أن يزجّ الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله بالمملكة العربية السعودية في دائرة ما وصفه بـ”العدوان الثلاثي” الذي أسفر عن اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري اللواء قاسم سليماني، وأن يركز تكراراً ومراراً على اتهام السعودية بالضلوع في تصفية سليماني عشية الذكرى السنوية الأولى لاغتياله في العراق، مسألة استوقفت العديد من المراقبين باعتبارها تفصيلاً لم يكن عابراً ولا اتهاماً عن عبث يمكن توجيهه على لسان نصرالله في خضمّ الترقّب السائد لنوع الرد الإيراني على عملية الاغتيال.
فكلام أمين عام “حزب الله” في “حوار العام” لمناسبة الذكرى السنوية لتصفية سليماني، سيكون له ما بعده في إطلالته المخصصة للمناسبة، حيث من المتوقع أن يرفع منسوب التهديد والوعيد برد انتقامي لدماء قائد فيلق القدس ضمن إطار “بنك أهداف” مثلّث الأضلاع يضمّ السعودية إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، وهو ما رأت فيه مصادر واسعة الاطلاع مؤشراً ينذر بوضع المصالح السعودية على رأس قائمة الاستهدافات الإيرانية في المرحلة المقبلة، لا سيما في ضوء ما كشفته عن وجود تقارير ديبلوماسية تتطرق إلى عدة سيناريوات محتملة في سياق الرد الإيراني على اغتيال سليماني، وأبرزها سيناريو “أرامكو 2”.
وفي التفاصيل، أنّ التقارير التي تناقلتها دوائر ديبلوماسية بالاستناد إلى معطيات استخبارية، لم تستبعد أن تعود طهران إلى استهداف منشآت “أرامكو” النفطية في المملكة مجدداً، عبر ذراعها الحوثية في اليمن، وأوضحت المصادر في هذا المجال أنّ النظام الإيراني يقع تحت ضغط كبير يحتّم عليه توجيه أي ضربة متاحة تحفظ له ماء الوجه، رداً على اغتيال سليماني، وإلا فإنّ صورته كـ”قوة إقليمية عظمى” والتي حرص على تظهيرها وتكريسها على مرّ العقود الأخيرة، ستتشظى بشكل سيصعب ترميمه وستكون له انعكاسات وارتدادات بالغة الخطورة على هيبة النظام، خارجياً وداخلياً على حد سواء.
وبناءً عليه، ترجّح المعطيات الديبلوماسية ألّا تجرؤ طهران على استهداف مصالح أميركية مباشرة ولا إسرائيلية، في سياق ردها العسكري والأمني على الاغتيال، مذكرةً بأنّ العملية العسكرية التي أطلق عليها حينها اسم “عملية الشهيد سليماني” واستهدفت قاعدة “عين الأسد” الجوية الأميركية في العراق بصواريخ باليستية، كانت قد تمّت تحت ستار “مسرحي” قضى بتوجيه الإيرانيين إنذارات مبكرة إلى الأميركيين عبر عدة قنوات استخبارية قبيل تنفيذ العملية، إفساحاً في المجال أمام اتخاذ الاحتياطات اللازمة للحؤول دون سقوط قتلى وجرحى في صفوف الجنود المتمركزين في القاعدة الأميركية.
واليوم، ترى المصادر أنّ طهران أبعد ما يكون عن المخاطرة بـ”اللعب بالنار” مباشرةً مع الأميركيين والإسرائيليين، خصوصاً في ظل الغليان العسكري السائد في المنطقة في نهاية ولاية الرئيس دونالد ترامب، والتحسب لاحتمال توجيه ضربة أميركية – إسرائيلية مشتركة في العمق الإيراني، لكنّ النظام الإيراني لا يمكنه في الوقت عينه التحرّر من عبء الحرج الواقع تحت تأثيره بعد سلسلة الضربات الجوية المهينة التي يتعرض لها “الحرس الثوري” في المنطقة، سواءً في سوريا أو في العراق، وأقساها “الضربة القاصمة” التي أودت بسليماني، في حال عدم القيام بعملية انتقامية تعيد لطهران بعضاً من “توازن الرعب” الذي اهتزت ركائزه مع أعدائها.
وإذا كانت التقارير الديبلوماسية والاستخبارية لا تستبعد أي سيناريو محتمل في إطار الرد الإيراني على اغتيال سليماني، الا انّ الفرضيات الأكثر ترجيحاً في هذا السياق تركزت بشكل أساس على سيناريو استهداف منشآت النفط السعودية باعتبارها “الحلقة الأضعف” في المنطقة وتشكل نقطة تقاطع للمصالح الأميركية والغربية عموماً، بوصفها منطلقاً لإمدادات الطاقة العالمية. وفي الوقت عينه تستند أرجحية هذا السيناريو إلى إتاحته المجال أمام إيران للتنصّل من المسؤولية المباشرة عن هذا الاستهداف عبر التلطي خلف مجموعة الحوثي، كما حصل في استهداف أرامكو الأخير، بما يصعّب تالياً على الإدارة الأميركية الاستحواذ على غطاء من الكونغرس يتيح الرد العسكري على طهران نظراً لعدم تعرض المصالح الأميركية لاعتداء مباشر.
وكما في المنطقة كذلك في لبنان، فقد ثبت بالوجه “الشرعي” من بين سطور كلام الأمين العام لـ”حزب الله” عن الملف الحكومي، وبالوجه “الرعوي” إثر ما لمسه البطريرك الماروني بشارة الراعي لناحية كون هذا الملف أصبح رهينة مصالح دول خارجية، وبالوجه “الأممي” مع تغريدة الممثل الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش، أنّ “ورقة” الحكومة اللبنانية انضمت إلى مروحة الأوراق العالقة في قبضة إيران بانتظار أن يحين أوان وضعها على طاولة التفاوض مع الإدارة الأميركية الجديدة.
وبدت لافتة للانتباه إشارة كوبيتش، بما يمثل على المستويين الدولي والأممي، إلى أنّ “القادة السياسيين ينتظرون بايدن”، بينما “النظام الاقتصادي والمالي المصرفي في حالة من الفوضى والسلام الاجتماعي يبدأ في الانهيار والحوادث الأمنية تتصاعد وصرح لبنان يهتز في أساساته”. وفي السياق نفسه، جاء تشديد رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط جازماً أمس في معرض تشخيصه للمعضلة الحكومية بأنّ “القوة المركزية في لبنان، أي إيران المتمثلة بـ”حزب الله”، تنتظر استلام الرئيس المنتخب الجديد جو بايدن للتفاوض معه على الملف اللبناني وعلى الصواريخ والعراق وسوريا واليمن”، مشيراً إلى أنهم “مرتاحون في وقتهم وينتظرون التفاوض، ونرى كيف يستفيدون من الفراغ في لبنان. هم يركّبون أجهزة ATM في مناطقهم تُمكّن من سحب مبلغ يصل إلى 5000 دولار نقداً، بينما المواطن اللبناني العادي يذهب إلى المصارف ويتشرشح”.