كتبت صحيفة “النهار” تقول: لم يكن مفترضا ان يظلل واقع لبنان اليوم سوى عنوان حصري يختصر كارثة غير مسبوقة هي بلوغ كارثة الاجتياح الوبائي لفيروس كورونا ذروة مخيفة في لبنان تجاوز عبرها “النموذج اللبناني” أسوأ نماذج الكوارث الصحية والاستشفائية التي عرفتها دول العالم بما فيها إيطاليا منذ بدء اكتساح هذه الجائحة للبشرية في كانون الأول 2019 انطلاقا من الصين. ولكن الاشتداد المخيف لإعصار كورونا لم يقو على “أعجوبة” السياسة الداخلية التي وجدت لنفسها متنفسا من مسلك بالغ السلبية ترجمه الهجوم الناري الذي شنه “الرجل القوي” في العهد العوني رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل على رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري كما لو انه اراد اطلاق الرسالة الموحدة للعهد والتيار معا، بان الحريري لن يطأ السرايا الا بشروط العهد والا لا حكومة ولا من يحزنون ولو انهارت البلاد تحت وطأة إعصار كورونا وسائر الازمات والانهيارات.
ولكن بدءا بالإعصار الوبائي الذي تتقدم خطورته الفائقة المخيفة كل معايير السياسة، فان لبنان بدأ يشهد منذ البارحة وعقب أيام متعاقبة من الانفجار الأخطر للتفشي الوبائي الذي تحول معه واقع المستشفيات الى كارثة استحضرت أسوأ المخاوف التي كانت تحذر منها القطاعات الطبية والاستشفائية استنفارا غير مسبوق لمواجهة إعصار ما بعد الأعياد الذي تترجمه سقوف الإصابات المتخطية يوميا الخمسة الاف إصابة وبمعدل حالات وفاة مرتفع. وسيبلغ الاستنفار ذروته في الاجتماع الاستثنائي للمجلس الأعلى للدفاع الذي سينعقد بعد ظهر اليوم في قصر بعبدا لاتخاذ قرارات حاسمة وجذرية في شان اقفال عام شامل بلا استثناءات وحظر تجول صارم في ما وصف بانه ذروة التشدد لاحتواء العاصفة الوبائية مع مجموعة إجراءات تتصل بحل الازمة المالية الخاصة بواقع المستشفيات الخاصة واستنفارها جميعا وجعلها تستقبل المصابين بكورونا وربما حصر القطاع الاستشفائي بالكامل بكورونا والحالات الطارئة العادية الأخرى فقط. وصدرت التوصية بالإقفال الشامل مساء امس عن لجنة متابعة تدابير كورونا التي اجتمعت في السرايا برئاسة رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب وأوصت بالإقفال التام لمدة سبعة أيام مع حظر للتجول 24 ساعة على 24 على ان يتم إعطاء الناس مهلة بين 48 و72 ساعة للتمون، مع اتجاه الى المطالبة باقفال المطار وكل المعابر البرية وحتى السوبرماركات وحظر التجول الصارم لمدة لا تقل عن سبعة أيام وحصر الاستثناءات بعدد قليل جدا من القطاعات الحيوية كالصيدليات والأفران ومحطات الوقود بالإضافة الى الجيش والصليب الأحمر والأطباء. وستجتمع اليوم لجنة الصحة النيابية لاصدار توصية بالتئام مجلس النواب لتشريع قانون “الاستخدام الطارئ للقاح” الذي تشترطه شركة “فايزر” والشركات الأخرى المنتجة للقاحات والذي من بنوده اسقاط مسؤولية الشركات عن العوارض الجانبية التي قد تتسبب بها اللقاحات. وأفادت معلومات ليلا ان وزير الصحة في حكومة تصريف الاعمال حمد حسن اتخذ قرارا بتحويل كل المستشفيات الحكومية الى مستشفيات لمعالجة الكورونا حصرا.
يشار في هذا السياق الى ان سقف الإصابات بكورونا سجل مساء امس انخفاضا طفيفا للمرة الأولى منذ أيام عن سقف الخمسة الاف إصابة اذ سجل 3743 إصابة و16 حالة وفاة.
حرب على الحريري!
اما المشهد على المسار السياسي فلم يكن اقل قتامة وسط تصاعد التوتر الى ذروته عقب الهجوم العنيف الذي شنه النائب جبران باسيل على الرئيس الحريري والذي اتسم بمجموعة دلالات من شانها ان تدرج مواقف با سيل امس في خانة اشعال حرب لإزاحة الحريري او إخضاعه لشروطه التي تختصر شروط العهد. اذ ان باسيل تحدث على نحو متعمد كأنه يختصر موقفي تياره ورئيس الجمهورية بلا قفازات هذه المرة وبنبرة عدائية للغاية تجاه الحريري الامر الذي فسر بانه رد حاسم على مضي البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في وساطته بين عون والحريري سواسية فيما يريده باسيل (وهو افصح عن ذلك) منحازا بالكامل الى العهد. ثم ان باسيل تحدث من خلفية واضحة مفادها ان أي واقع انهياري في البلاد لن يرغم العهد وتياره على الموافقة على تشكيلة الحريري المودعة لدى رئيس الجمهورية، بل ان الحريري لن يشكل حكومة اختصاصيين ومستقلين تتماشى والوساطة الفرنسية وعليه إعادة النظر الجذرية في تشكيلته بما يمرر شروط العهد واولها منح فريق العهد وتياره الثلث المعطل وتسمية وزرائه جميعا والتسليم بالحقائب التي يطلبها. ولعل الأخطر في ابعاد موقف باسيل انه قفز من الازمة الحكومية الى طرح مؤتمر تأسيسي مفخخ تحت تسمية تطوير النظام كما يفعل تماما حليفه “حزب الله” وهو الامر الذي يكمل ما بدأه الرئيس عون في نهاية الأسبوع الماضي حين فتح السجال واسعا حول اجتهاده بأحقية المجلس الدستوري في تفسير القوانين لا الاكتفاء بدرس مطابقتها للدستور.
وكان باسيل وجه سلسلة اتهامات الى الحريري ابرزها ان الرئيس المكلف كسر قاعدة الاختصاص ولا يعتمد “لا اختصاص ولا معيار ولا قاعدة في ما يطرح” واتهمه أيضا بانه يريد تصغير حجم الحكومة الى 18 وزيرا “لظلم الدروز والكاثوليك “. وإذ قال ان الحريري “في كل مرة يلتقي الرئيس عون يأخذ معه لائحة توزيع حقائب مختلفة عما قبلها وهذا يدل على عدم جدية وتقلب في المواقف”، اعلن “نحن لا نأتمن سعد الحريري وحده على الإصلاح ونحن نحمل نهجه مسؤولية السياسة الاقتصادية والمالية فكيف نأتمن الشخص ذاته مع الأشخاص الذين لا يقبل ان يغير أحدا منهم من التسعينات. وبدنا نعمل له وكالة على بياض ونسلمه البلد ؟”.
رد “تيار المستقبل” على باسيل جاء مقتضبا ربما في انتظار رد أوسع سيصدر غدا بعد اجتماع “كتلة المستقبل”. واكتفى التيار بالقول “نترك للشعب اللبناني تصديق الوزير السابق باسيل او عدم تصديقه فنحن لن ندخل في مهاترات سياسية … والحكومة جاهزة تنتظر عند رئيس الجمهورية لتكون حكومة مهمة تتولى الإصلاحات المطلوبة بحسب المبادرة الفرنسية وليس بحسب المعايير المذهبية والطائفية العنصرية الباسيلية. هذا ما يعنينا ولا شيء آخر مهما ابدعوا في صناعة العراقيل وإنتاج القضايا الخلافية”.