حتى في “جمهوريات الموز” لا يحدث انفجار ناتج عن مواد كيماوية في المرفأ ثم يُمنح الإذن الرسمي بعد ستة أشهر لرسو سفينة أخرى محملة بشحنة مواد كيماوية لا تقل خطورة عن تلك التي انفجرت! وحدها السلطة الحاكمة في لبنان قادرة على هكذا ارتكاب وقح، ليس لتمرّسها بفنّ الوقاحة فحسب، إنما لكونها ساقطة سياسياً وعسكرياً وأخلاقياً أمام محور الممانعة ولا تملك قراراً ولا خياراً أمام “فرماناته”، فلا تتوانى عن تحويل مرفأ بيروت إلى مرفأ “ترانزيت” لتخزين وعبور شحنات “الكيماوي” الى سوريا… ولا ضير إذا ما دمّر بعض الأطنان منها مناطق وأحياء آهلة على رؤوس قاطنيها كما حصل في مجزرة 4 آب.
من “روسوس” التي حملت شحنة نيترات الأمونيوم، إلى “ماشا” التي تحمل الصوديوم سالفايد… الكل من رأس الهرم إلى أسفله في السلطة، “يعلم” أنها مواد كيماوية خطرة قابلة للانفجار، ولا تزال استباحة أرواح اللبنانيين مستمرة وتسخير الموانئ اللبنانية في خدمة خطوط إمداد متواصلة بطرق التفافية قد تعرّض لبنان إلى المساءلة تحت قوس “العقوبات” المفروضة على النظام السوري.
والملفت بحسب مصادر مواكبة للقضية “عنصر التشابه بين سيناريو شحنة الصوديوم وشحنة الأمونيوم الذي بيّنت الوثائق والمعطيات أنهما مستوردتان لحساب نافذين سوريين يستخدمون الموانئ اللبنانية كمطية لعبور وتهريب المواد الكيماوية وغير الكيماوية إلى الداخل السوري”. وعلى الرغم من موافقة وزيرة الدفاع في حكومة تصريف الأعمال زينة عكر المشروطة بعدم إفراغ مستوعبات الصوديوم سالفايد مقابل السماح للسفينة الصينية بالرسو في المرفأ اللبناني، تسأل المصادر: “في ظل السطوة المشهودة لقوى الأمر الواقع في المرافئ والموانئ اللبنانية، من يضمن الالتزام بهذا الشرط؟ وهل من سلب وهرّب أطنان الأمونيوم عبر فجوة العنبر رقم 12 قبل أن ينفجر ما تبقى مخزناً منها في المرفأ، عاجز عن إيجاد فجوة أو ثغرة أخرى في القرار الوزاري لتسريب وتهريب الصوديوم عبر الأراضي اللبنانية؟”.
بوثيقتها المدموغة بعبارة “فوري”، وافقت عكر على رسو السفينة “ماشا 3” في لبنان رغم علمها بأنها تحمل على متنها مواد كيماوية مستوردة إلى سوريا “لنقلها عبر المرافئ البحرية اللبنانية إلى أراضيها عبر الترانزيت”، وإذ لم يسعفها اشتراط عدم إفراغ الحمولة الكيماوية، اضطرت بعد افتضاح أمر الوثيقة إلى إصدار بيان توضيحي تنصلت فيه من المسؤولية المباشرة عن الموافقة وألحقتها بوزارة الأشغال العامة والنقل والمديرية العامة للنقل البري والبحري، بالتوازي مع تحميل قيادة الجيش مسؤولية التحقق من المستودعات التي يتم إفراغها في المرفأ… في سياق يكاد يعيد إلى الذاكرة حفلة تقاذف كرة المسؤولية بين المعنيين غداة انفجار المرفأ، ويُخشى معه أن يتكرر السيناريو نفسه إزاء شحنة الصوديوم، اقتداءً بما قاله الرئيس ميشال عون عن شحنة الأمونيوم: نعم كنتُ أعلم لكنني لست مسؤولاً؟
حكومياً، من كان ينتظر رحيل دونالد ترامب عن البيت الأبيض وتنصيب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة، نال أمس مراده فباتت الأنظار شاخصة لتلمّس انعكاسات وهج الإدارة الأميركية الجديدة على ملف التأليف. حتى الساعة، لا جديد يُعتد به في عملية تذليل العقبات أمام ولادة الحكومة العتيدة خارج نطاق الحراك المتقاطع بين الوسطاء لرصد الإمكانيات المتاحة في سبيل إعادة لمّ الشمل بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف على نيّة إيجاد منطلقات مشتركة يمكن التأسيس عليها في استيلاد التشكيلة الوزارية المرتقبة.
وفي هذا السياق، تؤكد مصادر مواكبة أنّ كل الجهود المبذولة راهناً تصبّ في خانة إنجاح مبادرة البطريرك الماروني بشارة الراعي الهادفة إلى حثّ الرئيس ميشال عون على دعوة الرئيس سعد الحريري إلى استئناف اللقاءات التشاورية بينهما والبحث في الصيغ التوافقية القادرة على الجمع بين توقيع كل منهما على مسودة وزارية واحدة. وتنقل المصادر معطيات أولية تدور في كواليس الوسطاء تفيد بإمكانية العودة إلى صيغة “6 و6 مكرر” في توزيع الحقائب السيادية بعيداً عن مبدأ المداورة، بحيث تبقى الخارجية والعدل من حصة “التيار الوطني الحر” ورئيس الجمهورية، مقابل إبقاء المالية للثنائي الشيعي والداخلية لرئيس الحكومة، على أن يصار إلى تسمية شخصية توافقية بين رئيسي الجمهورية والحكومة لحقيبة الدفاع.
وكذلك في ما يتصلّ بالحقائب الخدماتية، لا تستبعد المصادر أن يعود “القديم إلى قدمه” في التشكيلة الوزارية فتبقى وزارة الصحة من حصة “حزب الله” عبر وزير تكنوقراط، على شاكلة حمد حسن، نظراً لصعوبة تسمية أي من المحسوبين على الحزب لتولي حقيبة خدماتية أخرى على صلة بقنوات التمويل الدولي لعملية إعادة الإعمار، كما هي الحال في وزارة الأشغال العامة والنقل التي ستبقى على الأرجح من حصة “تيار المردة”، بينما تكون حقيبة التربية من نصيب “الحزب التقدمي الاشتراكي” الذي لم يكن أساساً متحمساً لتولي حقيبة الخارجية تحت وطأة كماشة المقاطعة العربية والدولية للبنان الرسمي.