دفع المجلس الأعلى للدفاع، الذي انعقد في بعبدا بعد ظهر أمس، بكل طاقته لمواجهة وباء كورونا، فأطبق بقراراته على “أنفاس البلد” لقطع هجوم الوباء على انفاس اللبنانيين.
وأوضحت مصادر سياسية مطلعة لـ”اللواء” أن ما خرج به المجلس الأعلى للدفاع من قرارات تحمل عنوان الطوارئ الصحية هو أقصى ما يمكن الوصول إليه لأن القرار تضمن حظر التجول صباحا ومساء وعليه فإن هناك تشديدا ومحاضر ضبط للمخالفين مشيرة إلى أن الأقفال شامل وليس هناك من أي مجال للتجمعات.
وقالت المصادر أنه عهد إلى الأجهزة الأمنية التشدد، كما طلب من الأجهزة القضائية التحرك لافتة إلى أنه طُرحت في الاجتماع تعديلات على توصيات اللجنة الوزارية لكورونا وتم الأخذ بها لاسيما ضمان سير عمل بعض المؤسسات التي لها تماس مع المواطن.
“فيديو” بعبدا
على ان الأخطر، ما طرأ على المشهد السياسي، بعد “الفيديو” الذي سرّب للاعلام، من دوائر القصر الجمهوري (وفقاً لبيان الحزب التقدمي الاشتراكي ص 2)، وخطف الأضواء عن أهوال كورونا، ليدفع البلاد إلى ترقب مسارات غير صحية، تجاوزت مخاطر الاطاحة بتأليف الحكومة، إلى توتير الأجواء، وتضخيم وضع التشنج بين القوى والكتل النيابية، بعد دخول اللقاء الديمقراطي والحزب الاشتراكي على خط السجال، والتجاذب الحاصل بين الرئاستين الأولى والثالثة.
وجاء هذا التطور الجديد عبر توزيع كلام بين الرئيسين عون ودياب في مقطع فيديو قبيل اجتماع مجلس الدفاع الاعلى، اتهم فيه عون الرئيس سعد الحريري بالكذب. وبحسب الفيديو، فقد سأل دياب عون: “كيف صار وضع التأليف فخامة الرئيس؟”
فأجاب عون: “ما في تأليف. قال اعطاني ورقة (عن الحريري)عم يكذب، عمل تصاريح كاذبة، والان ليك قديش غاب عن لبنان، ليك حظ اللبنانيين. وراح ع تركيا ما بعرف شو بيأثر”.
وتردد انه جرى توزيع الفيديو على الاعلاميين في القصر الجمهوري.
وفي وقت لاحق، جاء الرد الأوّل من موقع “مستقبل ويب”: كمامة كورونا لا تحجب نوايا عون: لا تأليف للحكومة..
وما لبث الرئيس المكلف، إلاّ ان غرد عبر “تويتر” مستمداً كلاماً “من الكتاب المقدس” جاء فيه: “سفر الحكمة : إِن الحكمة لا تلج النفس الساعية بالمكر، ولا تحل في الجسد المسترق للخطية، لأن روح التأديب القدوس يهرب من الغش، ويتحول عن الأفكار السفيهة، وينهزم إِذا حضر الإثم”.
من جهة أخرى، ذكرت مصادر معنية بالوقائع التي جاء في بعضها انه وبتاريخ 9/12/2020 جاء في الخبر عن اجتماع بعبدا بين الرئيسين عون والحريري: تسلم الرئيس عون من رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري تشكيلة حكومية من 18 وزيراً، وسلمه طرحاً متكاملاً حول التشكيلة المقترحة.
وفي التاريخ عينه قال الحريري: ان الرئيس وعده انه سيدرس التشكيلة، وسنعود ونلتقي، والأمل كبير بتشكيل الحكومة لإعادة اعمار بيروت والثقة للبنانيين عبر تحقيق الإصلاحات.. والأجواء إيجابية.
واستمر الأخذ والرد، فنسب إلى مصادر بعبدا ان “الفيديو” المسرب عن كلام دار بين رئيس الجمهورية والرئيس حسان دياب لقطات متقطعة، وليست كاملة، وان الحديث في حينه كان يدور عما يقوله رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري من أن الرئيس عون اعطاه لائحة? بأسماء وزراء وقال رئيس الجمهورية لدياب أن هذا كذب ولم نعطه لائحة بأسماء وزراء.
وليلاً، صدر عن اللقاء الديمقراطي والحزب التقدمي الاشتراكي بيان وصف الفيديو – المفارقة بالفضيحة، التي كشفت ان رئيس الجمهورية وفريقه لا يريدون سعد الحريري لتشكيل الحكومة..
وتساءل: “هل انتبه الذين عوموا رئيس حكومة تصريف الأعمال تحت عنوان رفض استهداف مقام رئاسة الحكومة، كيف عبر هذا الرئيس عن احترامه لهذا المقام، من خلال اصغائه لكلام رئيس الجمهورية دون ان يُعلّق بكلمة”.
وإذا كان “الصهر” قال بالأمس إنه لا يأتمن الرئيس المكلف على تشكيل حكومة وإدارة شؤون البلاد، فإن “العمّ” أكد اليوم الموقف ذاته، وأضاف إليه أنه لا يأتمن رئيس الأركان ليحلّ مكان قائد الجيش عند تغيّبه. وإنَّ في ذلك إساءة لهذا الموقع وللمؤسسة أيضاً من خلال ما حصل في إجتماع المجلس الأعلى للدفاع.
ووصف ما يجري “بالحالة العبثية الممعنة باستباحة كل شيء في إدارة شؤون البلاد، وبوجه وبائها الخبيث الذي بات يُشكّل خطراً على الكيان كله”.
بدورها لجنة الإعلام في التيار الوطني الحر، وصفت ما قاله رئيس الجمهورية بالجرأة، واتهمت قناة “الجديد” بالحليف الإعلامي المستجد للرئيس الحريري، التي استرسلت “بالكذب الموصوف” على حدّ قولها.
الحكومة والوساطة
حكومياً، سيطرت حالة من الجمود على عملية تشكيل الحكومة، بعد المواقف التصعيدية لرئيس التيار الحر النائب جبران باسيل ورد تيار المستقبل عليه، لكن حصل تطور من شأنه فتح الباب امام تعويم وساطة البطريرك بشارة الراعي، حيث أفيد ان رئيس المجلس السياسي في “حزب الله” السيد ابراهيم امين السيد اتصل أمس الاول بالبطريرك وعزّاه بوفاة شقيقه، كما تطرق الحديث بين الرجلين إلى الاوضاع العامة. وهذا الاتصال هو الاول بعد قطيعة طويلة بين الحزب وبكركي، وقد يمهد للقاء يسهم في تحريك المياه الحكومية الراكدة.
الطوارئ الصحية
وبصرف النظر عن “التنميق” والفصاحة، في تدبيج البيان الصادر عن المجلس الأعلى للدفاع، والذي أعلن ما أطلق عليه “حالة الطوارئ الصحية لمواجهة الواقع الخطير جرّاء تفشي وباء كورونا”، ومنع الخروج والولوج إلى الشوارع من الخامسة من صباح بعد غد الخميس 14/1/2021، ولغاية الخامسة من صباح 25/1/2021، مع استثناءات محددة، فإن السلطة أو السلطات المناط بها التشدُّد في تطبيق القانون، والتشدد في معاقبة المستشفيات عند عدم استقبال الحالات المصابة والطارئة، وتسطير المحاضر بحق المخالفين، وتكليف الأجهزة العسكرية والأمنية التشدُّد بتطبيقها، أظهرت عجزاً مفضوحاً، عبر عن جانب منه رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب، الذي تحدث عن “تراخ في الأيام الماضية بفرض تطبيق الاجراءات…”، مسدياً نصيحة بالغة الأهمية لجهة انه من “واجب الكل تطبيق هذه الإجراءات، ومن غير المسموح أي تساهل”.
تمثل هذا العجز، ليس فقط بالخلافات التي عصفت باللجان المعنية، من اللجنة العلمية في وزارة الصحة، إلى اللجنة الصحية، إلى اللجنة الوزارية المتعلقة بمكافحة فايروس كورونا، بل بالقدرة على وضع أي قرار يتخذ موضع التنفيذ.
وبصرف النظر عن الأسباب الآيلة إلى التفشي الخطير، فإن المعالجات بدءاً من الاقفال الأوّل في 14 آذار 2020 بقيت تدور في إطار حسابات واسترضاءات واستثناءات، وعدم حسم وحزم، فضلاً عن الخضوع للضغوطات السياسية، بدءاً من “استباحة المطار” عبر عودة المغتربين، أو نسف الرقابة في الفنادق المحجوزة لهم، وكل الإجراءات والتصرفات، التي أظهرت عقم القرارات والمعالجات..
قبل اجتماع مجلس الدفاع الأعلى دفعت بعض الشخصيات المولجة الاهتمام بالشأن الصحي، إلى إشاعة أجواء ارهقت البلاد والعباد، بدءًا من بدعة الاقفال، ووضع المجتمع “في قفص الفرجة” الأمر الذي دفع بألوف اللبنانيين، في العاصمة ومراكز المحافظات والاقضية والقرى إلى الهجوم على “السوبرماركت” والمولات، واماكن التبضع والأفران لحجز ما تمكنوا من حجزه، من ماء، وخبز ورز وسكر ومعلبات، جعلت رفوف الدكاكين، والمؤسسات الغذائية الكبرى خالية.. قبل ان ينتبه المسؤولون إلى مخاطر ما بثوا ودفعوا به إلى الإعلام ليسري مفعوله، هجمة تموينية، زادت الأمور تعقيداً.
في السياق، طرحت جملة أسئلة وجملة مخاوف، حول القرار القاضي بإعلان الطوارئ الصحية، حول قدرة السلطات على حماية قراراتها، وحماية مصالح القطاعات المهددة بالافلاس اوالتوقف عن العمل.. وهل من الممكن ائتمان هؤلاء، الذين ينتقلون من “تخبط” إلى “تخبط” إلى إدارة ملف المواجهة في الموقع الأخير، بنجاح؟!
مجلس الدفاع وقرار الاقفال
إذ أن البلاد إنشغلت بإعلان المجلس الأعلى للدفاع حال الطوارئ العامة ابتداء من الخميس 14 كانون الثاني حتى 25 من الشهر الحالي قابلة للتمديد وفق النتائج، مع بقاء منع التجول سارياً، وابقى العمل في الادارات الرسمية بمعدل 10في المئة فقط من الموظفين باستثناء وزارة المال، والمؤسسات الصحية الضامنة للموافقات الاستشفائية فقط.
وحدد قرار المجلس الاعلى إستثناءات قليلة جداً ومشروطة، تشمل العسكريين والطواقم الطبية والصليب الاحمر والدفاع المدني وفوج الاطفاء، والقضاة والمحامين لإجراء معاملات إخلاء السبيل فقط، ورجال الدين المولجين العمل في المراكز الاجتماعية وفق بطاقة محددة، والافران وكذلك السوبرماركت لكن لخدمة الديلفري فقط. كما ستفتح مصانع المواد الغذائية والادوية والامصال.وفرق وزارة الاشغال المكلفة فتح وصيانة الطرقات، وشركات المياه والطاقة والمحروقات ووزارة الاتصالات واوجيرو ومصرف لبنان بالحد الادنى للعمل، وحصر العمل في المصارف بمايفيد حالات الاستشفاء فقط.وكذلك سمح بفتح شركات تحويل الاموال.
وافيد انه يمكن للمواطن أن يخرج الى الافران والصيدليات للتبضع على أن يظهر الفاتورة اذا اوقفه حاجز لقوى الامن.وتم استثناء الإعلاميين لكن وفقاً للحاجة الملحة لتنقلهم.
وطلب المجلس من الوزراء المعنيين تشديد الاجراءات لـ”إلزام المستشفيات الخاصة استحداث أسرّة عناية فائقة مُخصصة لمعالجة مرضى كورونا تحت طائلة الملاحقة القانونية والادارية والقضائية”.
وازدادت حالات العدوى خلال الأيام السبعة الأخيرة بنسبة سبعين في المئة عما كانت عليه في الأسبوع السابق، وفقاً لبيانات وكالة فرانس برس، ما جعل لبنان واحداً من البلدان التي تشهد حالياً واحدة من أكبر الزيادات في العالم من حيث العدوى. وحلّ لبنان جراء نسبة العدوى المسجلة في الأسبوع الأخير في المرتبة الرابعة بعد كل من ايرلندا ونيجيريا والبرتغال.
قال الطبيب فراس أبيض، مدير مستشفى رفيق الحريري الجامعي، المرفق الحكومي الذي يقود جهود التصدي للوباء في تغريدة، “جرى تسجيل أكثر من 30 ألف إصابة، بينها 98 حالة تطلبت العناية الفائقة، في الفترة الممتدة بين الثالث والعاشر من الشهر الحالي”.
وقال الرئيس عون في مستهل اجتماع المجلس الأعلى للدفاع إنّ “المأساة التي نراها على أبواب المستشفيات تتطلب اجراءات جذرية حتى نتمكن من تخفيف التبعات الكارثية لتفشي وباء كورونا”. ونبّه رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب في تصريح الى “إننا اليوم أمام تحد خطير، فإما أن نستدرك الوضع بإقفال تام وصارم وحازم للبلد، أو أن نكون أمام نموذج لبناني أخطر من النموذج الإيطالي”. وسمحت الحكومة قبل عيدي الميلاد ورأس السنة للملاهي والحانات بفتح أبوابها، رغم ارتفاع الاصابات، في محاولة لإنعاش الاقتصاد المتداعي، رغم تحذير القطاع الصحي المستنزف من قرب استنفاد المستشفيات قدراتها الاستيعابية.
وجراء ازدياد الاصابات بشكل لافت، أقرّت السلطات في السابع من الشهر الحالي إقفالاً عاماً، تضمن استثناءات عديدة، وترافق مع حظر ليلي للتجول، بدأ سريانه في السابع من الشهر الحالي. إلا أن الاجراءات لم تحل دون استمرار ارتفاع الإصابات، التي بلغت أقصاها الجمعة مع رصد 5440 إصابة، في وقت تخطّى عدد المصابين الإجمالي عتبة 219 ألفاً بينها 1606 وفيات.
وسيبقى المطار مفتوحاً مع إلزامية حجر الوافدين من بعض المدن كالقاهرة واديس أبابا وبغداد في الفنادق لمدة أسبوع، بعد اجراء الفحص الإلزامي مع اجراءات اخرى عند الوصول وقبل المغادرة من بيروت. والزم القرار المستشفيات الخاصة بزيادة عدد اسرة العناية الفائقة وفقا لتصنيفها بين 4 و12 سريراً.
وطلب التشدد مع المخالفين، ومنع الخروج والولوج في الطرقات من السادسة صباح الخميس حتى الخامسة صباحا من يوم 25 من الشهر الحالي.
وقبيل إجتماع المجلس، شهدت البلاد حالة من الهيستيريا الجماعية في الاقبال على مخازن المواد الغذائية والاستهلاكية والسوبرماركت والصيدليات والافران ومحلات الخضار لتخزين المواد والادوية، ففرغت رفوف اكبر المخازن من المواد، وانفلت قرار المفرد والمزدوج لتنقل السيارات، التي سببت زحمة سير كبيرة في بيروت وضواحيها القريبة والبعيدة.
واشار نقيب أصحاب السوبرماركات نبيل فهد إلى أنّه “وبسبب الضغط الهائل والإقبال الكثيف على السوبرماركات من الممكن أن تُفقد بعض السلع في بعض المحال التي ليس لها مخزون كبير منها. كما تحدّث عن “المزارعين الذين لن يتمكنوا من تصريف انتاجهم خلال فترة الاقفال”.
223391 إصابة
صحياً، أعلنت وزارة الصحة العامة عن تسجيل 3095 إصابة جديدة بفايروس كورونا و23 حالة وفاة في الساعات الـ24 الماضية، ليرتفع العدد إلى 223391 إصابة مثبتة مخبرياً منذ 21 شباط الماضي.