سجّل عدّاد كورونا أربعة آلاف ومئة وستاً وستين إصابة أمس، وهو رقم قياسي منذ وصول جائحة كورونا إلى لبنان في شباط من العام الماضي، وبالتالي بلغ عدد الإصابات التراكمي 199925 إصابة و1550 وفاة. هذا الواقع دفع السلطات إلى إعلان الإقفال التام من 7 كانون الثاني إلى الأول من شباط 2020، على أمل خفض عدد الإصابات، وبالتالي إعطاء نفحة أوكسيجين للقطاع الصحي الذي يُعاني من نقص في عدد الأسرّة لاستيعاب مرضى كورونا
.
قرار الإقفال والذي أثبت فشله في الماضي (من دون أدنى شكّ) يأتي في ظلّ عجز الدولة عن التشدّد في تطبيق الإجراءات الوقائية، مثل وضع الكمّامة والحفاظ على مسافة آمنة من التباعد الإجتماعي. هذا العجز فسّره البعض بأنه تقاعس من قبل دولة أصبحت أجهزتها ومؤسساتها على شفير الانهيار مع عدم القدرة على تطبيق القوانين. وبالتالي يظهر إلى العلن بدء فقدان سيطرة الدولة على كل ما يحصل داخل فضاء “الجمهورية اللبنانية”، مُنذرة بمرحلة قادمة خطرة.
البعض الآخر اتهمّ الدولة بتطبيق استراتيجية مناعة القطيع، وهو ما تمّ نفيه من قبل المعنيين. ومناعة القطيع أو ما يُعرف بـ herd immunity، هي عبارة عن مناعة جماعية تُكتسب عندما تُصبح النسبة الكبرى من المجمتع تمتلك مناعة ضدّ وباء مُعين (في هذه الحالة كوفيد 19). وهذا الأمر يتمّ من خلال إصابة عدد كبير من المجتمع بالوباء (وهو ما يخلق مناعة) أو من خلال التلقيح، على أمل أن يتمّ وقف سلاسل العدوى، وبالتالي إبطاء تفشّي المرض حتى إختفائه. وهنا تظهر المُشكلة إذ ان المُعطيات تُشير إلى أن من أصيب بكوفيد 19 أول مرّة هو عرضة للإصابة مرّة أخرى، وهو ما يُسقط حكمًا نظرية مناعة القطيع، مع التشديد على بعض العوارض التي تلازم الشخص بعد شفائه من كورونا، مثل ضرب الرئة والقلب وغيرهما. هناك أيضًا مُشكلة أخرى ناتجة من التحوّل الجيني لوباء كورونا والذي يخلق سلالات متتالية مثل كوفيد 20 الذي ظهر في بريطانيا وانتشر في عدّة دول، مثل لبنان الذي سجّل حالات آتية من بريطانيا وغيرها. وبالتالي لا شيء يؤكّد أن اللِقاح الذي تمّ تطويره لكوفيد 19 سيكون فعّالاً لكوفيد 20 أو أي سلالة جديدة قد تظهر مُستقبلا.
وبالحديث عن اللِقاح، فإن لبنان العاجز عن استيراد لِقاحات لكل المواطنين اللبنانيين، يواجه مُشكلة في توقيع العقد مع الشركات التي تُطالب بإدخال بند في العقد ينصّ على رفع المسؤولية عن الشركة عن أي أعراض قد تنتج من استخدام اللِقاح. وهذا البند يعتبره البعض اعترافاً مباشراً من قبل الشركات بعجزها عن ضمان النتائج، في ظل نقص واضح في التجارب على هذه اللِقاحات. هذه المشاكل لم تمنع العديد من البلدان من القيام بتلقيح شامل لمواطنيها، على مثال العدو الإسرائيلي أو بريطانيا التي أثارت الجدل من خلال اتباع طريقة جديدة تنصّ على إعطاء الجرعة الأولى من اللِقاح إلى أكبر قسم من البريطانيين، على أن يتمّ إعطاء الجرعة الثانية في مراحل لاحقة، مُتخطّية بذلك الفترة التي أعطتها الشركات المُنتجة للِقاحات لأخذ الجرعة الثانية.
في هذا الوقت ما يزال ملفّ تشكيل الحكومة يدور في مكانه في انتظار عودة الرئيس المكلّف سعد الحريري إلى لبنان. هذا الملفّ الذي يصطدم بالضغوطات الخارجية التي تفرض صيغة مُعيّنة للحكومة لا يأخذ فيها اي فريق الثلث المُعطّل، يجعل الوضع الإقتصادي والمالي في حالة من التردّي قد تكون الأسرع في تاريخ البلدان على الإطلاق إذا ما أخذنا بعين الاعتبار عامل الوقت! التردّي الذي نتحدّث عنه هو قبل كل شيء تردّي في الوضع الإجتماعي مع زيادة نسبة الفقر، والناتج من تآكل القدرة الشرائية التي تنتج بحدّ ذاتها عن إرتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء بشكل لا يعكس أي منطق اقتصادي، إلا منطق المضاربة وتطبيق أجندات سياسية.
التطبيقات التي تعمل على الهواتف الذكية والتي تعطي سعر صرف الدولار في السوق السوداء، تعمل ليلا ونهارا وحتى في الآحاد وأيام الأعياد، وترتفع الأسعار أحيانًا بشكل غير منطقي، مما يُشير إلى تلاعب واضح في هذا السعر من قبل مافيات كان قد تمّ الكشف عن اسم أحد الأشخاص الذين يقفون خلف هذه التطبيقات من دون أي ردّة فعل من قبل السلطات اللبنانية! والأصعب في الأمر هو تواطؤ التجّار الذين يُحقّقون أرباحًا خيالية نتيجة عكس سعر هذه التطبيقات في أسعار السلع والبضائع عن غير وجه حق، على مثال صاحب محل خرضوات أو محل بيع سمانة في زوق مكايل، يقبضون سعر السلع بالمفرق على أساس سعر صرف التطبيق، بعد أن يتمّ الاطلاع على هذا السعر والقيام بعملية حسابية على آلة حسابية. والأصعب في الأمر أن بعض هذه السلع هي سلع “صنع في لبنان”، وعلى الرغم من ذلك يتمّ تسعير هذه السلع بالعملة الأجنبية!
تأخير تشكيل الحكومة وعملية الإقفال التي تمتدّ على مدى ثلاثة أسابيع سيؤديان بحسب التقديرات إلى خسائر قد تصلّ إلى حدود المليار ونصف مليار دولار أميركي على الإقتصاد والمالية العامة. وبالتالي يتحمّل المعنيون بتشكيل الحكومة مسؤولية التأخير في تشكيلها، نظرًا إلى أن لبنان أصبح يرقص على حافة الهاوية. وتقول مصادر مُطلعة للديار، أن هناك عملية تطويق أميركية واضحة للبنان من خلال خلق تكتل دول يضمّ الدول الخليجية ومصر والأردن وإسرائيل، وإلى حدٍ ما تركيا، هدفها الوقوف في وجه إيران وحلفائها في المنطقة، ومن بينهم لبنان الذي يجد نفسه مُحاصرًا بشكل كلّي من قبل المؤسسات الدولية، ولكن أيضًا من قبل العرب الذين يُقاطعون لبنان بشكل شبه كلّي، إن على صعيد المساعدات أو الإستثمارات أو السياحة. وبالتالي ترى هذه المصادر أن لبنان يتجه إلى عزلة مُشابهة لعزلة فنزويلا وإيران وغيرهما من الدول التي تواجه الولايات المُتحدة الأميركية. وعن سعر صرف الدولار في المرحلة المُقبلة، تقول المصادر ان التوجّه هو نحو أسعار صرف تُشكّل ضغطاً أكبر على المواطن، بهدف خلق فوضى تواكبها حملة إعلامية تُشير بالأصابع إلى محور معين يكون هو المسؤول عن هذه الأزمة. وبالتالي فإن سعر صرف دولار يُقارب الـ 15000 ليرة للدولار الواحد لم يعد بعيدًا، وقد نشهده في الأسابيع والأشهر القادمة.
بالطبع مثل هذا السعر سيؤدّي حتمًا إلى خلق غضب واسع لدى الشعب اللبناني، فكيف سيتمّ ضبط هذا الأمر؟ تقول المصادر ان التوجّه الواضح لدى السلطات هو عبر الضغط على مصرف لبنان من أجل استخدام الإحتياطي الإلزامي، وهو ما سيؤدّي إلى غضب كبير ضدّ المصرف وحاكمه، وهو بدوره سيؤدّي إلى تراجع أسهم حاكم مصرف لبنان الرئاسية لمصلحة قائد الجيش العماد جوزف عون الذي أصبح من المُلفت الدعم الخارجي له، خصوصًا مع تزايد عدد زيارات السفراء الأجانب له في الفترة الأخيرة. وتُشير المصادر الى أن هذه الزيارات الداعمة لقائد الجيش تحمل أيضًا تشديداً على أن يقوم الجيش بكل ما يُمكن لمنع فلتان الأمر على الصعيد الأمني، وهو ما يُمكن ملاحظته من تصريح قائد الجيش الأخير.
عمليًا لبنان في وضع لا يُحسد عليه، والمؤشرات تُشير إلى أن الوضع سيكون أسوأ في المرحلة المُقبلة، مع توقّعات في أن يقوم الجيش بتدخّل واضح على الأرض لمنع الفوضى التي لن تتأخر في الظهور، وصولا إلى فرض حظر التجوّل الذي تقول المصادر انه سيفرض نفسه في المرحلة المُقبلة.