حتى أصحاب مدرسة “لا داعي للهلع” أصبحوا يرتعدون هلعاً وخوفاً جراء بلوغ تفشي الوباء مستويات قياسية تنذر بسيناريوات مرعبة صحياً واستشفائياً، ومن كان من هؤلاء يجتهد، عن جهل أو عمد، للتنظير في عدم الحاجة إلى إيقاف رحلات الوافدين من دول مصنفة موبوءة مع بدايات انتشار الفيروس، أضحى هو نفسه اليوم يزاحم المنظّرين لفكرة تحمّل المواطنين والوافدين مسؤولية التفشي الوبائي في لبنان. وها هما، حسان دياب الذي أعلن ذات يوم انتصار حكومته على “كورونا”، ووزير الصحة حمد حسن الذي “دبك” يومها احتفاءً بهذا الانتصار، يعودان اليوم للاجتماع إلى طاولة “الهزيمة النكراء” لبحث سبل مواجهة الوباء بعدما بات يحصد آلاف المصابين يومياً، وسط اهتزاز ركائز الصمود الاستشفائية والتمريضية وتناقص أعداد الأسرّة المخصصة لاستقبال ومعالجة الحالات المصابة في المستشفيات.
ووصفت مصادر حكومية الاجتماع الذي سيعقد في السراي الحكومي بأنه “على قدر كبير من الأهمية”، وأفادت “نداء الوطن” بأنّ اللجنة الوزارية المعنية بمتابعة تطورات “كورونا” ستناقش خلاله “توصية رفعتها اللجنة الفنية إثر اجتماع دام لأربع ساعات يوم السبت”، وتقضي هذه التوصية “بضرورة الإقفال التام بلا أي استثناءات لفترة تراوح بين ثلاثة أسابيع كحد أدنى وستة أسابيع كحد أقصى، لأنّ منظمة الصحة العالمية تعتبر أنّ الإقفال لأسبوعين لا يأتي بالنتائج المرجوة”.
وإذ أعادت المصادر الحكومية سبب ارتفاع الاصابات إلى “عدم التزام المواطنين بالإجراءات الوقائية، بالإضافة الى مخالطة الوافدين للمقيمين من دون احترام موجبات الحجر الذاتي”، رأت في الوقت نفسه أنّ “زيادة عدد فحوصات PCR كان عاملاً مهماً أيضاً في إظهار الارتفاع الحاد بأعداد الحالات المصابة بالفيروس”، مشيرةً إلى أنّ “في التوصية أيضاً تشديداً على وجوب عدم منح إستثناءات في الاقفال التام على غرار المرات السابقة، بل أن يكون إقفالاً تاماً مع حظر شامل للتجول يبدأ عند الرابعة من عصر كل يوم”. أما عن حركة المطار فلا توصية بإقفاله بل بخفض عدد الرحلات اليومية وإجراء فحوص PCR إلزامية في حرم المطار لجميع الوافدين بلا استثناء.
وفي حين تنصّ التوصية على محورية دور وزارة الداخلية في فرض الإجراءات التنفيذية خلال فترة الإقفال وتغريم المخالفين بحزم، تتحدث في المقابل مصادر صحية بحسرة عن “الوقت الضائع الذي لم تحسن الحكومة اغتنامه خلال الفترات السابقة”، وقالت لـ”نداء الوطن”: “لو طُبقت الاجراءات والتوصيات التي نادينا بها منذ عدة أشهر لما كنا وصلنا إلى هنا، فسبق أن صدرت توصيات ممتازة سابقاً عن اللجنة الفنية ولكن لم يؤخذ بها، بل اتخذت اللجنة الوزارية قرارات مغايرة ولم تُحسن حتى تطبيقها”، وأضافت: “للأسف، المعنيون يتعاطون مع مكافحة الوباء من منطلق شعبوي ومناطقي، ويهولون في الإعلام لكنهم على أرض الواقع لا يحسنون إدارة الملف”.
وذكّرت المصادر بأنّ “الخبراء الصحيين لطالما طالبوا مراراً وتكراراً بتجهيز المستشفيات وزيادة عدد الأسرّة فيها، لكن التجاوب من المسؤولين كان خجولاً جداً، بينما لم تُحسن وزارة الصحة استخدام مبلغ الـ50 مليون دولار المقدّم من البنك الدولي لهذا الغرض، إنما ركزت عملها على القطاع العام مقابل تهميش المستشفيات الخاصة، حتى أصبحنا اليوم أمام إقفال العشرات من هذه المستشفيات أبوابها في وجه مصابي “كورونا”، أولاً لأنّ الدولة لا تدفع لها مستحقاتها وثانياً لعدم وجود تعرفة موحدة متفق عليها بين وزارة الصحة والمستشفيات”.
وعشية دعوة رئيس الجمهورية ميشال عون المجلس الأعلى للدفاع للانعقاد هذا الأسبوع بغية إقرار توصيات اللجنة الوزارية في مواجهة تفشي الوباء، حذرت المصادر الصحية من أنّ “الوضع الوبائي يخرج بشكل متسارع عن السيطرة ولم يعد بالإمكان التصدي له بمجرد توصيات لا تجد طريقها إلى التنفيذ”، مشددةً في هذا المجال على ضرورة “الانتقال من النظري إلى التطبيق العملي بحزم للإجراءات الاحترازية الواجب تنفيذها خلال الإقفال العام وبعده”، مع التأكيد على “وجوب إيجاد حل لمسألة القطاع الاستشفائي وإصدار قانون إذا لزم الأمر لفرض استقبال المصابين بـ”الكورونا” في كل المستشفيات، علماً أنّ هناك نواباً لا يرون داعياً للتشريع بهذا الخصوص، على اعتبار أنه في ظل حالة التعبئة العامة الراهنة يحق للجيش أو مجلس الدفاع إلزام كل المستشفيات بتخصيص أقسام لديها لمعالجة مصابي “كورونا”، كما أنّ وزارة الصحة بالتوازي مع إيلاء القطاع الاستشفائي الخاص الاهتمام اللازم لتعزيز قدراته في مواجهة الوباء، عليها أن تتبع أسلوباً حازماً في مقابل أي تنصّل من هذه المسؤولية، كإقدام الوزارة على تخفيض تصنيف المستشفيات المتمنّعة وغير المتعاونة”.