لعل المفارقة المؤسفة التي برزت امس تمثلت في ان نقطة التوافق الوحيدة التي قدمها الاجتماع الرابع عشر على مسار تأليف الحكومة كان في التقاء رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري على شفافية الاعتراف المشترك بتعثر مسعى تقديم الولادة الحكومية هدية ميلادية للبنانيين، بل راحا أبعد في تأكيد استمرار خلافات وتعقيدات حالت دون ولادة حكومية تحاكي حلول العيد. وعلى وعد مبدئي جديد بان تكون الولادة بعد رأس السنة الجديدة، بدا واضحا ان التعقيدات لا تزال تتزاحم على حجم واسع وتتصل بامور جوهرية في تركيبة الحكومة اقله كما يراه كل من فريق العهد من جهة والرئيس المكلف من جهة مقابلة. واذا كان الرئيس الحريري تحدث بصراحة عن الحاجة الى إعادة ترميم ثقة اهتزت بقوة وعمق طوال مدة تتجاوز السنة، فان المعطيات المتجمعة عقب الاجتماع الرابع عشر بين الرئيسين عون والحريري منذ التكليف قبل شهرين تؤكد ترحيل تأليف الحكومة الى ما بعد رأس السنة 2021 ربما لفترة طويلة. وبدا واضحا ان أم العقد التي اصطدمت بها المحاولة المتقدمة التي قام بها الرئيس الحريري لاستعجال تأليف الحكومة قبل عيد الميلاد كمنت في عدم التوصل الى توافق بينه وبين الرئيس عون على مسألة حقيبتي الداخلية والعدل في المقام الأول كما ان ثمة تعقيدات أخرى لم تحل ولو انها اقل أهمية من الأولى. وإذ بات في حكم المثبت والنهائي ان “جولة” اللقاءين الثالث عشر والرابع عشر أدت الى حجب الثلث المعطل تماما عن مجريات التأليف، فان عدم التوافق على الداخلية والعدل وكيفية توزيع الحقائب الأخرى هو ألذي اشاع في اللقاء الأخير أجواء متوترة ترجمت بعدم تجاوز اللقاء مدة ساعة ومن ثم تجدد السجالات ليلا بين القصر الجمهوري وبيت الوسط.
بيت الوسط : وطاويط القصر
وبرز المناخ المشدود الذي طبع اللقاء الرابع عشر برز بقوة من خلال تأكيد مصادر بيت الوسط ان المعلومات التي سربت من قصر بعبدا قبل زيارة الرئيس الحريري اشاعت مناخاً سلبياً عن نتائج الاجتماع قبل حصوله. وقالت ان الاجواء الايجابية التي عكسها الرئيس الحريري اول من امس كانت بطلب مباشر من الرئيس عون الذي تمنى عليه التصريح بوجود ايجابيات يتم العمل على استكمالها، غير ان “وطاويط القصر” تحركت ليلاً لتعكير الجو والاعداد لجولة جديدة من التعقيدات، على جري عادتها منذ التكليف.
ونبهت المصادر الرأي العام اللبناني من محاولات تزوير الحقائق التي يمارسها بعض المحيطين والمستشارين والمتخصصين بفتاوى التعطيل السياسي والدستوري،
وقالت ان الرئيس الحريري لم ولن يتراجع عن موقفه الذي اعلنه قبل التكليف وبعد التكليف بوجوب ولادة حكومة من الاختصاصيين تتصدى للاصلاحات في القطاعات كافة ووقف الانهيار الاقتصادي والمعيشي، وان محاولة لفرض حكومة تتسلل اليها التوجهات الحزبية لن يكتب لها النجاح مهما حاولوا الى ذلك سبيلا.
بعبدا : تفرد
وردت مصادر قريبة من رئيس الجمهورية لاحقا فقالت ان لا توازن ولا عدالة بتوزيع الحقائب على الطوائف في التشكيلة التي قدمها الحريري. وقد حاول الرئيس عون اكثر من مرة ان يطالب بالتوازن واعتماد معيار واحد لكن الحريري متمسك بموقفه. كما انه يطالب بحقيبتي العدل والداخلية اي بمعادلة الأمن والقضاء في وقت لا يمكن لفريق واحد ان يكون ممسكاً بالحقيبتين معاً نظراً لتداخل الامن والقضاء. واضافت هذه المصادر ان الحريري حاول التصرف وكأنه يؤلف على طريقة one man show وهذا ما يضر بالشراكة التي ينصٌ عليها الدستور، كما يكرٌس اعرافاً جديدة تناقض نص المادة 53 من الدستور التي تقول إن الحكومة تشكل بالاتفاق بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. وشددت هذه المصادر على إن رئيس الجمهورية لم يعارض ان يكون الوزراء متخصصين وغير سياسيين ومستقلين والاسماء التي طرحها خلال النقاش الذي امتد على جلسات عدة غير حزبيين وهم من الاختصاصيين. واعتبرت انه من غير المنطقي ان يدير الحكومة شخص واحد لان ذلك مناقض لمعادلة الشراكة الوطنية.
واستغربت المصادر التسريبات التي صدرت عن بيت الوسط بعدما شاعت اجواء عقب الاجتماع عن استمرار المشاورات بين الطرفين لمصلحة تشكيل الحكومة فإذا بهذه التسريبات وكانها تنسف كل ما تحقق من تقدم في عملية التشكيل”.
وقالت المصادر : “ليس في قصر بعبدا وطاويط بل العمل في القصر يتم بوضوح وامام الملأ وليس فيه غرف سوداء لان هذه الغرف يديرها من لا يريد للبنان الاستقرار السياسي والتوازن الوطني”.
الحريري
وكان الرئيس الحريري اعلن بعد اللقاء ” كنت أتمنى لو كانت هناك حكومة قبل حلول موعد الأعياد، انما هناك تعقيدات واضحة لا تزال موجودة. وارغب في قول امر وهو انه على رغم الوضوح في المشاكل السياسية، يجب على اللبنانيين الا يستمعوا لاحد يقول اننا غير قادرين على وقف الانهيار الذي يحتاج الى حكومة لكي توقفه، مؤلفة من اختصاصيين للسير في مشروع الإصلاح الذي يريده فخامة الرئيس وانا وجميع اللبنانيين. ومن هذا المنطلق، أتمنى على الجميع ان يعلموا انني لن اتوقف حتى تشكيل حكومة اصرّ على ان تكون من الاختصاصيين “. وأشار الى “ان الخلاف هو على أمور قد يكون سببها الثقة التي ضاعت خلال الفترة الماضية، والتي يجب علينا إعادة بنائها بين الافرقاء، انما لم يعد هناك من وقت للسياسيين وعليهم ان يعرفوا ان البلد ينهار بسرعة كبيرة، والإسراع في تشكيل حكومة اخصائيين وخبراء يعلمون ما يفعلون من دون تسييس، فلا يهمني معرفة وثيقة بالوزير الذي سيسمى اذ عليه ان يكون تركيزه على الإصلاح وليس على ما يريده سعد الحريري. وحتى لو جئت انا شخصياً وطلبت منه القيام بشيء، عليه ان يجيب بأن هذه المقاربة خاطئة والمطلوب القيام بالإصلاح بطريقة اخرى.”
وأضاف: “أقول للبنانيين انه ربما نتأخر في تأليف الحكومة، وهو يشكل للأسف ضغطاً على البلد، ولكنني ادرك ايضاً ان فخامة الرئيس حريص مثلي، على قيام الحكومة وسنستمر في العمل معاً من اجل ذلك … ولست في وارد عرض التحدي على أي فريق سياسي، انما ادعو الى لحظة تأمل لنا جميعاً، لانه بعد رأس السنة يجب ان تكون هناك حكومة، لان المواطن لا يريد ان يرى سعد الحريري يتوجه الى القصر الجمهوري ويغادره من دون تشكيل حكومة “.
الوباء والأعياد
في سياق آخر تعاظمت المخاوف من الانزلاق الكبير للبنان نحو متاهة كارثية في الانتشار الوبائي لفيروس كورونا وسط التفلت المخيف الذي يطبع السلوكيات العامة في عدم التزام إجراءات الحماية الفردية والجماعية من جهة والتقاعس المقلق للغاية للدولة عن فرض الإجراءات الحمائية من جهة أخرى. وبلغت المخاوف ذروتها عشية عيدي الميلاد ورأس السنة من ان “التهاب” اعداد الإصابات فيما قد يؤدي الى حالة استشفائية كارثية مع امتلاء أسرة غرف العنايات الفائقة الامر الذي سيفرض حتما اللجوء مجددا الى اقفال عام ثالث متشدد للغاية هذه المرة. اذ ان الخوف من الاعداد المتصاعدة للمصابين لم ينتظر حلول الميلاد أولا وسجلت وزارة الصحة امس رقما قياسيا جديدا في الإصابات بلغ 2264 إصابة و22 حالة وفاة . وفي سياق متصل وقع الرئيس عون امس مرسوم نقل اعتماد لشراء لقاحات ضد كورونا من شركة فايزر وسيتولى وزير الصحة إجراءات توقيع الاتفاق مع الشركة المنتجة