ليس السؤال ماذا تراهم اللبنانيون يقولون في وداع هذه السنة وكيف سيودعونها وباي انطباعات سيستقبلون السنة الجديدة ، بل الأصح هل تركت السنة الآفلة أنفاسا كافية بعد لدى اللبنانيين للتطلع ببقايا امل الى السنة الجديدة ؟ عند منتصف هذه الليلة تطوي السنة 2020 صفحتها الأخيرة في سجل عالمي وكوني تاريخي كاحدى أسوأ الأعوام التي عرفتها البشرية قاطبة نظرا الى الحدث الأحادي الذي وحد العالم في تداعياته الكارثية المشؤومة وهو انتشار جائحة كورونا في كل العالم مخلفة تداعيات إنسانية وبشرية واقتصادية مخيفة . واذا كانت السنة الآفلة ستسجل في خانة أسوأ الاحداث التي عرفتها البشرية فان ذلك سيضاف الاف المرات حجم الامال المعلقة على السنة الوافدة #2021 خصوصا وسط احتدام صراع وسباق خيالي لا يصدق بين اتساع الانتشار الوبائي في كل العالم مع تسجيل سلالات متطورة جديدة للفيروس وبدء عمليات التلقيح ضد كورونا في الكثير من الدول .
هذا الجانب العالمي الذي سيواكب احتفالات كل بلدان العالم بحلول السنة الجديدة ،على بعده ودلالاته التاريخية ، لن يقف حائلا دون الخصوصية الكبيرة والمعبرة والمؤثرة للغاية للحظة اللبنانية التي يقف عندها اللبنانيون عند حافة وداع أسوأ ما عرفوه من كوارث وازمات وانهيارات ومآسي في هذه السنة التي سيحطمون منتصف هذه الليلة كل ما تطاله اياديهم من صحون وزجاج وراءها في مقابل تضخم أمال وتمنيات بل واحلام مشروعة وطبيعية وبديهية في ان ينقلب مع حلول السنة الجديدة قدر لبنان ويبدأ العبور الى نقطة ضؤ علها تحمل فجر الإنقاذ وتطلق مسار الخروج من الكوارث والأزمات والانهيارات . هذه السنة الآفلة الخيالية في مستويات الشؤم والكوارث والتراجعات على كل المستويات ابت الا ان تلفح لبنان بأقسى الاقدار حتى الثانية الأخيرة منها بدليل هذا المشهد الدراماتيكي الذي كان عليه لبنان بين عيدي الميلاد ورأس السنة كأنه اختصار خالص لمجمل ما حل عليه من مصائب ونكبات وكوارث وازمات كانت ذروة تتويجها المشؤومة في انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020 .
سنة شهدت من بداياتها الى نهايتها أسوأ عقاب مصيري ووجودي لشعب قاسى ويقاسي الويلات لانه ابتلي بسلطة حاكمة وطبقة سياسية بات يستحيل إيجاد الاوصاف الكافية التي “تحظيان بجلالها ” في مستويات قياسية من الفشل والقصور والعجز والفساد وحتى التآمر . ولعله لن تكون ثمة حاجة باللبنانيين الى إعادة رمي مسؤوليهم بسيل الشتائم هذه الليلة اذ يكفي استذكار جانب من سجل السنة الآفلة يتعلق بنظرة المجتمع الدولي الى الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان لتشكل في ذاتها احدى العلامات الفارقة جدا في احداث السنة . فما قاله الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في توصيف الطبقة السياسية بعد عرقلة مبادرته والزيارتين اللتين قام بهما للبنان في آب وأيلول الماضيين يكفي وحده كشهادة معيبة في عدم احترام الوسط الرسمي والسياسي اللبناني لتعهدات تتعلق بانقاذ بلادهم أولا وأخيرا ، فاذا برئيس دولة اجنبية يثبت لهفته على لبنان اكثر من حكامه ومسؤوليه ومعظم سياسييه وقادته . وما لم يقله ماكرون يكمله مسؤولون دوليون وأمميون وخليجيون وغربيون بما يشكل واقعا السقوط الكبير المدوي لهذا العهد وهذا الحكم وهذه الطبقة بمعظم رموزها وقواها .
مسار الانهيارات
مع انصرام السنة الآفلة التي تلفظ أنفاسها بترحيب عميم عارم منتصف هذه الليلة يكون لبنان قد سجل للتاريخ انه شهد الانهيار الأشد قسوة منذ نشأته لان الانهيار وان كان بدأ في العام 2019 وأورث طلائعه للسنة 2020 الا ان مجريات الانهيارات هذه السنة تفاقمت على نحو دراماتيكي على المستويات السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية وجاءت جائحة كورونا لتتوج المسار الكارثي وتدفع بلبنان الى مصاف الدول المدمرة تماما في مستوى تراجعاتها وانهياراتها في هذه السنة .
واذا كانت الأشهر الثلاثة الأخيرة من السنة وبعد تكليف الرئيس سعد الحريري تاليف الحكومة الجديدة أقفلت عشية الميلاد على انتكاسة انهيارية سياسية كرست الانسداد الحاصل في مسار تشكيل الحكومة فان هذا التطور السلبي الذي يظلل المشهد اللبناني مع اطلالة السنة الجديدة يطلق زخات الأسئلة الحائرة والقلقة حيال مستقبل قريب ومتوسط وبعيد المدى سواء بسواء يخشى معه اللبنانيون ان يذهبوا بعيدا في توسل الامال بنقطة ضؤ في نهاية النفق ولو عند مناسبة حلول السنة الجديدة التي ترث من السنة الراحلة اضعاف ما ورثته الأخيرة . ولذا تتحجم الامال وتتواضع وتتضاءل خشية مزيد بل فائض من الصدمات مع انعدام وجود أي رهان بعد الان على استفاقة او يقظة سياسية من شانها ان تحرر اللبنانيين من سياسات التعطيل والفراغ التي باتت بمثابة آلة اغتيال منهجية للنظام الدستوري كما لإنقاذ لبنان من خلال اسقاط دوامة الشروط التعجيزية المتعمدة لمنع تاليف الحكومة قبل اضاءة الإشارة الخضراء الإقليمية المعروفة التي يهيمن محورها على لبنان وسلطته ومعظم مفاصله المؤسساتية . أسابيع قليلة في مطلع السنة الجديدة وتنكشف كل الخطة وكل الارتباطات التي لا تحتاج أصلا الى اثبات ، ولكن صراع لبنان مع قدر الازمات لن يستريح حتى في منتصف هذه الليلة .
وفي دلالة غير مشجعة على الحصيلة السياسية التي وصل اليها البلد في نهاية السنة 2020 اختصر رئيس مجلس النواب نبيه بري الوضع في نهاية السنة بقوله مساء امس ل”النهار” بانه “ساكت ” ، وأضاف باقتضاب ان ” أي كلام يردد لا يعبر عن حقيقة الحال التي وصلنا اليها “. واصل البطريرك الأرثوذكسي يوحنا العاشر امس برئيس الجمهورية العماد ميشال عون معايدا ودعا الى الإسراع في تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة وتذليل كل الصعوبات التي تعترض ذلك .
تحقيقات المرفأ
وسط هذه المناخات المأزومة بدا ملف انفجار مرفأ بيروت الذي يعتبر أسوأ احداث السنة الراحلة كأنه عاد الى التوهج بقوة في الأيام الأخيرة خصوصا مع اطلاق رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب تصريحات ومواقف لم يعلنها سابقا ولم يتم تداول معطياتها في التحقيقات او المواقف المعنية . وآخر ما سجل امس تمثل في تسليم المحقق العدلي في ملف انفجار المرفأ القاضي فادي صوان ملف التحقيقات التي اجراها كاملا الى محكمة التمييز الجزائية التي باشرت دراسته. وكانت هذه المحكمة أرسلت الى المحقق العدلي كتابا تأكيديا للحصول على ملف التحقيقات في انفجار المرفأ بعدما تمنع صوان عن تزويد المحكمة بالملف .
وفي سياق اخر ابلغ رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب الى وكالة رويترز ان لبنان يمكنه استخدام ملياري دولار من احتياطات متبقية للدعم لستة اشهر أخرى . وقال انه علم بمبلغ الملياري دولار من تعليقات ادلى بها حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة . وقال ان المبلغ اكبر مما كان متوقعا وسيستمر ستة اشهر اذا طبق نظام البطاقات كما عبر عن امله في التوصل الى اتفاق بحلول شباط في شأن خطة لوقف الاتفاق على الدعم وتوفير المساعدة للفقراء في الوقت نفسه .
وسط كل هذه الأجواء سيكون لبنان امام مزيد من المخاوف حيال ارتفاع الإصابات بكورونا مع الخشية من تفاقم الاعداد بسبب احتفالات رأس السنة . وفي قفزة قياسية جديدة سجلت وزارة الصحة امس 2878 إصابة بكورونا و13 حالة وفاة .