لم يكن الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والصحي الدراماتيكي الذي يغرق فيه لبنان على مشارف عيدي الميلاد ورأس السنة الجديدة اللذين يخشى ان يفاقما ازمة الانتشار الوبائي الى مستويات خارجة عن السيطرة تماما، سوى هبوط نبأ الغاء زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للبنان التي كانت مقررة الثلثاء والأربعاء المقبلين بسبب إصابة ماكرون بأعراض فيروس كورونا. والواقع ان الرهانات على زيارة ماكرون، التي كانت ستغدو الثالثة للبنان هذه السنة لو حصلت، لكي تحمل مفاجأة سارة او”عيدية” ميلادية تتمثل باختراق على يده في مسار تأليف الحكومة الجديدة بعدما بات شبه ميؤوس منه بالقنوات والاتصالات والمشاورات الداخلية، هذه الرهانات كانت ضعيفة ولم ترق الى مستوى توقعات جادة ومؤكدة. ومع ذلك فان الأيام التي أعقبت انحسار عاصفة السجالات التي اندلعت بين قصر بعبدا وبيت الوسط بسبب المقال الذي نشرته “النهار” للوزير السابق سليم جريصاتي أحيت الامال الجدية في ان يتمكن ماكرون من احداث ثغرة في جدار الانسداد وذلك بعدما لعب فريقه المختص بالازمة اللبنانية دورا ملموسا في التهدئة تمهيدا للقيام بمحاولة متقدمة خلال زيارة ماكرون لبيروت، ولذا ابقي برنامج الزيارة خاضعا للتعديلات حتى اللحظة الأخيرة. طارت الزيارة بالأمس ولكن المعنيين الجادين يقولون ان المبادرة الفرنسية لم تطر وان كانت أيضا بدورها عالقة ومعلقة حتى تعافي ماكرون على الأقل بما يرتب على الحكم والقوى السياسية زيادة خيالية في المسؤوليات عن تأخير الولادة الحكومية وسط حال مخيفة من الانسدادات. وسارع رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الى التغريد مساء امس قائلا “اصدق التمنيات لصديق لبنان الرئيس ايمانويل ماكرون بالشفاء والعافية. مبادرتك أمانة لن نتخلى عنها مهما تكاثرت التحديات”.
فاذا كان الامل في زيارة ماكرون قد عاد معلقا لئلا نقول بات اضعف من أي وقت سابق، فان الأسوأ حتما هو ذاك التزامن “القدري” بين الغاء الزيارة وتعليق كل المسارات الداخلية المفصلية والمصيرية، ولا سيما منها المسار العالق والمعطل لتأليف الحكومة، ومن ثم المسار العالق الجديد والطارئ للتحقيق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت ولو لمهلة زمنية محددة، ولكن هذا التطور أضاف معطيات مأزومة وسلبية على الاحتقانات التي اثارها الكباش السياسي القضائي عقب الادعاءات التي شملت رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب والوزراء السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر ويوسف فنيانوس. وأثارت هذه السلسلة المتشابكة من التعقيدات مزيدا من المخاوف على الاستحقاق الحكومي خصوصا ان تداعيات المواجهة بين بعض الافرقاء السياسيين والمحقق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت القاضي فادي صوان أدت في جانب أخر منها الى اذكاء خلافات وتباينات جديدة بين بعض القوى السياسية التي كانت تلتزم هدنة في ما بينها على خلفية الاستعداد للانخراط في الحكومة الجديدة، وهو الامر الذي سيزيد بطبيعة الحال تراكم عوامل التعقيد في المسار الحكومي. وبرأ الوزير السابق سليمان فرنجيه “حزب الله” فقال ان لا علاقة له بنيترات الامونيوم في المرفأ كما يظهر في الاعلام.
نصرالله وباسيل
وفي غضون ذلك افادت محطة “الميادين” امس ان لقاء افتراضيا عقد بين الأمين العام لـ”حزب الله ” السيد حسن نصرالله ورئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل وانه تم التوافق خلاله وفق مطلعين على ثلاث نقاط رئيسية هي: “أولا التسليم المسبق بعدم المس بما سبق الاتفاق عليه في ما بخص حماية لبنان ودفاع المقاومة عن أراضيه وفعل كل ما يلزم لتكريس توازن الرعب القائم وهذا البند غير مطروح للنقاش. ثانيا الانطلاق من الاجتماع الأول من ورقة تفاهم 6 شباط لتحديد ما أنجز وما لم ينجز وما يفترض العمل لإنجازه وما تجاوزه الزمن مع حرص هائل من الجانبين على مقاربة جميع النقاط بهدوء شديد. ثالثا تشكيل لجنة من الطرفين تناقش الأفكار كما حصل خلال الشهور التي سبقت اعلان مار مخايل ستضم ستة أشخاص عرف منهم النواب الان عون وسيزار ابي خليل من جهة التيار وحسن فضل الله من جهة “حزب الله”.
تجميد التحقيق
اما التطور السياسي – القضائي البارز الذي سجل في الساعات الأخيرة فتمثل في تعليق المحقق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت، جلسات التحقيق التي يعقدها في اطار مهمته بعدما تبلغ من محكمة التمييز الجزائية طلب نقل الدعوى منه الى قاض آخر بناء على مراجعة قدمها الوزيران السابقان النائبان علي حسن خليل وغازي زعيتر بداعي “الارتياب المشروع ” بالقاضي صوان. وتبعا لذلك لم يستجوب صوان امس المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا ولم يحدد مواعيد لجلسات جديدة كما صرف النظر عن استجواب رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب الذي كان حدد موعدا له اليوم الى حين بت محكمة التمييز الجزائية طلب نقل الدعوى منه. وستكون امام المحقق العدلي مهلة عشرة أيام للجواب على طلب النائبين خليل وزعيتر تنحيته عن هذا الملف علما ان قانون المحاكمات الجزائية يتيح للقاضي المعني بالطلب الاستمرار في النظر في الدعوى في حال لم يصدر قرار مخالف عن محكمة التمييز الجزائية. واعتبر رئيس “تيار المرده” سليمان فرنجيه في حديث الى محطة ام تي في مساء ان “الأجهزة الأمنية هي المسؤولة الأولى والأخيرة في موضوع انفجار المرفأ وان القاضي صوان يبحث عن النجومية واذا أرادوا محاسبة المسؤولين السياسيين فليستدعوا كل رؤساء الحكومات ووزراء العدل والأشغال والمال وقال ان الوزير السابق يوسف فنيانوس ضميره مرتاح ولم يبلغني مرة عن وجود نيترات الأمونيوم ونحمل المسؤولية الى رئيس الجمهورية لانه رجل عسكري ويعرف خطورة هذه المادة فلماذا لم يوعز الى وزير الاشغال بضرورة ازالتها من المرفأ؟”
الجامعة العربية !
ووسط الخواء السياسي الداخلي والخارجي الذي عاد يطبع المسار الحكومي سجل امس دخول عربي على خط الازمة من خلال ايفاد الأمين العام لجامعة الدول العربية احمد أبو الغيط مساعده حسام زكي الى بيروت في مهمة استطلاعية وإبداء الرغبة في المساعدة. واذا كان هذا العنوان العلني الرسمي لمهمة زكي في بيروت فان المعلومات المتوافرة عن المحادثات التي اجراها مع المسؤولين أفادت انه نقل انطباعات شديدة السلبية حول النظرة الخارجية العربية والغربية الى الواقع اللبناني وان الجامعة العربية شاءت لفت نظر المسؤولين الى ان لبنان قد يواجه مزيدا من الاخطار والتداعيات ما لم تسارع القيادات اللبنانية الى تجاوز اللعبة السياسية الداخلية والصراع على المكسب لتشكيل حكومة تحظى بصدقية لدى المجتمع الدولي بما يحقق اهداف المبادرة الفرنسية في لبنان التي تحظى بدعم المجتمع الدولي . وقام زكي بجولة على رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ثم زار مساء الرئيس حسان دياب.