لا تبدو الحركة الظاهرية التي برزت أمس ستنتهي إلى بركة سياسية أو حكومية، اذ لا أجواء تشير إلى تذليل العقبات أمام عملية التشكيل، وقوى التعطيل لا تزال تتشبث بمواقفها.
وإذا كان برز بالأمس تحرك رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب باتجاه بيت الوسط حيث التقى رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، ومن ثم انتقل إلى عين التينة حيث التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري وفيما بعد زار القصر الجمهوري والتقى رئيس الجمهورية ميشال عون، فإن مكتبه وضع الجولة في إطار ما وصفها بمساعٍ يقوم بها لتشكيل الحكومة، ولإعادة التواصل بين الرئيسين عون والحريري. إلا أن حقيقة الأمر ان غاية تحرك دياب تعويم نفسه بالدرجة الأولى ومحاولة حجز موقع سياسي لما بعد انتهاء مهماته، إضافة إلى الإسراع في تسليم الحكومة الجديدة خصوصاً أن هناك استحقاقات كثيرة قابلة للإنفجار بوجهه طالما أن التعقيد السياسي مستمر.
لكن مصادر سياسية أكدت عبر جريدة “الأنباء” الالكترونية أنه منذ أيام، وتحديداً بعد تسريب الفيديو الفضيحة، وبعد البيان القاسي الذي أصدره الحزب التقدمي الإشتراكي يومها، ذهبت جهات متعددة إلى دياب وعبّرت أمامه عن الإستياء من عدم ردّه على كلام رئيس الجمهورية الذي أساء فيه لموقع رئاسة الحكومة وللحريري، ووجهت نصيحة لدياب بضرورة رد الإعتبار للحريري بموقف مماثل للموقف الذي اتخذه الأخير تجاهه يوم استدعائه من قبل القاضي فادي صوان. وقد سمع دياب النصيحة وزار بيت الوسط تضامناً مع الحريري، لكنه أحاط الزيارة بنوع من المبادرة لتقريب وجهات النظر بينه وبين عون، وكان لا بد من استكمال جولته بزيارة برّي كي لا يغضب منه أي طرف. وعدا عن ذلك لا تتوقع المصادر أن يكون هناك أي تقدم في عملية تشكيل الحكومة، خصوصاً أن المواقف السياسية لا تزال متباعدة.
وتكشف معلومات لجريدة “الأنباء” الالكترونية أنه في وقت حاولت جهات متعددة التدخل مع رئيس الجمهورية للمبادرة تجاه الحريري وتصحيح الموقف وتوجيه دعوة له لزيارة قصر بعبدا، وتبديد الإستياء الذي نجم بعد الفيديو المسرب، إلا ان عون رفض المبادرة تجاه الحريري، ولا يزال يرفض حتى الآن، وهو قال لمن اقترح عليه هذا الإقتراح، بأنه لن يبادر وإذا كان الحريري يريد الذهاب إلى بعبدا فليطلب موعداً وسيتم تحديده له. وهذا الكلام يعني أن عون لا يريد تصحيح موقفه حالياً، اضافة – بحسب المعلومات- الى أنه عندما سئل جبران باسيل عن رأيه، فقال إن الوقت لم يحن بعد للمبادرة تجاه الحريري.
مصادر في السراي الحكومي حاولت وضع جولة دياب في خانة “مبادرة إنطلقت بعد قطيعة دامت لأسابيع بين عون والحريري، وأنه هو حاول تحريك المياه الراكدة علّه يخرق كوّة في الجدار، وأجواء اللقاءات الثلاثة كانت إيجابية، على أمل أن تصل إلى نتيجة ملموسة”. وقالت هذه المصادر لجريدة “الأنباء” إن “دياب سجّل سابقة في سِجِل رؤساء الحكومات السابقين، إذ لم يبادر أي منهم بعد إستقالة حكومته إلى التواصل والسعي لتشكيل حكومة خلفه”، معتبرة أن “الوضع الإقتصادي والإجتماعي والوبائي السيئ يحتّم وجود حكومة قادرة وفاعلة، لأن حكومة تصريف الأعمال لا قدرة لها على إتخاذ القرارات المصيرية، وجميعها ظروف دفعت بدياب للقيام بمبادرته”.
وحول وجود تنسيق أو تكامل مع مبادرة البطريرك مار بشارة الراعي، نفت المصادر إحتمال “وجود لأي تنسيق بين الطرفين، لكنه جرى تواصل مع الرئيس بري، الذي قد يبادر ويتحرك أيضا على الخط نفسه”.
في هذا السياق، ذكر عضو كتلة التنمية والتحرير قاسم هاشم أن “الرئيس بري ينتظر ما ستؤول إليه الأمور في المدى المنظور، وعليه، في حال توفّرت الظروف المؤاتية للتدخّل إيجابا، فهو لن يتوانى أبدًا عن القيام بدوره الوطني، الذي إعتاد عليه اللبنانيون في اللحظات الحرجة”.
هاشم رأى في إتصال مع جريدة “الأنباء” الالكترونية أن “الوضع الإستثنائي يتطلّب تعاطٍ إيجابياً مع أي مبادرة، خصوصاً وأن الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية والصحية وصلت إلى مرحلة حرجة، ما يحتّم وجود حكومة تتحمل مسؤولياتها، وتضم رجال دولة”.
واعتبر هاشم أن “التنازل مطلوب من طرفي عملية التشكيل من أجل التلاقي، والتنازل اليوم لا يُعد وكأنه ضعف، بل العكس تماما، والهدف منه خدمة المصلحة الوطنية، أما أسلوب الكيديات، فهو لن يوصل إلى أي نتيجة إيجابية”.
من جهته، أكّد عضو كتلة المستقبل النائب عثمان علم الدين “إصرار الحريري على الثوابت الأساسية التي إنطلق منها، وهي حكومة إصلاحية مؤلفة من إختصاصيين تعمل وفق البرنامج الذي وضعه، اما إعتذاره فهو أمر غير وارد نهائيا، فالقرار محسوم في هذا الموضوع، والدستور يعطيه هذا الحق”.
ولفت علم الدين في إتصال مع جريدة “الأنباء” الالكترونية إلى أن “لبنان أكبر من الجميع، ومن رئيس الجمهورية نفسه، وبالتالي لا يمكن التنازل أمام المصالح الفئوية والضيقة التي يبتغيها البعض، واليوم على رئيس الجمهورية تبنّي برنامج الحريري للمضي قدما في عملية الإصلاح”، مستغرباً “الحملة التي تُشَن بوجه الحريري نسبةً لكثرة سفره في الأيام الأخيرة، علما أن هذه هي علاقات إبن الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وهو يحاول إعادة العلاقات الدبلوماسية إلى لبنان، لفك الحصار السياسي المفروض”.
في المقابل، فإن عضو تكتل لبنان القوى أنطوان بانو اعتبر في حديث لجريدة “الأنباء” الالكترونية أن “شيئاً ما يعرقل مسيرة الحريري في التشكيل، قد يكون القلق من فرض إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عقوبات عليه، إلّا أن ولاية الأخير تنتهي اليوم، وبالتالي سننتظر الأيام القادمة للتأكد من صحة هذه المعطيات”.
لكن بانو ذكّر بـ”صعوبة الفترة التي يمر بها لبنان، والتي لا تحتمل الإنتظار، في ظل الوضع الصعب على صعيد الإقتصاد وتفشي فيروس كورونا وتراجع عدد الأسرّة في المستشفيات، وهذه ظروف توجب تلاقي وجهات نظر الطرفين المعنيّيَن بتشكيل الحكومة”.
وعلى خطٍ آخر، وفي حين يستمر التفشي السريع لفيروس كورونا في البلاد، ويواصل العدّاد تسجيل أرقام قياسية، أعلنت وزارة الصحة يوم أمس عن 61 حالة وفاة، وهو رقم يتخطى كل ما تم تسجيله سابقاً.
عضو خلية الأزمة في الشوف الطبيب سامي أبو حمدان، لفت إلى أن “زيادة عدد الإصابات بشكل كبير وانتشار الفيروس في صفوف كبار السن وأصحاب الأمراض المُزمنة والمستعصية هي الأسباب الأساسية وراء إرتفاع أعداد الوفيات، لما للفيروس تأثير كبير على صحتهم، ما يسبب لهم جلطات دموية ومضاعفات”.
لكن أبو حمدان أشار لجريدة “الأنباء” الالكترونية إلى “استحالة قدرة السيطرة على إنتشار الوباء، حتى ولو تم تمديد فترة الإقفال، فالأرقام لم تتراجع، ولو تم زيادة نسب فحوص الـPCR للاحظنا أعدادا أكثر بكثير، أما الدافع الأساس وراء إتخاذ قرار بالإغلاق التام كان إراحة المستشفيات وتخفيف الضغط عليها، كما ولإضافة عدد من الأسرة المخصصة لكورونا، لكن على المجتمع اللبناني التعايش مع فيروس كورونا إلى أن تتراجع حدّته”.
وختم أبو حمدان محذرا من “الأزمات النفسية التي قد تتولد بالنسبة للمصابين، كما والمواطنين المحجورين، نسبةً للظروف الصحية والإقتصادية الصعبة”، وهو ما يتطلب ايضا المبادرة بهذا الصدد.
الرئيسية / صحف ومقالات / الأنباء: كورونا يحصد الأرواح.. فيما دياب “يعوّم” نفسه وباسيل لا يرى الوقت قد حان للحكومة