يخوض لبنان سباقاً مريراً وقاسياً بل مصيرياً بكل معايير المصير بين استشراس الانتشار الوبائي لفيروس كورونا الذي سجل في اليوم الثاني من دخول لبنان مرحلة الحجر الجديدة الرقم القياسي الصادم الأعلى اطلاقاً في أعداد الإصابات والوفيات وبين الانطلاقة العملية لاستيراد اللقاحات التي جسدتها جلسة مجلس النواب الخاطفة امس مشرعاً فيها القانون الخاص للاستخدام الطارئ للقاحات بما يطلق العد العكسي لانضمام لبنان ولو متأخرا الى الدول التي باشرت عمليات التلقيح. فعلى رغم هذا الإنجاز التشريعي الإيجابي المنتظر، وعلى رغم تسجيل مؤشر إيجابي آخر تمثل في “صمود” نسبة التزام عالية في معظم المناطق لتدابير وإجراءات حالة الطوارئ الصحية والاقفال العام لليوم الثاني، عادت اعداد الانتشار الوبائي بأرقامها القياسية الجديدة لتحدث الصدمة الكبيرة كمؤشر الى مدى الخطورة المتدحرجة للكارثة الوبائية التي تضرب لبنان وتهدد مناعة أبنائه وتقويض قطاعه الاستشفائي. ذلك ان التقرير اليومي لوزارة الصحة سجل للمرة الأولى مساء امس اختراق عدد الإصابات في الساعات الأربع والعشرين السابقة سقف الـ 6000 اذ بلغ عدد المصابين 6154 فيما بلغ عدد حالات الوفاة 44. وعززت هذه الاعداد تفاقم المخاوف من استشراء الانتشار الوبائي وتصاعد صرخات القطاع الاستشفائي على غرار ما اطلقه امس اعرق الصروح الاستشفائية في لبنان، المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت، محذرا من استنفاد طاقات مقدمي الرعاية الصحية لديه ووصول وحدات العناية المركزة ووحدات الكورونا العادية إلى طاقتها الكاملة وبلوغه مرحلة العجز عن إيجاد أسرة حتى للمرضى ذوي الحالات الدقيقة.
وفي غضون ذلك تحرك مجلس النواب وخطا الخطوة الاولى لتسهيل وصول اللقاحات الى اللبنانيين. فبعد أقل من 48 ساعة على اجتماع لجنة الصحة النيابية لإقرار اقتراح القانون المعجل المكرر المخصص للحصول على اللقاح المضاد للوباء، عقد مجلس النواب جلسة عامة في قصر الأونيسكو اقر خلالها القانون، إضافة إلى نص قانون يجيز للدولة الانفاق على القاعدة الاثني عشرية اعتبارا من شباط المقبل. ومعلوم أن قانون الاستحصال على اللقاحات يرفع المسؤولية عن الشركات المصنعة للقاحات، في حال سجل أحد متلقي اللقاح عوارض جانبية، وهو ما كانت طالبت به الشركات، على رأسها “فايزر” لحماية نفسها من الملاحقة القانونية مستقبلا، على أن يبدأ التسليم في الأسبوع الثاني من شهر شباط. ونوه رئيس مجلس النواب نبيه بري في الجلسة السريعة التي عقدها المجلس بعمل رئيس واعضاء لجنة الصحة النيابية “والجهد الجبار الذي بذل لانجاز القانون” مشدّداً على “وجوب أن يتيح هذا القانون المجال أمام كل الشركات الطبية والقطاع الخاص لاستيراد اللقاحات لمكافحة كورونا”، مضيفا “كل التشريع ضرورة ومجلس النواب دوره التشريع وبعدها الرقابة ولكن التعديل حقّ دستوري بسّ بدنا طبعاً نخلّص القانون اليوم”.
كما أقر المجلس اقتراح القانون المعجل المكرر المتعلق بتمديد التصاريح المنصوص عنها في القانون 189 حتى آخر آذار المقبل، واقتراح القانون المعجل المكرر الرامي الى اجازة جباية الاموال وانفاق الدولة على قاعدة الاثني عشرية اعتبارا من شباط المقبل.
واعتبر رئيس لجنة الصحة النائب عاصم عراجي “أن مجلس النواب سجل انجازا خلال فترة بسيطة ووضع قانونا في 4 ايام وهو امر كان ضروريا لنحصل على اللقاحات”، مشددا على أن “النص القانوني وضِع لكل الشركات وليس فايزر فقط”. واضاف :”ابتداء من الاسبوع الثاني من شباط، فايزر ستبدأ بتسليم اللقاحات”. وتابع “سنأخذ لقاحاً معترفاً به من منظمة الصحة العالمية ويوم يأخذ اللقاح الصيني الموافقة يمكن استيراده”.
تسديد أكلاف اللقاحات
وفي خطوة تلاقي إقرار القانون وقع رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب مرسوم نقل اعتماد من احتياطي الموازنة العامة الى موازنة وزارة الصحة العامة بقيمة /26.432.000/ ل.ل. لتسديد الدفعة الثانية من قيمة العقد الموقع بين وزارة الصحة العامة ومنصة Covax التابعة لمنظمة الصحة العالمية حجز بموجبه لبنان /2730.000/ (مليونان وسبعمئة وثلاثون الف) جرعة من لقاحات Covid-19 من شركات عالمية متعددة تُضاف الى /2.100.000/ (مليونان ومئة الف) لقاح الذي ستوفره شركة “فايزر” . ثم وقع رئيس الجمهورية ميشال عون بعد الظهر مرسوم نقل الاعتماد نفسه بهدف حجز مليونين و730 ألف جرعة من لقاحات وباء “كورونا” من شركات عالمية تنتج اللقاح.
كذلك، وقع الرئيس عون الموافقة الاستثنائية لإعطاء الهيئة العليا للإغاثة سلفة خزينة بقيمة 50 مليار ليرة لتوزيع مساعدات الترميم على المتضررين نتيجة انفجار مرفأ بيروت على أن تصدرها رئاسة الحكومة لاحقاً وفقاً للأصول.
ويضاف مبلغ الـ50 مليار ليرة على مبلغ 100 مليار ليرة الذي سبق لرئيس الجمهورية أن خصصه للغاية نفسها. وثمة مبلغ إضافي بقيمة 100 مليار ليرة ستخصص لاحقاً لاستكمال دفع مساعدات الترميم على متضرري انفجار مرفأ بيروت يعمل رئيس الجمهورية مع رئيس الحكومة ووزير المال لتأمينها بأسرع وقت.
وشهد اليوم الثاني من الاقفال العام التزاما شبه تام في مختلف المناطق، لم يخل من بعض الخروق التي بقيت محدودة. وعمدت قوى الأمن الداخلي إلى إقامة حواجز ثابتة ومتنقلة للتأكد من عدم مخالفة أصحاب السيارات استثناءات قرار حظر التجول، مسيرة دوريات عند مداخل المدن والبلدات.
جولة الحريري
على الصعيد السياسي وفيما “اختفت” تماما كل معالم التحركات والاتصالات وحتى المواقف القيادية الأساسية من الازمة الحكومية افاد مقربون من الرئيس المكلف سعد الحريري “النهار” ان الجولة التي يقوم بها الرئيس الحريري لن تقتصر على الامارات العربيّة المتّحدة ومصر، بل ستتسع لتشمل دولا عربيّة وغربيّة عدّة خلال هذه المرحلة. ويعوّل المقرّبون على هذه الزيارات المكوكيّة التي يعتبرونها بمثابة إشارة جيّدة على غير صعيد، بما في ذلك تصويب البوصلة اللبنانية وعودة الاهتمام العربي بلبنان، خصوصاً أن الحريري رئيس مكلّف ويتميّز بعلاقاته الدولية وهو صاحب كتلة نيابية وازنة ومتماسكة ورئيس تيار سياسي عابر للمناطق اللبنانية. وتشير المعطيات الى أنّ جولة الحريري تُختصر بعناوين أساسيّة ثلاثة : أوّلاً، محاولة انقاذ البلاد والبحث في سبل وقف الانهيار المالي والاقتصادي وما يرافق هذا المشهد من محاولات بعض القوى السياسية اللبنانية لخطف هوية لبنان. ثانياً، البحث في سبل التصدي لجائحة “الكورونا” في لبنان وتأمين لقاحات، مع الاشارة الى أنّ الحريري اضطلع بدور بارز في مشروع القانون اللبناني الذي صيغ في هذا الخصوص. ثالثاً، طرح ملف إعادة اعمار بيروت بعد انفجار المرفأ . ومن جهة ثانية، يركّز الحريري على عدم إغفال الملف الحكوميّ حيث يهتمّ في تسريع محرّكات التأليف توازياً مع محرّكات رحلته، ويراهن على وصول فريق العهد الى اقتناع بضرورة تشكيل حكومة