إنشغل العالم بالحدث الأميركي، مع الاقتحام الشعبي غير المسبوق لمبنى «الكابيتول» حيث مقرّ الكونغرس في واشنطن، وسط حالة من الصدامات بين المتظاهرين والحرس الوطني، على خلفية رفض الرئيس دونالد ترامب الاعتراف بخسارته الانتخابات الرئاسية، والتعبئة التي مارسها منذ إعلان النتائج، وصولاً إلى أمس الأول الذي كان موعداً للمصادقة على هذه النتائج، في جلسة هي في العادة بروتوكولية، يلتئم فيها الكونغرس الجديد بشقيه مجلسي النواب والشيوخ لتلاوة نتائج الولايات.
ويشكّل هذا المشهد سابقة في تاريخ الولايات المتحدة الاميركية، شهدت معها أعرق الديموقراطيات في العالم تصدّعاً في صورتها، بعدما اعتادت تداول السلطة في سلاسة تامة، وكانت قدوة ونموذجاً على هذا المستوى، ودلّت الى وجود انقسامات عميقة داخل المجتمع الأميركي، تستدعي من الرئيس الجديد جو بايدن، التركيز على البيت الداخلي، في محاولة لتجاوز هذا الانقسام الخطير بمدلولاته ومؤشراته.
ولكن السؤال الأساس يبقى: ما تأثير هذا المشهد غير المألوف أميركياً على دور الرئيس الجديد؟ وهل سيتأثر دور واشنطن الخارجي؟ وهل ستكون الأولوية لشعار «أميركا أولاً»، أم انّ الإدارة الجديدة ستوازن بين تحدّيات الداخل والخارج؟ وما مصير السلام العربي-الإسرائيلي الذي انطلق ولا يمكن ان يستمر من دون غطاء أميركي، خصوصاً انّ الدول الخليجية تتهيأ للمرحلة الجديدة، من خلال إعادة توحيد صفوفها استباقاً لدخول بايدن إلى البيت الأبيض، وتقوية أوراقها وتعزيزها، وفي هذا الإطار بالذات يمكن وضع القمة الخليجية الأخيرة؟
وفي وقت كانت الحركة السياسية في لبنان شبه مشلولة، شهد أمس عودة الرئيس المكلّف سعد الحريري إلى بيروت، ما يعني استئناف مساعي التأليف مجدداً، كذلك شهد زيارة الرئيس ميشال عون لبكركي ولقائه البطريرك الماروني مار بشارة بشارة بطرس الراعي، تبديداً للأجواء التي تحدثت عن فتور في العلاقة بينهما على إثر الوساطة التي قادها الراعي، والذي يبدو أنّه سيستأنفها متسلّحاً بلقائه الجديد مع عون.
وفي هذا الجو، ثمة من يقول انّ التطور الأميركي يمكن ان يسرِّع في ولادة الحكومة من دون انتظار خروج ترامب من البيت الأبيض، لأنّ الأحداث الداخلية كفيلة بتكبيله، وبالتالي إزالة المخاوف من العقوبات المحتملة بالتزامن مع تأليف الحكومة، على غرار ما حصل في مراحل التكليف مع الدكتور مصطفى أديب وأخيراً مع الحريري.
وهناك من يقول أيضاً، انّ الضربة او الحرب التي كانت متوقعة في الفترة الفاصلة عن نهاية عهد ترامب باتت بدورها مستبعدة، وانّ ترامب حتى لو أراد الهروب إلى الأمام، لم يعد في استطاعته المجازفة بخطوات كبرى، وبالتالي يمكن الحديث عن انّ تثبيت الكونغرس لنتائج الانتخابات الأميركية بدأت مفاعيله من الآن ولا حاجة لانتظار 20 الجاري موعد تنصيب الرئيس الاميركي الجديد ودخوله الى البيت الابيض.
وكان تصدّر المشهد السياسي امس، زيارة عون لبكركي وعودة الحريري من الخارج، وسط تساؤلات عن مصير الاستحقاق الحكومي والعقبات التي تؤخّر إنجازه بتأليف الحكومة، في وقت اسـتأنف الراعي وساطته في نسخة جديدة، دافعاً في اتجاه لقاء جديد بين عون والحريري لتأليف الحكومة في اسرع وقت.
وبعد خلوة بينه وبين الراعي قال عون: «جئنا اليوم نعايد غبطته، لأنّ الظروف منعتنا من ان نكون هنا يوم عيد الميلاد. وتحدثنا عن الأوضاع العامة التي لا تزال مكتومة، لأنّ كل الذي يحصل معنا لا يُحكى في الاعلام، لأنّ كل واحد يكتب في الاعلام، مع الأسف، على هواه. وان شاء الله يكون هذا اللقاء مثمراً في هذا الموضوع».
وردّ عون على سؤال عمّا قيل من اللقاء بينه وبين البطريرك كان يمكن ان يجمعهما مع الحريري، والاتفاق على حكومة من دون محاصصة، فقال: «هذا احتمال».
ولاحقاً أوضح مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية في بيان، ان «لا صحة للمعلومات التي نُشرت عن انّ اجتماعاً كان سيُعقد صباح اليوم (أمس) في بكركي، بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف تشكيل الحكومة سعد الحريري، برعاية البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي. والصحيح انّ مثل هذا الطرح عرضه البطريرك الراعي على رئيس الجمهورية خلال اجتماعهما اليوم، ولم يكن الرئيس عون على علم مسبق به. فاقتضى التوضيح».
ما دار في بكركي
وفي وقت لاحق من مساء امس، قالت مصادر بعبدا لـ«الجمهورية»، انّ اللقاء بين عون والراعي «كان ايجابياً وشكّل مساحة مصارحة حول كثير من الجوانب المتصلة بالأحداث الاخيرة التي ما زالت مدار بحث وردّ وروايات وسيناريوهات مختلفة، اختلط فيها بين ما هو صحيح وما هو بهدف التشويش وتشويه الحقائق».
ولفتت هذه المصادر، الى انّ اللقاء تقرّر قبل يومين فقط ولم يكن في الحسبان، ولكن رئيس الجمهورية الذي لم يتمكن من المشاركة في قداس الميلاد لأسباب متصلة بحجم انتشار جائحة كورونا، والتشدّد الذي كان من الواجب اتخاذه، قد قرّر زيارة البطريرك لتهنئته في مناسبة حلول عيدي الميلاد ورأس السنة.
كيف تمّ ترتيب اللقاء؟
وفي معلومات لـ«الجمهورية»، انّ اتصالاً حصل أمس الاول بين دوائر القصر الجمهوري والبطريركية المارونية، تقرّر خلاله موعد اللقاء أمس، و»كان بالفعل لقاء ايجابياً طُرحت فيه المواضيع المطروحة على الساحة اللبنانية من جوانبها المختلفة، ولا سيما منها تلك المتصلة بالأزمة الحكومية وجائحة كورونا وسبل مواجهتها، الى الوضعين الاقتصادي والنقدي، في نحو اعتُبر اللقاء وكأنّه تتمة طبيعية للقضايا التي اثارها البطريرك ورئيس الجمهورية في اللقاءات السابقة التي عُقدت بينهما في اطار المبادرة التي اطلقها الراعي عقب لقائه والحريري في بكركي قبل عطلة الاعياد، من اجل تسهيل مساعي تأليف الحكومة. وعلى هذه الخلفية، شرح عون ما شهدته اللقاءات الـ 14 وما رافقها من طروحات وما اعاق المساعي المبذولة لتوليد الحكومة العتيدة التي تحتاجها المرحلة الحالية، مشدّداً من جديد على مجموعة الملاحظات التي اصرّ عليها، وخصوصاً تلك التي تتصل بالمعايير الموحّدة لتوزيع الحقائب وطريقة اسقاط الاسماء عليها بنحو متوازن، معتبراً انّ التشكيلة التي حملها الحريري اليه في 9 كانون الاول الماضي افتقرت الى كل هذه العناصر، وخصوصاً عند المعادلة المطلوبة للمساواة بين الحقائب حسب توزيعها على الطوائف».
عون استمع
وفي معلومات لـ«الجمهورية»، انّ عون، وبعدما قدّم شروحاته، بدا مستمعاً لمجموعة من الملاحظات التي عبّر عنها الراعي، وخصوصاً عندما فنّد عناوين خطاب «عيد الغطاس» وما قصده من مناشدته كلاً من رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف، للتواصل من دون اي مؤثرات خارجية. وطرح الراعي اقتراحاً فاجأ رئيس الجمهورية، عندما تمنّى قبولاً بفكرة ان يجمع عون والحريري، حيث يريدان، وإذا اختارا بكركي فأهلاً وسهلاً بهما. فالهدف هو تسهيل الاتصالات الاخيرة وتزخيمها واستكمال البحث من حيث انتهيا، وفق القواعد التي اطلقها الراعي في العظة المشار اليها .
وردّ رئيس الجمهورية على طرح الراعي بمجموعة من الأسئلة التوضيحية، ولم يعط الراعي جواباً نهائياً في انتظار ان يستكمل البطريرك اتصالاته بالحريري ومن يراه مناسباً، الى ان ينتهي الى صيغة قابلة للبحث، فينظر فيها حسب ما ستوفره هذه الاتصالات من معطيات جديدة. فالهدف لدى رئيس الجمهورية هو التوصل الى التأليف في اسرع وقت ممكن وبلا تسرّع، لئلا تدفع البلاد ثمناً لا يريده احد في حال انتهت المحاولة الجديدة الى الفشل.
مبادرة بكركي
وافادت المعلومات التي تسرّبت من دوائر قريبة من بكركي الى «الجمهورية»، انّ «الرجلين كانا مستمعين جيدين لما طرحه كل منهما عندما تبادلا القراءات والآراء». ووصفت المصادر مبادرة بكركي الجديدة بأنّها تنطلق من «معطيات دستورية»، اذ «لا تشكيل لحكومة جديدة من دون تفاهم عون والحريري وتوقيعهما». الّا انّ هذا الاقتراح ينتظر تواصل بكركي مع «بيت الوسط»، على ان يكون «دور البطريرك مسهلّاً، يسعى بجدّية كاملة وبخلفيات وطنية الى كسر الجليد واعادة وصل ما انقطع بين الرجلين».
وأجمعت مصادر بعبدا وبكركي على التأكيد لـ»الجمهورية»، على انّه لم يكن هناك اي مشروع للقاء يجمع رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف امس في بكركي، فالمبادرة البطريركية الجديدة لم تكن في حوزة اي منهما، وبالتالي فإنّ الحديث عن محاولة فاشلة لجمعهما كما اوحت به بعض التسريبات الاعلامية لا اساس له من الصحة على الاطلاق.
جنبلاط ينصح الحريري
وفي جديد المواقف السياسية أمس، دعا رئيس «الحزب التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط في حوار متلفز، الحريري إلى «الإعتذار عن تشكيل هذه الحكومة» قائلاً: «أنا لم أسمّ للحكومة الحالية إنما الحريري قام بالتسمية، ومشكلتي مع رئيس الجمهورية ميشال عون ومن يقف خلفه». وأضاف: «أنصح الحريري مرة جديدة «شو بدّك بكلّ هالشغلة»، وليأتوا بمن يشاؤون رئيساً للحكومة، حسان دياب أو فيصل كرامي أو غيرهما.. كان أريحلو وأريحلنا».
واشار جنبلاط الى «لقاء عون والحريري في بكركي»، مُعتبرًا أنّه «لا جدوى للقاء كهذا، ونصيحة للحريري فليترك فريق الممانعة يحكم، أي «التيار الوطني الحر» في الواجهة و«حزب الله» خلفه. فلم يبقَ شيء، وأصبحنا منصة صواريخ». ولفت الى انّ رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، «يريد الثلث المعطل. وفي حال حدث شيء لميشال عون يكون هناك ثلث معطّل لجبران باسيل».
وأضاف: «فليأخذ رئيس الحزب الديموقراطي المير طلال أرسلان الحصة الدرزية فلا مانع لديّ»، سائلاً: «هل يريدون الغاءنا؟ فلنرى ان كانوا يستطيعون ذلك».
وطالب جنبلاط «حزب الله» بـ«التفكير بعشرات الآلاف من اللبنانيين في الخليج، لمنع تهجير هؤلاء من هناك، لأنّهم فرصتنا الأخيرة في ظلّ الأزمة الاقتصادية، وأنا ضدّ نظرية التخوين». وتطرق الى الأحداث التي حصلت في واشنطن امس الاول فقال: «لدينا 14 يوماً كي يخرج الرئيس الاميركي دونالد ترامب من البيت الابيض، وهو يتمنى الحرب في المنطقة، ولكن المؤسسة العسكرية الاميركية ضدّها». وحذّر جنبلاط من «ابو نضال جديد» بالقول: «الله يسترنا من ابو نضال جديد يورط لبنان بحرب، فنحن في جمهورية ايرانية وصور سليماني مستفزة».
«الوفاء للمقاومة»
من جهتها، حضّت كتلة «الوفاء للمقاومة» إثر اجتماعها برئاسة رئيسها النائب محمد رعد، الرئيس المكلّف على «إعادة تحريك عجلة التأليف للحكومة ومواصلة التشاور، للتوصل إلى الصيغة التي يمكن أن تعزّز الاستقرار والثقة بحسن إدارة شؤون ومصالح البلاد والقدرة على النهوض بالأعباء المترتبة على ذلك».
جريمة موصوفة
ومن جهته، رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع قال في بيان، إنّ «ما يجري على صعيد تشكيل الحكومة هو جريمة موصوفة بحق اللبنانيين»، واعتبر «أنّ ما يعوق تشكيل الحكومة ليس الخلاف على طبيعة الإصلاحات المطلوبة، ولا حول أي وزير إصلاحي أكثر من الآخر، بل كل الخلاف يتمحور حول من يأخذ ماذا». وقال: «إنّها مأساة ملهاة في الوقت الذي يتلّوع الشعب اللبناني بكل فئاته بنار الأزمة الحالية». وختم: «انّه بالفعل زمن بائس، لا أمل يُرجى من المجموعة الحاكمة الحالية، والحل الوحيد هو بالذهاب فوراً الى انتخابات نيابية مبكرة».
كورونا والاقفال
في الإطار الصحي، دخل لبنان أمس الإقفال الشامل لثلاثة أسابيع، وفي يومه الاول سجّل عدّاد «كورونا» رقماً كارثيا جديداً، حيث أعلنت وزارة الصحة العامة أمس تسجيل 4774 اصابة جديدة و16 حالة وفاة، ليرتفع عدد الاصابات منذ شباط الماضي الى204699 اصابة، والوفيات الى 1553 حالة.
وتوازياً مع الإرتفاع الجنوني لعدّاد كورونا، سُجّل أمس، اليوم الأول من الحَجر، معدّلاً مقبولاً من الالتزام، على الرغم من المخالفات الصارخة المسجّلة في طرابلس، حيث سُجّلت تجمعات كبيرة، امام فروع المصارف وآلات الصراف الآلي ومركز «ليبان بوست»، لم تراع فيها قواعد التباعد الاجتماعي. ورغم تسجيل عكار أرقاماً قياسية في عدد الإصابات، الّا أنّ الحركة بدت شبه عادية، سوى انتشار الحواجز التي اقامتها قوى الامن الداخلي، وكذلك الحال في بعض المناطق الجنوبية.
وفي هذا السياق، أشار وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي، إلى أنّ «نسبة الالتزام جيدة جداً»، طالباً من «المحافظين والقائمقامين والبلديات المساعدة في تطبيق التعليمات ومساعدة المواطنين من أجل مصلحة الوطن، ومن المواطن أن يساعد نفسه ويساعدنا ويساعد بلده».
وأكّد فهمي أنّ «العمل بدأ إستناداً الى النموذج الرقم 401، وهو محضر يُحال حكماً الى القاضي المنفرد الجزائي، والعقوبة بموجبه تصل الى حدّ السجن لمدة 3 أشهر».
ومن جهتها، أعلنت قوى الامن الداخلي عبر موقعها على «تويتر»، انّ عدد محاضر مخالفات قرار الإقفال العام التي نُظّمت بتاريخ أمس بلغ 869 محضراً.