ثمة سوابق لا تحصى حول نماذج صارخة من تخبط الدولة اللبنانية التي استحقت بامتياز تصنيفها ضمن مجموعات الدول الفاشلة . ولكن العرض الأسوأ عن تخبطها امس تجاوز كل السوابق واتخذ أبعادا اشد سلبية وخطورة لان الدولة التي كانت ممثلة بالحكومة وبكل المؤسسات الإدارية والصحية والأمنية في الاجتماعات الماراتونية التي عقدت امس في السرايا الحكومية كانت امام اخطر “تسونامي” وبائية تجتاح لبنان ورغم ذلك استهلك القرار الذي وصلت اليه نحو تسع ساعات من المماحكات والتجاذبات وعروض التباينات في عز بلوغ العاصفة الوبائية ذروتها . اتخذ القرار بالإقفال العام للمرة الرابعة منذ آذار 2020 من الخميس في السابع من كانون الثاني الحالي الى الاثنين في الأول من شباط المقبل وربما يكون الأقرب الى الاقفال الأول في آذار 2020 عندما بدأ انتشار فيروس كورونا في لبنان ، ولكن بعدما اثبتت تطورات الكارثة الوبائية في الأسبوعين الأخيرين ،وهما أسبوعا عيدي الميلاد ورأس السنة ، بان فرض الإجراءات المتشددة على المواطنين كان يجب ان يسبق العاصفة لا ان يعقبها مهما كلف الثمن . ولكن العودة السريعة الى تصريحات المسؤولين والوزراء والسلطات المعنية عشية الأعياد تثبت بما لا يقبل جدلا ان التخبط نفسه الذي تسبب في حيز كبير منه في التفشي الوبائي الواسع بعد الأعياد تجدد امس وكاد يطيح امكان التوصل الى قرار إجماعي نهائي لولا الخشية من تفلت مخيف لا احد يدري الى اين يمكن ان يودي بالبلاد .
ومع ذلك فان الشكوك سابقت القرار النهائي حول المدى الحقيقي للحزم الواجب ان يترافق مع تنفيذ الإجراءات الجديدة للإقفال اذا كانت الإجراءات ستبقى متسمة بالإجتزاء وعدم التزام المعايير الصارمة الموحدة لتنفيذها والسبل التي ستتخذ لضمان تحقيق الأهداف الأساسية للإقفال واولها خفض الحجم المتعاظم للاصابات والانتشار الوبائي وبدء تخفيف الاكتظاظ والاختناق في المستشفيات لا سيما منها الحكومية التي لم تعد قادرة على الاستيعاب . كما ان الشك الكبير واكب التساؤلات عما اذا كانت وزارة الصحة والحكومة كلا ستتمكن من حل أسوأ ظاهرة شهدها بلد في العالم وتمثلت في امتناع معظم المستشفيات الخاصة عن فتح أقسام لمصابي كورونا منذ انتشار هذا الوباء في لبنان قبل عشرة اشهر .وقد اتخذت هذه الازمة الفضائحية أسوأ ابعاده ودلالاتها في الأيام الأخيرة مع اقدام وزارة الصحة للمرة الأولى على نشر لائحة اسمية مفصلة بكل المستشفيات تكشف فيها تلك التي لا تستقبل المصابين بكورونا او تستقبل عددا محدودا جدا منهم الامر الذي شكل فعلا فضيحة غير مسبوقة في القطاع الصحي الخاص وعلاقته بالدولة .
الصراع مع المستشفيات
واذا كانت “المعارك” الجانبية التي خيضت امس داخل اللجنة الوزارية الخاصة بمتابعة ازمة كورونا بين السلطات السياسية والصحية والأمنية شكلت انكشافا متجددا لانعدام وحدة الحال داخل الدولة كلا ، وليس فقط داخل حكومة تصريف الاعمال ، فان كثرا استوقفهم اصدار وزير المال امس بيانا يكشف فيه ان الوزارة سددت مبلغ 555’7 مليار ليرة للقطاع الاستشفائي كافة بما يوجب التوقف طويلا عند المماحكات المالية التي تتخذ ستارا للكثير من الالتباسات المتحكمة بالملف الصحي فيما لبنان يكابد أسوأ المخاوف من نماذج كارثية عرفتها دول أوروبية تحت وطأة الانتشار الوبائي مضافا الى ذلك كوارثه الخاصة المالية والاقتصادية والاجتماعية التي ستتفاقم على نحو خطير إضافي تحت وطأة الاقفال الجديد . وأفادت معلومات في هذا السياق ان اجتماعا سيعقد صباح اليوم في وزارة الدفاع مع الجهات الضامنة الرسمية والخاصة لتوحيد الموقف في التعامل مع المستشفيات الخاصة . وحتى بعد اجتماعات السرايا وصدور بيان الاقفال العام لم يبت نهائيا الجدول التفصيلي للقرار في ما يتصل بالقطاعات التي ستستثنى من الاقفال ضمن مواقيت محددة علما ان المعلومات التي تسربت عن اجتماع اللجنة اشارت الى استثناءات واسعة جرى تداولها ولكن تقرر لاحقا إعادة تحجيمها وتحديدها على ان يصدر التعميم النهائي حول الاقفال اليوم عن وزارة الداخلية . وسيواكب الاقفال العام فرض حظر التجول ابتداءاً من الساعة 6 مساء وحتى الساعة 5صباحاً.
واعلن وزير الصحة في حكومة تصريف الاعمال حمد حسن اثر انتهاء اجتماع اللجنة الوزارية، ان “أن قرار الإقفال اتخذ بإجماع اللجنة ورئيس الحكومة حسان دياب جمع كل الآراء ووحدها بقرار الإقفال العام من صباح الخميس حتى صباح الأول من شباط 2021″، مشيرا الى أنه “بات واضحا أن التحدي الوبائي وصل إلى مكان يشكل خطرا على حياة اللبنانيين في ظل عدم قدرة المستشفيات على تأمين أسرة”. وأوضح أن “اللجنة العلمية أوصت بإقفال أسبوعين قابلة للتجديد، لكن بعد النقاش الذي حصل تم توحيد الموقف، هناك مستشفيات خاصة تواكبنا وبالتالي كنا نعطي أياما للمواطنين كي لا يحصل الإكتظاظ أمام التعاونيات، وكي لا يتكرر مشهد اكتظاظ على ادوية الأمراض المستعصية كي لا تعتبر ثغرة بالإنضباط العام”.
من جانبه أكد وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الاعمال محمد فهمي أن “قرار المفرد والمزدوج المتعلق بسير الآليات سيتم تطبيقه خلال فترة الاقفال المقبلة”. وتمنى على “كل مواطن ان ينفذ التعليمات ومساعدة القوى الامنية لتنفيذ هذه التعليمات لمواجهة تفشي الوباء”، مشيرا الى انه “سيتم تقليص عدد الوافدين من خلال آلية معينة”. وعن عدم فعالية قرار “المفرد والمزدوج” أوضح فهمي أنه “كنا نفضل لو طبق المواطن التوجيهات المعطاة له بهذا الخصوص، عندها كان القرار قد أعطى نتيجة أفضل”. وقال “الدولة مسؤولة والمواطن مسؤول أيضا، والمسؤولية تقع على المواطن أكثر مما تقع على الدولة، فالقوى الأمنية لديها مهام عملانية أخرى ومهمة. أتمنى أن يطبق المواطن التعليمات والإرشادات المعطاة إليه وأن يساعد القوى الأمنية على تطبيقها لمنع تفشي الوباء وتخطي الأزمة. قرار الإقفال سيكون أكثر تشددا وسنعلن عن تفاصيله غدا (اليوم)”.
وأفادت المعلومات أن وزير الصحة حمد حسن وصل متأخراً ساعة إلى اجتماع اللجنة الوزارية بعد الظهر ، وعندما سئل عن السبب قال: “لأنو هلّق بلّشوا بحث الوضع الصحي”.
وكان الاجتماع الأول برئاسة رئيس حكومة تصريف الاعمال حسن دياب انتهى قرابة الثانية عشرة والربع ثم تلاه اجتماع آخر أمني في السرايا، حضره قادة الاجهزة للبحث في الملف عينه اي اجراءات مكافحة كورونا وجاهزية الاجهزة لمواكبة عملية الاقفال التام. وقد افيد ان جرى خلال الاجتماع الحديث عن إجراءات مشدّدة لمدّة 4 أسابيع تتراوح بين الاقفال التام والجزئي.واشارت المعلومات الى ان التدابير الأمنية التي ستتخذ خلال فترة الإقفال ستكون على مدى 4 أسابيع وكل الاجهزة والبلديات ستكون معنية وتتعاون لتطبيق الاقفال.