كل الملفات والاستحقاقات على تعقيداتها ولا شيء يوحي بفرج قريب، لا على المستوى الصحي مع دخول لبنان مرحلة متقدمة من التفشي المجتمعي للوباء حاصداً عشرات الأرواح وآلاف المصابين يومياً، بينما عملية استيراد اللقاح وتوزيعه لا تزال “شرحاً يطول”، ولا على المستويات الحكومية والمالية والاقتصادية مع تبدد الآمال بأي مساهمة عربية في عملية الإنقاذ، لأن “لبنان لن يزدهر من دون نبذ ميليشيات حزب الله” حسبما جزم وزير الخارجية السعودي أمس. أما إصلاحياً، فلا أمل يُرتجى من منظومة الفساد الحاكمة، ولولا تدخل القضاء السويسري مباشرةً في قضية التدقيق بالتحويلات المالية من المصرف المركزي لما كان القضاء اللبناني تحرّك وتحرّى الموضوع بالنيابة عن الجهات السويسرية، استجابةً لطلب الاستماع لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة في القضية على خلفية شبهات متصلة بعمليات تبييض أموال.
في الجوهر، لا يزال سلامة خارج دائرة الاتهام القضائي المباشر ولم يثبت بعد ارتكابه أي جناية أو جرم، وليس ثمة إدانة موصوفة بحقه، لكنه في الشكل أصبح بلا شك تحت مجهر الشبهات القضائية الدولية، وهذا بحد ذاته مؤشر إلى كون “ورقته احترقت ومظلته الخارجية ثُقبت”، وفق تعبير مصادر مراقبة حرصت في الوقت عينه على التشديد على أنّ تشخيصها هذا “لا ينطلق من ولاء ولا من عداء لشخص رياض سلامة، إنما من قراءة موضعية بين سطور استدعائه للتحقيق القضائي بطلب سويسري”.
واعتبرت المصادر أن “الطلب القضائي السويسري المتصل بحوالات مالية شخصية لحاكم المصرف المركزي وشقيقه ومساعدته، لا يمكن فصله، تحت وطأة تسلسل مجريات الأحداث على مدار الفترات الأخيرة، عن مسار تراكمي من المؤشرات والتقارير الغربية إزاء دور حاكم المصرف المركزي في ما آلت إليه الأوضاع المالية في البلاد، ربطاً بشبهات وعلامات استفهام ترتسم حول هندسات مالية قام بها وعمليات تبييض أموال جرت عبر النظام المصرفي اللبناني، خصوصاً وأنّ بعض هذه التقارير كان قد تحدث بالإسم عن إمكانية فرض عقوبات على سلامة والمصرف المركزي بتهمة تسهيل ولوج نافذين مقربين من “حزب الله” إلى النظام المصرفي العالمي، عبر حسابات مصادق عليها من مصرف لبنان”.
وعن طبيعة الطلب السويسري، تنقل المصادر عن جهات معنية مواكبة للملف أنّ الموضوع المطلوب الإستماع إلى سلامة فيه، “هو على صلة وفق المعلومات الأولية بحركة حسابات تتعلق بإحدى الشركات المشتبه بضلوعها بعمليات تبييض أموال في سويسرا، وفي معرض التحقيق في القضية ظهرت على ما يبدو تحويلات مالية شخصية ترتبط بحاكم المصرف المركزي وبعض المقربين منه، فطلب القضاء السويسري الاستفسار عنها”، لافتةً الانتباه إلى أنّ سلامة “لم ينكر أمام المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات حصول تحويلات مالية خاصة لحساباته في الخارج، لكنه تطرق في دفوعه إلى نقطتين أساسيتين، الأولى تتصل بقيمة هذه التحويلات التي تمت عام 2016 والنقطة الثانية تتعلق بنفي إجرائها من حسابات مصرف لبنان وموازناته، مع الإشارة إلى أنّ امتلاكه حساباً خاصاً في مصرف لبنان مردّه إلى كونه كحاكم مصرف مركزي لا يحق له فتح حسابات شخصية في مصارف تجارية”.
وإذ أبدى استعداده أمس أمام عويدات للإجابة عن أي أسئلة أو استفسارات قضائية في الملف، آثر سلامة في المقابل اختيار المثول أمام القضاء السويسري مباشرةً للاستماع إلى إفادته في القضية المثارة حول تحويلاته المالية، باعتباره، كما نقلت المصادر، “يثق بحياد القضاء في سويسرا ويرغب بتجنّب أي تشويش أو ضغط سياسي ضده في القضاء اللبناني”، سيّما وأنه تحدث بصراحة عمن وصفهم بـ”الوشاة” في لبنان وتوعَّدهم بالمقاضاة والملاحقة القانونية.
وفي هذا السياق، تشير المعلومات إلى أنّ سلامة بدا خلال الساعات الأخيرة “في حالة نفسية غير مرتاحة” ويتحدث مقربون منه عن “مطبخ سياسي – ديبلوماسي” في لبنان يعمل منذ مدة للتحريض عليه أمام الدوائر الخارجية، وسط توجيه اتهامات مبطّنة في هذا المجال إلى “الفريق العوني بالضلوع في عملية إثارة شبهات مالية حوله وضخها من خلال وزارة العدل عبر قنوات السفارة السويسرية في لبنان، بغية نقلها إلى سلطات بلادها والدفع تالياً باتجاه تسليط الضوء على وجوب إخضاعه للتحقيق القضائي حول تحويلات مالية معينة”، ولذلك، تختم المصادر: “كان باستطاعة حاكم المركزي تقديم إفادته في السفارة السويسرية في لبنان بدل الذهاب إلى سويسرا للإدلاء بهذه الإفادة، لكنه على ما يبدو فضّل تجنّب أي إسقاطات سياسية على مسار إفادته في مقر السفارة قبل رفعها إلى السلطات القضائية في سويسرا”.