دخل لبنان في مشهد جديد لم يكن متوقعاً في هذا التوقيت بالذات في ظل الإقفال العام واجتياح كورونا الذي تحوّل مجزرة حقيقية تحصد يومياً عشرات الضحايا ومئات المصابين، ولكن يبدو انّ الجوع وصل إلى حد لم تعد تسأل معه الناس عن حياتها وخطورة إصابتها بعدوى كورونا طالما انّ النتيجة ستكون نفسها على قاعدة «تعددت الأسباب والموت واحد».
وعلى رغم أنّ الاحتقان الاجتماعي ليس خافياً على أحد بفعل حدة الأزمة المعيشية، فإنّ نزول الناس إلى الشارع لم يكن مطروحاً في ظل مناخ الرعب الذي أحدثه كورونا، وقد جاءت هذه الاحتجاجات كي توجّه رسالة شديدة اللهجة الى القوى السياسية التي تؤلِّف الحكومة على نار باردة وعلى وقع خلافات مفتوحة وكأنّ البلد في ألف خير، ومضمون هذه الرسالة واضح المعالم وهو انّ البلاد تتجه إلى انفجار اجتماعي في حال لم يُصَر إلى الإسراع في التأليف، ووضع الخطط الإصلاحية لفرملة الانهيار الحاصل والمتمادي. ففي السلطة هناك من كان يستفيد من الإقفال القسري وانتشار جائحة كورونا ليواصل سياساته التقليدية، ففاجأته الناس من حيث لم يكن يدري ويتوقّع، متحدية الموت في تظاهرات شملت أكثر من منطقة لبنانية وكان أشدها عنفاً في طرابلس، الأمر الذي سيفرض على الفريق الحاكم تغيير سياساته قبل فوات الأوان ودخول البلاد في المحظور.
ويرى المراقبون ان الاحتجاجات هذه المرة لن تكون نسخة طبق الأصل عن احتجاجات 17 تشرين 2019، لأن الأوضاع المعيشية تدهورت بنحوٍ مخيف، وجاء الإقفال الذي فرضته الظروف الصحية ليفاقم في هذه الأوضاع، خصوصاً لدى الفئات الشعبية التي تعتاش من عملها اليومي، فإذا لم تعمل لا تستطيع ان تأكل، وبالتالي وجدت نفسها «على الأرض يا حكم»، وفي حال لازمت منازلها فإنها ستموت جوعاً.
ويسأل المراقبون: هل تستشعر السلطة خطورة توسُّل الناس للشارع في ظروف صحية خطيرة للغاية؟ وهل تسأل نفسها ماذا يعني ان تجازف الناس بحياتها، وماذا يمكن ان تقدم عليه؟ وهل ستبدِّل في أولوياتها وتسرِّع وتيرة التأليف من أجل امتصاص نقمة الناس وغضبها، أم انها ستتعامل مع الاحتجاجات كونها عابرة وظرفية وقمعها كفيل بإنهائها عن بكرة أبيها؟
ولا شك في ان تطور الشارع غير المنتظر ولا المتوقّع سيعيد خلط الأوراق الحكومية سريعاً، وإلا سيكون لبنان مع انفجار اجتماعي ما بعده غير ما قبله.
وعلى وقع اشتعال الشارع مجددا أمس بحركات احتجاج شملت بيروت وعدد من المناطق، لم تظهر على جبهة الاستحقاق الحكومي أي مؤشرات جدية توحي بوجود توجه عملي الى تأليف الحكومة في وقت قريب، على رغم كل التوقعات التي نشطت إثر الاتصال الطويل قبل ايام بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ونظيره الاميركي جو بايدن.
الموقف الفرنسي
واعتبر مسؤول في الرئاسة الفرنسية أن واشنطن تحتاج إلى اتباع نهج «أكثر واقعية» في التعامل مع «حزب الله» اللبناني، للمساعدة في الخروج من الأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان.
ونقلت وكالة «رويترز» عن المسؤول الفرنسي قوله أمس إن «هناك وضعاً عاجلاً في لبنان ونعتقد أن هناك أولويات يمكن (لفرنسا والولايات المتحدة) متابعتها معاً». وأشار إلى «أن الأولوية بالنسبة الى الرئيس الفرنسي هي تشكيل حكومة لبنانية يمكنها الاستمرار في العمل بفاعلية». وأضاف: «لا نتوقع تغيّراً في الموقف الأميركي تجاه «حزب الله»، بل مزيد من الواقعية الأميركية في شأن ما هو ممكن أو غير ممكن نظراً الى الظروف القائمة في لبنان». وقال إنه لا توجد أي خطط عاجلة لإعادة تحديد موعد لزيارة ماكرون للبنان، التي تأجلت في كانون الاول الماضي عندما أصيب بفيروس كورونا.
وفي الوقت الذي رجّح البعض ان يكون الاستحقاق الحكومي قد تحرك تحت ضغط الشارع وعلى نار الاطارات التي أشعلها المحتجون في غير منطقة، ذهب فريق من السياسيين الى الحديث عن توجه فرنسي ضاغط في اتجاه تأليف الحكومة تواكبه «دفشة» اميركية ناعمة في الاتجاه نفسه.
وعلمت «الجمهورية» انّ ملف تشكيل الحكومة يتحرك خلف الاضواء ضمن مفاوضات غير مباشرة تحصل بين بعبدا و»بيت الوسط» يقودها اللواء عباس ابراهيم العامل على هذا الخط صعودا ونزولا، في محاولة لتذليل العقبات المتبقية من امام ولادة الحكومة، ولترتيب تفاهم بين الطرفين يسمح بعقد لقاء مُنتج وليس شكلياً.
وأكدت مصادر مواكبة للإتصالات لـ«الجمهورية» ان المفاوضات قطعت شوطاً رغم انها عسيرة بسبب التصلب في المواقف، مدعومة بضغط أميركي ـ فرنسي لإيجاد حل للازمة اللبنانية. ولفتت الى ان الامور تحتاج الى وقت وليست سهلة، ملمّحة الى عودة حراك الشارع وارتباطه الخفي بملف التشكيل».
الحريري وزيارة باريس
الى ذلك قالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» ان الحريري ينتظر تحديد بعض المواعيد للبت بزيارته لباريس، بعد الجهود التي بذلتها الادارة الفرنسية في المرحلة التي تلت وصول بايدن الى البيت الأبيض ومضمون الاتصال الذي تم بينه وبين ماكرون.
ولفتت هذه المصادر الى انّ هذه الاتصالات ما زالت قاصرة عن اجتراح المدخل الى إحياء اللقاءات بين عون والحريري للبَت بالصيغة الحكومية من حيث انتهت الاتصالات في شأن التشكيلة التي كان الحريري قد سلمها لرئيس الجمهورية منذ 9 كانون الاول الماضي.
وعلى خلفية إصرار فريق رئيس الجمهورية واركان «التيار الوطني الحر» الذين واصلوا حملاتهم على الحريري ومطالبته بالعودة الى زيارة القصر الجمهوري لمناقشة ملف التشكيل مع عون، غرّد المستشار الإعلامي للرئيس المكلف حسين الوجه عبر «تويتر» كاتباً: «لم يعد اللبنانيون يفهمون الأسباب الكامنة وراء تهرّب رئيس الجمهورية وامتناعه عن القيام بواجبه الدستوري بتسهيل تشكيل الحكومة وتوقيع مراسيم التشكيل بالإتفاق مع رئيس الحكومة المكلف». واضاف: «إزاء ذلك، يطرح اللبنانيون تساؤلات جدّية حول ما إذا كان رئيس الجمهورية يريد فعلاً تشكيل حكومة أم أنه يحتجز التأليف في جيبه، كما احتجزوا الانتخابات الرئاسية لسنتين ونصف السنة».
وكان «تكتل لبنان القوي» قد قال، بعد اجتماعه الدوري الالكتروني برئاسة النائب جبران باسيل: «لم يعد اللبنانيون يفهمون الأسباب الكامنة وراء جمود رئيس الحكومة المكلف وامتناعه عن القيام بواجبه الدستوري بتشكيل الحكومة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية. وإزاء هذا الموقف، فإنّ التكتل يطرح تساؤلات جدية حول ما إذا كان رئيس الحكومة المكلف يريد فعلاً تشكيل حكومة، أم أنه يحتجز التكليف في جيبه إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا».
جولة شيا
وفي ظل الظروف الراهنة، برزت الجولة التي أجرتها السفيرة الاميركية في بيروت دوروتي شيا على كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، بعد زيارتها الحريري قبل ايام بعيداً من الاعلام، وخصّصت لاستقصاء الاجواء الحكومية والسياسية في ظل بدء العهد الاميركي الجديد برئاسة بايدن.
واكد عون خلال اللقاء «حرص لبنان على استمرار علاقات الصداقة والتعاون بين لبنان والولايات المتحدة الأميركية، في اطار من التفاهم والاحترام المتبادلين والتمسك بالقيم المشتركة».
وقالت مصادر واكبت حركة شيا لـ«الجمهورية» انها شددت في اللقاء على أهمية الاسراع في تشكيل الحكومة لتكتمل المؤسسات بكل الصلاحيات الدستورية لمواجهة الازمة على المستويات الاقتصادية والنقدية والسياسية، واعادة ترميم علاقات لبنان بالعالم الخارجي.
وفي ملف ترسيم الحدود شددت السفيرة الاميركية على اهمية ان تستأنف المفاوضات، بعدما اكدت «انّ الرعاية والوساطة الأميركية لن تتغيرا لمجرد التغيير الحاصل في الولايات المتحدة الاميركية، فهي عملية من ثوابت السياسية الاميركية، ولن يكون هناك اي متغيرات تمسّ الدور الأميركي».
وشددت على انّ برامج المساعدات المقررة للبنان «قائمة ومستمرة في مختلف المجالات الانمائية والإجتماعية، وفي مواجهة نتائج انفجار المرفأ».
وفي جانب من اللقاء، شرح رئيس الجمهورية الاجراءات المتخذة لإطلاق التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان والوزارات والمؤسسات العامة، بعدما شددت السفيرة شيا على اهمية المضي في عملية مكافحة الفساد.
وفي اختصار قالت المصادر «انّ اللقاء كان شاملاً، ولم توفر السفيرة الاميركية ملفاً لم تتطرق اليه على مختلف المستويات».
واذ اشارت المصادر الى ان المسؤولين حاولوا من خلال اللقاء مع شيا جَس نبض الادارة الاميركية الجديدة واستكشاف نياتها ازاء لبنان واضعين الاستحقاق الحكومي المُلحّ إنجازه جانباً، التقى كل عون وبري على التأكيد امامها على وجوب استئناف المفاوضات لترسيم الحدود البحرية والبرية بين لبنان واسرائيل. وفيما اكد عون «موقف لبنان لجهة معاودة اجتماعات التفاوض انطلاقاً من الطروحات التي قدمت خلال الاجتماعات السابقة»، شدّد بري على «أهمية استئنافها بزَخم، نظراً لأهمية النتائج المتوخّاة منها للبنان، ولتثبيت حقوقه السيادية، واستثمار ثرواته».
إسرائيل تهدد
من جهة ثانية ، قال رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، إنّ حالة الردع التي تمتلكها إسرائيل في مواجهة كل الدول التي تواجهها قد ازدادت، محذًّرا بايدن من العودة للاتفاق النووي مع إيران، وفق ما نقل متحدث باسم الجيش الإسرائيلي أمس.
وشدد على «أنّ إسرائيل تتمتع بحرية عمل واسعة في جميع أنحاء الشرق الأوسط». وقال: «إسرائيل مهددة بصواريخ من لبنان وسوريا وغزة وإيران»، واستطرد: «في الحرب المقبلة ستسقط آلاف الصواريخ علينا، لكننا سنرد بشكل واسع». وقال: «إننا سنحذّر اللبنانيين وسكان غزة وندعوهم الى ترك منازلهم في حال اندلاع الحرب»، مضيفاً انّ «ذروة العام ستكون في مناورات تُحاكي حرباً شاملة تستمر شهراً».
وأوضح «أنّ عددا كبيرا من منازل جنوب لبنان يحتوي ذخائر وصواريخ»، كاشفاً عن أن الجيش الإسرائيلي قصف أكثر من 500 هدف في سوريا العام الماضي. وأردف أنه «لا نية لإيران بوقف التموضع العسكري في سوريا».
كورونا
وعلى الصعيد الصحي، أعلنت وزارة الصحة العامّة في تقريرها اليومي أمس حول مستجدات فيروس كورونا تسجيل 3505 إصابة جديدة (3491 محلية و14 وافدة)، ليصبح العدد الإجمالي للإصابات 285754 منذ شباط 2020. وكذلك أعلنت تسجيل رقم صادم في عدد الوفيات بلغ 73 حالة وفاة جديدة، ليصبح العدد الإجمالي للوفيات 2477.
من جهة ثانية، حُدد قبل ظهر الخميس المقبل موعد مبدئي لإطلاق منصة التسجيل للقاح في وزارة الصحة، في حضور الوزير حمد حسن ووزيرة الاعلام منال عبد الصمد ورئيس اللجنة الوطنية لإدارة اللقاح الدكتور عبد الرحمن البزري.
وقد تم تأجيل إطلاق المنصة يومين لإضافة إمكانية التسجيل القطاعي للمؤسسات والنقابات إلى إمكانية التسجيل الشخصي على المنصة.