سقط القناع، ولا ينفع التنكّر. الموتُ تسلل الى كلّ بناية وشارع وحلّ ضيفاً ثقيلاً على كلّ بيت. ففي حين أقفل معدّل الاصابات التراكمي الاحد الماضي، أي قبل اسبوع، على 219296 من الحالات المثبتة محلياً و3563 للحالات الوافدة، ووصلت الوفيات الى 1606، ارتفع عدد الاصابات التراكمي هذا الاسبوع الى 252812 من الحالات المثبتة محلياً، والحالات الوافدة الى 3639، والوفيات الى 1906. وكأنّ ما عاناه اللبنانيون من شدائد، قتلاً متعمداً في 4 آب، وتنكيلاً اقتصادياً موجعاً، وبطشاً معيشياً دامياً، وسرقاتٍ موصوفة لجنى العمر، وغلاء فاحشاً وتهريباً مقصوداً الى سوريا جعل أهل البلد في عراء تام ونقصٍ فاضح لمواد “الصمود” لم يكن كافياً.
كنا نعلم بأننا قادمون على سيناريو كارثي. النشرات الاخبارية والتقارير العلمية المحلية والعالمية وصيحات الأطباء وأصحاب المستشفيات الخاصة كلّها دقت ناقوس الخطر. ووزير الصحة كان عالماً بما هو آتٍ، مهما حاول عبثاً تلميع “صورته”، تماماً كما كان حكامنا الكرام على علمٍ بالنيترات المنبئ بموتٍ وشيك في جوف المرفأ. مشكلتنا مع سلطتنا وأربابها اختصاصهم في تقاذف المسؤوليات أكثر من تحمّلها والاتيان بفعلٍ ناجعٍ. معادلةُ حكمٍ مضحكة مبكية من قبيل “أنا مسؤول ولكنني لست مسؤولاً”، تنفع مشهداً من مسرحيات عادل إمام الهزلية.
ولعلّ سكوت الحكم الفاشل على سلسلة الفضائح المتتالية الكاشفة لعورته أفضل ألف مرة من تعداد انجازاتٍ واهية كما فعل وزير الصحة بتنصيبه نفسه “بطلاً قاهراً للكورونا”، فيما أرقام المصابين الى تزايد مقلق والموت يحصد مزيداً من الأرواح. وهل أسوأ من الجلوس بكامل الأناقة على سرير استشفاء ليس بحاجةٍ إليه والتقاط صورة تلو أخرى، فيما عشرات المواطنين مرميون في البرد أمام المستشفيات؟ هل يجوز حضور مأدبة غداء فيما يُطالب الناس بالتباعد؟
واجبنا كصحافةٍ تَحمل لواء الدفاع عن المواطن أن نسأل وزيرنا وحكامنا عمّا فعلوه تحضيراً للموت القادم ودرءاً للأسوأ؟ وهل لمسنا وجود خطة طوارئ أصلاً؟ هل الاصرار على ابقاء المطار مفتوحاً لأشهر طوال مع علمٍ مسبق باستقدام مئات المصابين بسلالات متنوّعة انجازٌ يستحق التصفيق؟ أم إبقاء الهبات من أسرّة وأجهزة تنفس مرميةً في المدينة الرياضية حتى اللحظة؟ أم عدم تجهيز المستشفيات بما يكفي من الاسرّة والمواد الطبية؟ أم خفض السقوف المالية لمستشفيات المتن وبيروت بالتزامن مع إعلانهما بؤرةً لأعلى معدلات الاصابات؟ أم المبالغة في الاعانات المالية لمستشفياتٍ محظية؟ أم التباطؤ في اقرار “قانون اللقاح”؟ أم “التناتش” على المستشفيات الميدانية وتعطيلها بدلاً من تفعيلها وتوزيعها على المناطق بعدل؟ هل تتفاخرون بكلّ ما نراه من أداءٍ يندى له الجبين؟
وإذ نرى الوزير المعني ينأى بنفسه عما تم ارتكابه، وفيما تحوّلت منصات التواصل الاجتماعي كالفيسبوك الى ورقة نعي تعدّد أسماء الضحايا وتدبّ الذعر في النفوس، يتبادر الى الذهن تذكير الوزير حمد حسن بالقول المأثور: “ماذا كنت تفعل وقت “الحصايد”؟ غناء “القصايد” ما عاد ينفع وكذلك تقاذف المسؤوليات.