ي ظل الجمود القاتل في الملف الحكومي، الذي يدفع البلاد أكثر فأكثر نحو المزيد من الاختناق تُذكيه نيران الضرب المستمر بنصوص الدستور والقوانين وتخطّيها، بل ومحاولات تكريس أعراف وبدع غب الطلب وانزلاق قاتل عن طبيعة العمل المؤسساتي، ومع البحث المستمر على ضفة رافضي هذا التمادي، وهو نقاش لم يصل بعد الى درجة واضح يمكن على أساسها إطلاق أي تسمية فعلية عليه، تبقى الشؤون السياسية مقفلة دون أي مستجد.
في غضون ذلك دخل لبنان مرحلة جديدة من الإقفال التام يوم أمس، بعد أن فشلت فترات الإقفال السابقة في الوصول إلى نتائج بسبب كثرة الاستثناءات وضعف الإجراءات المُتّخذة. إلّا أن المرحلة الجديدة إتّسمت بالتشدّد أكثر بغية تحقيق النتيجة المرجوة، وهي خفض أعداد الإصابات المُسجّلة يوميا، وإعطاء المستشفيات قسطاً من الراحة، لتلتقط أنفاسها وتستعيد نشاطها، بعد أن أنهكها الوباء على مدار سنة، وإستنزف قدرات القطاع الطبي بأكمله.
نسب الإقفال كانت مرتفعة في اليوم الأول، في ظل تشدّد القوى الأمنية بضبط المخالفات. توازيا، كانت أطلقت وزارة الداخلية منصّة إلكترونية لطلب المواطنين الأذونات بالخروج، والتي شاب عملها بعض المشكلات العملانية. لكن فترة الإقفال لا زالت في بدايتها، والعبرة في الخواتيم، فإذا لم يلتزم المواطنون طيلة الفترة المُقبلة، وفقدت الدولة هيبتها أمامهم، سيعود لبنان إلى مصيره الأسود المُحتّم، والسيناريو اللبناني المُتمثّل بكارثة صحية على مختلف المستويات، وهي أساسا بدأت تُطل برأسها مع وصول المستشفيات إلى أقصى قدراتها الإستيعابية، وتسجيل أرقام قياسية لأعداد الإصابات اليومية. إلا أن المفارقة العجيبة في ظل كل هذا النقص في الأسرّة تكشفت فضيحة وجود عدد من أجهزة التنفس مخزنة في المدينة الرياضية دون استعمال.
وفي هذا السياق، سجّل لبنان 5196 إصابة جديدة بالفيروس، و41 حالة وفاة، وهي أرقام قياسية لم يرصدها من قبل، خصوصا لجهة الوفيات، ما يُنذر بخطورة الوضع، وإحتمالية إرتفاع نسب الوفيات أكثر مع إنعدام قدرة المستشفيات على إستقبال مرضى بأعداد كبيرة.
نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة في لبنان سليمان هارون، تحدث عن “عدم وجود أية أسرّة شاغرة مخصصة لمرضى كورونا في المستشفيات التي بدأت بإستقبال المصابين في غرف الطوارئ والعيادات”.
وفي إتصال مع جريدة “الأنباء” الإلكترونية، لفت هارون إلى أن “المستشفيات سبق لها وأن ضاعفت قدراتها، لكن زيادة عدد الأسرّة اليوم أمر صعب جداً، وذلك بسبب الصعوبات المالية التي تواجهها، وعدم القدرة على مجاراة تلك الزيادة على صعيد العناصر البشرية والطواقم الطبية”.
وحول احتمال لجوء وزارة الصحة إلى اتخاذ إجراءات لجهة المستشفيات التي لا تزيد أعداد الأسرّة المخصصة لكورونا، كتخفيض التصنيف أو توقف العمل بالعقود معها، قال هارون: “من الممكن أن تأخذ الوزارة إجراءات مماثلة، لكن الوقت ليس مناسبا لهذه الإجراءات، فهذه المستشفيات أساسا تعالج مرضى، وبالتالي المطلوب اليوم التكاتف ومساعدتنا في ظل هذه الأزمة”.
وناشد هارون “المواطنين بضرورة التقيّد بالإقفال العام والإجراءات الوقائية، لأن المستشفيات غير قادرة على مواكبة الإنتشار السريع والواسع للفيروس، وهي ليست بسباق معه لتزيد عدد الأسرّة كلما إرتفعت الأرقام، فالمطلوب تخفيض أعداد الإصابات وليس زيادة عدد الأسرّة”.
وبشأن مدى إلتزام المواطنين بالإقفال في أول أيامه، فقد أفادت مصادر أمنية أن “نسب الإلتزام وصلت إلى حد الـ80%، وهي نسبة جيدة، على أمل أن تستمر النسب على إرتفاعها لإنجاح الإقفال والوصول إلى النتائج المطلوبة، وهي التخفيف من حدّة إنتشار الوباء”، لافتة إلى أن “الهدف لا يتحقق بمجرّد الإقفال وإبقاء الناس في منازلهم، فهي ليست خطة أمنية بل صحّية لمكافحة الوباء”.
وحول عمل المنصّة لطلب الأذونات، أشارت المصادر إلى أن “المنصة حديثة وتعمل وفق تقنيات مُتقدمة، والدافع وراء إطلاقها كان لتنظيم عملية خروج المواطنين المضطرين وتخفيف الضغط وتسهيل الحركة، لكن الأمر النهائي يبقى للقوى الأمنية الموجودة على الأرض، التي تتحقق من المعلومات وتعطي الإذن بالمرور”.
أما بالنسبة للشوائب التي واجهت المنصة، فقد ذكرت المصادر أن “المسؤولين يقومون بمعالجة هذه الشوائب، على أن يتحسن الوضع تدريجيًا، كما أن عددا من المواطنين سعو للهو والمرح عبر إرسال طلبات ذات معلومات خاطئة أو وهمية، وهو ما أدى إلى عرقلة وتأخير العمل نسبيا”.
“الإلتزام بالإقفال هو الأساس، والمطلوب تشديد الإجراءات أكثر لتصبح أكثر قساوة”، حسب ما أكد الطبيب غسان زين الدين، الذي توقّع “تراجع عدد الإصابات المُسجّلة يوميا بعد فترة أسبوعين، على أن تستمر بالإنخفاض طيلة الفترة اللاحقة، في حال إستمر الإلتزام بالإجراءات بعد فترة إنتهاء الإقفال، وفي هذا الصدد، من الضروري أن يتم إتخاذ قرار لعودة فتح تدريجية، لتفادي عودة الفوضى والإنتشار الواسع”.
زين الدين رأى في حديث مع “الأنباء” أن “الضغط على المستشفيات من المفترض أن يخف أيضا، ليرتاح القطاع الطبي ويستجمع قواه، كما من المفترض أن يرتاح المواطنون أيضا من تبعات الضغط النفسي الذي يواجهونه اليوم، في ظل الخطر القائم”.
لكن زين الدين ناشد المعنيين لـ”تأمين مراكز الإستشفاء وتوزيع الدواء في مختلف المناطق بتأمين أدوية الأمراض المُزمنة والمستعصية، كما والتقليل من الأخطاء المُرتكبة”، وطالب البلديات أن “تقوم بمسؤولياتها وتواكب الدولة للتشدد بالإجراءات، لكن المسؤولية الأساس تقع على عاتق المواطن المُفترض أن يلتزم، ويبتعد عن أي شكل من التجمعات والتخالط”.
على خطٍ آخر، وبعد التهافت غير المُبرر من قبل المواطنين على شراء المواد الغذائية بكميات كبيرة قُبيل فترة الإقفال، طمأن نقيب مستوردي المواد الغذائية في لبنان هاني بحصلي أن “المواد لا زالت متوفّرة وبكميات، ولم يكن هناك أي داعٍ لما حصل قبل يومين، بل هو أمر سيسبب إرتفاعاً بأعداد الإصابات وبالتالي الحاجة إلى فترة إقفال جديدة”.
بحصلي ذكر في إتصال مع “الأنباء” أن “المشكلة التي يواجهها بعض التجار اليوم تتعلق بالأمور اللوجستية، أي توصيل البضاعة إلى المحلات، فعلى سبيل المثال، نظّمت القوى الأمنية أمس محضر ضبط بحق أحد سائقي الشاحنات وهو بطريق عودته بعد توصيله طلبية، والسبب كان تنقّله بشاحنة فارغة ما ينفي حاجة التنقّل، علما أنه سلّم البضاعة للتو، كما سائق آخر نُظّم بحقه محضر ضبط لنقله مواداً غذائية، قال عنها الضابط أنها خارج إطار الإستثناء المُعطى له، وهذا مردّه سوء التنظيم”، لكنه إعتبرها “استثناءات قد تحصل على الأرض، ونحن بإنتظار الأيام القادمة لمتابعة سير الأمور، لكن في حال تفاقم الأمر أكثر، قد يصيب النقص بعض الأسواق”.