّه نحو حكومة”.