الآمال التي كانت معقودة على لقاء الرئيسين عون والحريري امس بولادة الحكومة الجديدة قبل الميلاد او رأس السنة تلاشت وتبخرت بسبب الخلافات والتعقيدات التي لا تزال تتحكم بعملية التأليف والتي تتمحور حول توزيع عدد من الحقائب واختيار اسماء وزرائها.
وبشكل اوضح، فان ما جرى في لقاء بعبدا امس بدد التفاؤل الذي ظهر في اللقاء الذي سبقه واعاد الامور الى الوراء، رغم تجاوز عقدة الثلث المعطل التي كانت تعتبر عقدة اساسية في وجه الاتفاق والحل.
وبسبب هذه الخلافات على توزيع الحصص جرى ترحيل الحكومة الى العام المقبل عسى ان تنجح الاتصالات المحلية لا سيما جهود بكركي والضغوط الفرنسية المرتقبة في تضييق المسافات ومعالجة التعقيدات التي باتت واضحة كما عبر الحريري في تصريحه بعد لقاء رئيس الجمهورية امس.
واذا كان الرئيس المكلف قد اعترف بهذه التعقيدات الواضحة وبالمشاكل السياسية، فانه حرص في الوقت نفسه على ابقاء جرعة تفاؤل، اولاً بتأكيده على استمرار التشاور مع رئيس الجمهورية لتشكيل الحكومة، وثانياً بتأكيده على الاتفاق معه على حكومة الاختصاصيين ، وثالثا بالقدرة على وقف الانهيار من خلال الحكومة الجديدة والمباشرة بالاصلاحات .
وتوجه الحريري في هذا المجال الى اللبنانيين بالقول «ما حدا يخبّركم انو ّ مش قادرين على وقف الانهيار، لكن وقف الانهيار يحتاج الى حكومة وحكومة اختصاصيين. وانا مصر على حكومة اخصائيين وكذلك فخامة الرئيس مصر على ذلك ايضا. ولن اتوقف عن العمل الى حين تشكيل حكومة اختصاصيين».
وشدد على «اهمية اعادة الثقة التي فقدت في السنوات الماضية بين القوى السياسية»، محذرا انه «لم يعد لدينا وقت، ويجب ان يعرف السياسيون ان البلد ينهار بشكل سريع، والمطلوب حكومة اختصاصيين من الخبراء غير المسيسين»، وقال «ربما تأخرنا في تشكيل الحكومة وهذا يشكل للأسف ضغطا على لبنان ، ولكن اؤكد ان فخامة الرئيس حريص على تشكيل الحكومة، وسنتواصل مع بعضنا الى ان نشكلها».
وشدد على ان حكومة الاختصاصيين ستشكل شبكة الأمان للبنانيين، مشيرا الى ان هناك «قرارات سريعة واخرى صعبة سنأخذها وهي الطريق الوحيد للعمل مع الحلفاء والخارج لاعادة لبنان الى مكانته الطبيعية السابقة».
لكن الاجواء التي سادت بعد لقاء الامس على وقع تصعيد واتهامات متبادلة يؤشر بوضوع الى عودة الامور الى نقطة الصفر مع استمرار لعبة عض الاصابع.
حكاية التفاؤل وبروز التعقيدات
ما هي حكاية التفاؤل قبل لقاء بعبدا امس، ولماذا برزت مجدداً التعقيدات؟ تلفت مصادر مطلعة للـ«الديار» ان مبادرة بكركي والجهود التي بذلها البطريرك الراعي مع الرئيسين عون والحريري وطاولت ايضا رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل نجحت في عقد اللقاء الاول بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف بعد نزع فتيل الثلث المعطل وتجاوزه، انطلاقاً من ان الحكومة هي حكومة اختصاصيين وان لا حاجة لمثل هذا الامر وان يحل محله توازن التمثيل على قاعدة المساواة بالمشاركة في الحكومة.
وبدا ان الامور وضعت على سكة الحلول ما انعكس على اجواء اللقاء الاول الذي جرى خلاله التفاهم على معظم الحقائب والاسماء ما عدا حقيبتي «الداخلية» و«العدل».
ووفقاً للمصادر فان نصف اتفاق حصل حول ان تكون وزارة العدل من حصة السنة وان تسند «الداخلية» لوزير مسيحي (ارثوذكسي).
وبقيت هذه المسألة معلقة بعد انتهاء اللقاء على أمل ان تنجح المساعي والاتصالات السريعة في حلها قبل لقاء الامس، لكن الجهود التي بذلت في الساعات التي سبقت اللقاء لم تفض الى نتيجة، فصعد الحريري الى بعبدا بعد ظهر امس متمسكاً بحقيبة العدل وتسمية الوزير المسيحي لحقيبة الداخلية.
وعلمت «الديار» انه جرت محاولة بان تسند «العدل» للسنة وان يسمي رئيس الجمهورية وزير الداخلية، لكن هذا الاقتراح لم يحظ بموافقة الحريري.
كما طرح اقتراح آخر، بان تعطى وزارة العدل للسنّة وان يسمى وزير مسيحي لـ«الداخلية» يحظى بموافقة عون والحريري لكنه سقط ايضا نتيجة تمسك الحريري بتسمية الوزير المسيحي، ما اعاد الخلاف حول مصير «العدل»، فتحولت العقدتان الى ما يشبه حكاية ابريق الزيت.
واضافت المعلومات ان اصرار الحريري على تسمية وزير الداخلية يعود لاسباب عديدة منها الضغوط التي مارسها الرؤساء الثلاثة للحكومات السابقة وتشديدهم على ان الطائفة السنية لا تملك حقيبة سيادية بالتشكيلة المطروحة، وان من حقها على اقل تقدير ان تكون وزارة الداخلية من حصة تسمية رئيس الحكومة.
وحسب المعلومات، فان عقدتي «الداخلية» و«العدل» قد استحوذتا على معظم النقاش في لقلء بعبدا امس، وقاد النقاش الى وزارة الخارجية التي جاءت وفقا للتشكيلة من نصيب الدروز، وتردد ان عون المح للحريري بانه تخلى عن هذه الحقيبة السيادية لوزير درزي مقرب من جنبلاط وان المشكلة عنده قبل ان تكون عند الآخرين.
وذكرت المعلومات ان رئيس الجمهورية اثار مجدداً مصير وزارة العدل مبدياً رغبة في ان تكون من حصة المسيحيين وبقي متمسكاً بتسمية وزير الداخلية.
وقيل ايضاً ان جبران باسيل وراء فكرة اثارة موضوع وزارة الخارجية وكيف ذهبت للدروز لكن مصادر في «التيار الوطني الحر» رفضت مثل هذه المعلومات، مؤكدة ان «التيار» لا يناقش التشكيلة ولا يوجد تواصل مع الرئيس المكلف والموضوع محصور بينه وبين رئيس الجمهورية.
ونفت المصادر أيضا الكلام عن المطالبة اصلا بالثلث المعطل او بوضع شروط اخرى، مشيرة الى ان الحديث عن تشكيلة 6 و6 و6 بدل الثلث المعطل هو مجرد كلام اعلامي، واوضحت ان هذه التسريبات تندرج في اطار محاولات تشويه الحقائق والايحاء بان التيار هو من يعيق ويؤخر تشكيل الحكومة، مؤكدة على مواقف تكتل لبنان القوي الذي شدد في كل بياناته على وجوب الاسراع بتشكيل الحكومة والاصلاحات.
مصادر بيت الوسط و«وطاويط» القصر
ومساء اكدت مصادر «بيت الوسط» ان المعلومات التي سرّبت من قصر بعبدا قبل زيارة الرئيس الحريري اشاعت مناخاً سلبياً عن نتائج الاجتماع قبل حصوله. ولاحظت ان الاجواء الايجابية التي عكسها الحريري كانت بطلب مباشر من الرئيس عون الذي تمنى عليه التصريح بوجود ايجابيات يتم العمل على استكمالها، غير ان «وطاويط» القصر تحركت ليلاً لتعكير الجو والاعداد لجولة جديدة من التعقيدات، على جري عادتها منذ التكليف.
ونبهت المصادر الرأي العام اللبناني من محاولات تزوير الحقائق التي يمارسها بعض المحيطين والمستشارين والمتخصصين بفتاوى التعطيل السياسي والدستوري، وقالت ان الحريري لم ولن يتراجع عن موقفه الذي اعلنه قبل التكليف وبعد التكليف بوجوب ولادة حكومة من الاختصاصيين تتصدى للاصلاحات في القطاعات كافة ووقف الانهيار الاقتصادي والمعيشي، وان اي محاولة لفرض حكومة تتسلل اليها التوجهات الحزبية لن يكتب لها النجاح مهما حاولوا الى ذلك سبيلا.
مصادر بعبدا
وسألت «الديار» مصادر قصر بعبدا عن تعليقها على كلام مصادر «بيت الوسط» فاكتفت بالقول «لن نرد على مصادر وتسريبات مصادر»، لكنها اوضحت حول اجواء لقاء بعبدا قائلة «لم يتم التوصل لاتفاق، وهناك خلل في توزيع الحقائب ولا يوجد توازن او معايير واحدة. وحاول فخامة الرئيس عون ان يصحح الخلل بالتوزيع وان تكون هناك معايير واحدة ولم يصل النقاش الى نتيجة».
اضافت مصادر قصر بعبدا: لا نستطيع وليس مقبولاً ان يكون هناك حكومة «وان مان شو»، لان تشكيل الحكومات يخضع لنصوص دستورية توجب الاتفاق بين رئىسي الجمهورية والرئىس المكلف، لا سيما تلك الواردة في المادة 53 من الدستور.
واكدت مصادر قصر بعبدا ان المطلوب حكومة متجانسة ومتكاملة لكي تنتج وتقوم بالاصلاحات. وحتى الآن لم يحصل الاتفاق على ذلك لكن المحاولات مستمرة للوصول الى التوازن في توزيع الحقائب، وهناك رغبة في الاستمرار بالتشاور بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، وهذا ما سيحصل.
مصادر مطلعة على موقف بعبدا ابدت استغرابها لما عممته مصادر «بيت الوسط» معتبرة ان ذلك يؤثر سلبا على مسار تشكيل الحكومة.
وشددت المصادر على ان الرئيس عون طرح منذ بداية البحث في موضوع تشكيل الحكومة ضرورة توافر معايير واحدة في التشكيل في حين ان التشكيلة التي عرضها الحريري لم تكن تتوافر فيها هذه المعايير لاسيما من خلال التمسك مثلا بوزارتي الداخلية والعدل اللتين تتكاملان من حيث الامن والقضاء، ولا يمكن بالتالي، تسليمها الى فريق واحد.
واكدت المصادر ان «لا وطاويط في قصر بعبدا ولا غرف سوداء ، لان رئاسة الجمهورية تعمل علانية وبوضوح وشفافية وعلى الملأ، في حين ان الغرف السوداء موجودة لخدمة الراغبين في تعكير الاستقرار السياسي في البلاد وعرقلة تشكيل الحكومة واسقاط التوازن الوطني والمعايير الواحدة عنها».
وشددت المصادر على ان الرئيس عون لم يطرح حزبيين كمرشحين للتوزير بل اقترح اسماء اختصاصيين مستقلين تتوافر فيهم الكفاءة والخبرة لادارة الوزارات التي تسند اليهم.