تواصل الطبقة السياسية في أعلى هرمها سياسة الانفصام عن واقع لبنان، وبدلاً من الانشغال بمعالجة الأوضاع المعيشية وأزمة “كورونا” وتشكيل الحكومة والبدء فوراً بالإصلاحات، تصرّ يومياً على تقديم لعبة للبنانيين تلهيهم عن حالة الانهيار التي يعيشونها، وآخر هذه الالعاب سجال حول تفسير الدستور الذي تحول لعبة وجثة على يد أهل المنظومة الحاكمة.
وما المصيبة إلا أن السجال يدور بين طرفين سجلّهما يفيض بالتجاوزات الدستورية. فلا أحد ينسى أن “حامي الدستور” رئيس الجمهورية ميشال عون لم يصل إلى موقعه إلا بعد تعطيل البلاد سنتين ونصف السنة، ضارباً الدستور من كل جوانبه للوصول إلى الكرسي. ولا احد إلا ويذكر كيف أنّ رأس المجلس التشريعي، رئيس مجلس النواب نبيه بري، أقفل المجلس سنتين تلبية لسياسات 8 آذار، وفتحه “غب الطلب”… فعلاً، عن اي تفسير للدستور يتكلمون؟ عن دستورٍ لم يبق منه سوى الورق؟ أو عن مستشارين ملّوا في فترة الحجر ويريدون تكديس الملفات الخلافية على خلفية عُقد تشكيل الحكومة ومن خلفها “القلوب المليانة” في موضوع الانتخابات الرئاسية؟
لا همَّ للمسؤولين أمام كل ما يجري من مصائب تطاول اللبنانيين. فلا رئيس الجمهورية يقف في طوابير ماكينات الصرافة، ولا رئيس مجلس النواب يعاني ارتفاع الاسعار، بل همّهما هو اين توضع “دينة الجرة” في تفسير الدستور. ترك الرئيس عون واجب انقاذ البلاد وعدم تحويلها “منصة صواريخ” وراح يبحث عن دور جديد للمجلس الدستوري، بقوله إنه “لا يجوز أن يقتصر على مراقبة دستورية القوانين فحسب، بل كذلك تفسير الدستور، وفق ما جاء في الإصلاحات الواردة في وثيقة الوفاق الوطني التي أقرت في الطائف في العام 1989”. واضاف عون أمام رئيس المجلس الدستوري القاضي طنوس مشلب، وأعضاء المجلس، أنه “من الطبيعي أن يتولّى المجلس الدستوري، وهو ينظر في دستورية القوانين، تفسير الدستور، لأن القوانين تصدر انسجاماً مع القواعد الدستورية المحددة، وتترجم نية المشترع المرتكزة أساساً على نصوص الدستور”. موقف استفز عين التينة التي سارعت إلى وضع الأمور في نصابها، بموقف يذكّر رئيس الجمهورية بأن مهمة تفسير الدستور منوطة بمجلس النواب حصراً حسب النص الدستوري المكتوب. وقال مصدر نيابي مخضرم لـ”نداء الوطن”: “دخل عون بلا حذر منطقة بري المحظورة، ورئيس المجلس لا يقبل لا الصيد في أرضه ولا التهديف على مرماه. هذه لعبته المفضلة ولن يقبل بخدشها”. انتهى السجال ولم يحدث اي تغيير في حياة اللبنانيين ولا حتى في الدستور، فما الهدف اليوم من تضييع الوقت؟
أما على خط الحكومة فلا جديد، فالرئيس عون لا يزال متمسكاً بمصطلح “وحدة المعايير” وبتوسيع حجم الحكومة ورفض التخلي عن حقيبتي الداخلية والعدل سوياً، والرئيس المكلف سعد الحريري يعتبر انّه قام بواجبه وينتظر جواب عون.
وحطّت طائرة الحريري أمس في اسطنبول ليأتي خبر اجتماعه بالرئيس التركي رجب طيب اردوغان في توقيت طرح اسئلة حول مضمون الزيارة امام الكوارث في المنطقة.
أما “حزب الله” فقدّم أمس أمينه العام مطالعة دفاعية عن الحزب وصورته في ما يتعلق بانفجار مرفأ بيروت و”القرض الحسن” والاتهامات بتهريب الكبتاغون منبهاً المحقق العدلي الى خطأ متابعة التحقيق بالطريقة التي سار عليها ومحذراً وسائل الاعلام من “الاعتداء” على الحزب باتهامات التهريب وملوحاً بالتصدي للمحطات بواسطة “الناس” (الأهالي) اذا لم تنفع الاجراءات القانونية. ولم يقدم السيد حسن نصرالله اي جديد في ما يتعلق بالموضوع الحكومي باستثناء تأكيده انّ الأزمة أكبر من الحصص وتتعلق بـ”ضمانات” متبادلة خصوصا ازاء فتح الملفات، ما أكد أن طريق الاستحقاق طويل وينتظر انفجار سجالات مع اطلالة رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الأحد.