اخترق تطوّران بارزان، خارجي وداخلي، المشهد اللبناني الذي كان اهتمامه مُنصبّاً في الأيام الأخيرة على زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبيروت، وخطوة المحقق العدلي القاضي فادي صوان في ملف انفجار المرفأ لجهة الادعاء على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وعدد من الوزراء. ففيما أُجبِر صوان على تعليق التحقيقات لمدة عشرة أيام بسبب تقدّم الوزيرين المُدّعى عليهما علي حسن خليل وغازي زعيتر بطلب كف يد القاضي عن الملف وتعيين محقق آخر، باغت خبر إصابة الرئيس الفرنسي بفيروس “كورونا” ملف الحكومة الذي كان يُصارِع في دائرة التعقيدات. طارت الزيارة الثالثة لماكرون كما ملف تأليف الحكومة إلى أجل غير مسمّى.
لم يُسرّ الخبر الآتي من الغرب قلب القوى السياسية التي كانت تعوّل على الزيارة لإحداث خرق ولو بسيط في ملف الحكومة. وقد رسم هذا الطارئ شكوكاً إضافية حيال إمكان الإفراج عنها، الأمر الذي يزيد من وقع المخاوف على مصير البلاد ربطاً باستحقاقات المنطقة. ولأنه بات من الصعب فصل مصير لبنان عن المواجهة المتعاظمة إقليمياً ودولياً، تبدّدت رياح التفاؤل. هذا الواقع تبلور أكثر في الساعات الماضية، وخاصة مع تأكيد المطّلعين على خطّ تأليف الحكومة أن “الاتصالات بين القوى السياسية تقريباً مقطوعة”، لم يخرقها سوى زيارة الرئيس المكلف سعد الحريري أول من أمس لبكركي حيث التقى البطريرك مار بشارة بطرس الراعي. وفي هذا الإطار، أكدت مصادر بارزة أن “الحريري شرح للراعي مسار التأليف وكل المداولات التي حصلت بينه وبين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وما جرى لجهة توزيع المقاعد وطرح الأسماء، نافياً كل المعلومات التي تتحدث عن إصراره على التدخل في الحقائب التي هي من حصّة المسيحيين أو فرض بعض الأسماء المسيحية على عون”. وقد علمت “الأخبار” من مصادر قريبة من الرئيس الحريري أن “الراعي عرض على الحريري القيام بوساطة بينه وبين رئيس الجمهورية لتذليل العقد وتقريب وجهات النظر”، وأن “الراعي قد يزور بعبدا في الساعات المقبلة”.
مصادر أخرى، مطلعة على أجواء اللقاء، قالت إن الراعي “بدأ بعض الاتصالات”، لكنها استبعدت أن تفضي وساطته الى نتيجة في حال بقي الحريري مصراً على مواقفه، مشيرة الى أن الرئيس المكلّف “كان حريصاً على طمأنة البطريرك الى أنه لم يسمّ كل الوزراء المسيحيين”. واستغربت تأكيدات الحريري للراعي بأن “أسماء الوزراء المسيحيين التي تضمنتها لائحته انتقاها من لائحة سلّمه إياها رئيس الجمهورية. وهو كان أبلغ ذلك الى الفرنسيين والى حزب الله، وهذا غير صحيح تماماً”. ولفتت الى أن “أسماء مثل جو صدّي وشارلي الحاج وفايز الحاج شاهين وسليم إده وسعادة الشامي ولين طحيني وغيرهم تعلن عن نفسها. إذ أن هؤلاء ليسوا من المحسوبين أساساً على الرئيس الذي كان بالفعل قد طرح أسماء أخرى على الحريري”. وقالت المصادر لـ”الأخبار” إن الحريري “أكد للبطريرك أيضاً أنه هو من سمّى الوزراء الشيعة، علماً أن هذا الامر اذا كان ينطبق على حزب الله، فإنه لا ينطبق بالتأكيد على الرئيس نبيه بري”.
في الموازاة، علّقت الأوساط على تأجيل الرئيس الفرنسي زيارته، قائلة إن “هذه الزيارة سبقها الكثير من النقاش وشابها بعض الارتباك، وخصوصاً أن جدول أعمالها لم يكُن مكتملاً”. ففيما كان مؤكداً أن “ماكرون لن يلتقي أحداً من الطبقة السياسية سوى رئيس الجمهورية”، أشارت المصادر إلى أن “الجو في قصر الإليزيه كان مقسوماً، وأن هناك بعض الآراء تناولت مدى إمكانية عقد لقاء جامع مع ممثلي الأحزاب حول طاولة حوار كما حصل في الزيارة الأولى، وأن النقاش توسّع لناحية إمكانية حصول اجتماع مع الرئيس دياب أو لا، لأن ذلِك سيفرض لقاءً أيضاً مع الحريري، لكن كل ذلك تأجل بسبب ما حصل”.
من جهة أخرى، وصل إلى لبنان مساعد الأمين العام للجامعة العربية، السفير حسام زكي، في إطار زيارة رسمية، عبّر خلالها عن وقوف الجامعة إلى جانب لبنان واللبنانيين. ورأى زكي بعد لقائه الرئيس عون، أن “الشعب اللبناني يعاني، وواقع تحت ضغوط كثيرة”، مشيراً إلى أن “هدف زيارته للبنان هو الاطلاع على الوضع والاستماع إلى تقييم المسؤولين اللبنانيين لواقع الحال”. وشدد على أن “هناك مسؤوليات تقع على عاتق المسؤولين في لبنان، يتعين عليهم حلها”، مؤكداً أن “الجامعة العربية طرف مساعد، ونحن جاهزون للمساعدة إذا طُلب منا ذلك”.
وقد أبلغ عون زكي أن لبنان “يتطلع إلى وقفة عربية واحدة حيال الصعوبات التي يعانيها، اقتصادياً واجتماعياً، بعد سلسلة الأحداث التي وقعت خلال الأعوام الماضية، ولا سيما منها تدفق النازحين السوريين”، مشيراً إلى أن “الخسائر المادية المباشرة وغير المباشرة ولا سيما منها الخسائر الاقتصادية التي تكبدها لبنان نتيجة ذلك منذ عام 2011 وحتى العام الماضي فاقت 54 مليار دولار، وفقاً لتقارير صندوق النقد الدولي”. وجدد عون التأكيد أن “الحكومة المقبلة ستعنى بإجراء الإصلاحات الضرورية، بالتزامن مع التدقيق المالي الجنائي في حسابات مصرف لبنان والمؤسسات والإدارات العامة كافة، في خطوة أساسية لمكافحة الفساد ومنع تكرار الأخطاء التي وقعت في البلاد لسنوات خلت”. وأشار إلى أن “تأليف الحكومة الجديدة يواجه بعض الصعوبات، التي يمكن تذليلها، إذا ما اعتمدت معايير واحدة في التأليف، كي تتمكن الحكومة من مواجهة التحديات الكبرى التي تنتظرها نتيجة الأوضاع في البلاد، وتؤمن التعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية”.