عاش اللبنانيون أمس “الهلع بأمّه وأبيه”، وباتت قرارات الحكومة بالنسبة إليهم بوصلة الهروب من المعاناة. وكأيام الحرب الأهلية، انتقل المواطنون من الوقوف في طوابير أمام ماكينات الصرافة ومحطات الوقود سابقاً إلى ازدحام وتهافت على شراء المواد الغذائية والخبز، قبل أن يدخل الاقفال التام حيّز التنفيذ بعد غد الخميس حتى صباح الاثنين في 25 شباط، وفق قرارات المجلس الأعلى للدفاع التي حددّت تفاصيل الاقفال علّها هذه المرة “تنقش” مع الحكومة وتساعد اجراءاتها في تراجع عدد الاصابات بوباء “كورونا”.
وبينما كان رئيس الجمهورية يدعو إلى إعلان حالة طوارئ صحية، سقط في فخّ التسريبات، بفيديو يتّهم فيه الرئيس المكلف سعد الحريري بـ”الكذب”، ناقلاً أزمة التشكيل إلى خلاف شخصي بينه وبين الحريري، وبين جمهورَين تبادلا القصف الكلامي العنيف على مواقع التواصل الاجتماعي، وواضعاً عملية التشكيل في حالة إقفال مفتوحة بكلمتين: “لا تأليف”.
ففي لقاء جمعهما قبيل انعقاد “جلسة الكورونا” في بعبدا، سأل رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب رئيس الجمهورية: “كيف صار وضع التأليف فخامة الرئيس؟”، فأجابه، بحسب ما ورد في الفيديو الذي سُرّب وكتبت كلماته وسائل إعلام: “عم بيقول عطانا ورقة… عم يكذب… عمل تصاريح كاذبة، وهلق ليك قديش غاب، ليك حظّن هاللبنانيين.. وهلق راح ع تركيا، ما بعرف شو بأثر… ما في تأليف”.
وأثار اتهام عون للحريري بـ”الكذب” تغريدة عنيفة من الأخير استحضر فيها من سفر الحكمة في الكتاب المقدس: “إِنَّ الْحكمة لا تلج النَّفسَ السَّاعية بالْمكْرِ، وَلا تحلُّ فِي الْجسدِ الْمسْترقِّ للْخطيَّة، لأَنَّ روح التَّأْديب الْقدُّوس يهْرب من الْغشّ، ويتحوَّل عن الأَفْكار السَّفيهة، وينْهَزِمُ إِذَا حضر الإِثْم”.
وفهم من الفيديو المسرب في البداية أن الحريري لم يقدّم ورقة التشكيلة إلى عون الذي نشر تغريدة على حسابه الشخصي، في آخر لقاء جمعه بالرئيس المكلف، يذكر فيها استلامه تشكيلةً حكومية من الحريري الذي أعلن آنذاك أي في 9-12 -2020 وقبل مغادرته القصر تسليمه رئيس الجمهورية تشكيلة حكومية كاملة.
وتسبب التسريب بوضع دوائر رئاسة الجمهورية في حالة ارباك وتخبّط. وبحسب مصادر مقرّبة من بعبدا فإن “شريط الفيديو هو من لقطات مقتطعة وليس كاملاً، وكان الحديث يدور في حينه عمّا يقوله الرئيس الحريري بأننا أعطيناه لائحة بأسماء وزراء. هذا كذب. لم نعطه لائحة بأسماء وبالتالي لم يقل عون ان الحريري لم يسلمه لائحة بالتشكيلة الحكومية لأنه سلمه لائحة فعلاً”.
بعد ذلك صدر “التوضيح الرسمي” عن “التيار الوطني الحر” الذي لم ينكر توصيف رئيس الجمهورية لرئيس الحكومة المكلف بـ”الكاذب”، متهماً قناة “الجديد” بتقويل الرئيس ما لم يقله عن تسلّم التشكيلة.
أما أعنف رد من “تيار المستقبل” فجاء على لسان أمينه العام احمد الحريري الذي قال: “للكذب عنوان: عون وجبران”، مرفقاً تغريدته بصورة عن تغريدة عون التي تؤكد تسلمه تشكيلة مكتملة وتسليمه “طرحاً حكومياً متكاملاً يتضمن توزيعاً للحقائب”.
ودخل “الاشتراكي” بالسلاح الثقيل على خط التصويب على بعبدا و”بيت الوسط” معاً. ولتمتين نظرية رئيسه وليد جنبلاط ودعوته الحريري إلى الاعتذار، اعتبر “الاشتراكي” في بيان ان هذا الفيديو “الفضيحة” يؤكد ما كان معروفاً سلفاً قبل التكليف من خلال رسالة رئيس الجمهورية التحذيرية الى النواب، وهو ما عاد وأثبته كلّ مسار التأليف، “بأنه وفريقه لا يريدان سعد الحريري لتشكيل الحكومة إذ يبدو ان فريق الممانعة قرّر أن تُشكّل الحكومة كما يريد، أو فلا حكومة ليستمرّ في الحكم من خلال حكومة دياب”.
وغمز “الاشتراكي” من قناة “بيت الوسط” سائلاً: “هل انتبه الذين عَوّموا رئيس حكومة تصريف الأعمال تحت عنوان رفض استهداف مقام رئاسة الحكومة، كيف عبّر هذا الرئيس عن احترامه لهذا المقام من خلال إنصاته وإصغائه الدقيق لكلام رئيس الجمهورية المقصود من دون أن يعلّق بكلمة؟”، في تذكير للحريري الذي ساند دياب بعد الادعاء عليه بحادثة انفجار المرفأ بأنّ الأخير لم يرد الجميل لا بتعليق ولا باعتراض على وصف الرئيس المكلّف بـ”الكاذب”.