تدخلت شخصيات سياسية على خط تهدئة الغضب الشعبي المتنامي على خلفية الإقفال العام، وتصاعد الأزمات المعيشية والضائقة الاقتصادية، وسط تلميحات إلى شبهات استغلال سياسي لحراك الشارع، بحسب ما أوحى الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري بالقول إنه “قد يكون هناك من يستغل وجع الناس”.
وأعادت الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي تفاقمت إثر الإقفال العام، الناس إلى الشوارع في طرابلس في شمال لبنان والجنوب في النبطية وصيدا، وتواصلت حتى يوم أمس، بعد ليلة من المواجهات أسفرت عن سقوط عشرات الجرحى.
ولمح الحريري إلى فرضية وجود استغلال سياسي لانتفاضة الناس في الشمال، قائلاً: “قد تكون وراء التحركات في طرابلس (في الشمال) جهات تريد توجيه رسائل سياسية، وقد يكون هناك من يستغل وجع الناس والضائقة المعيشية التي يعانيها الفقراء وذوو الدخل المحدود”. وأضاف “ليس هناك بالتأكيد ما يمكن أن يبرر الاعتداء على الأملاك الخاصة والأسواق والمؤسسات الرسمية بحجة الاعتراض على قرار الإقفال”.
لكن ذلك لا ينفي حقيقة “أن هناك فئات من المواطنين تبحث عن لقمة عيشها وكفاف يومها”، بحسب ما قال الحريري، وتابع: “لا يصح للدولة إزاء ذلك أن تقف موقف المتفرج، ولا تبادر إلى التعويض عن العائلات الفقيرة والمحتاجة”. ونبّه الحريري “أهلنا في طرابلس وسائر المناطق من أي استغلال لأوضاعهم المعيشية”، وطالب الدولة والوزارات المختصة “باستنفاد كل الوسائل المتاحة لكبح جماح الفقر والجوع، وتوفير المقومات الاجتماعية لالتزام المواطنين قرار الإقفال العام”.
وأكد الحريري أن “قرار الإقفال هدفه حماية المواطنين من خطر (كورونا)، والالتزام به مسؤولية لا يجوز التهاون فيها تجاه سلامة أولادنا وعائلاتنا ومجتمعنا”، لافتاً إلى أن “السلامة تتطلب خطة واضحة تتكامل فيها جهود المجتمع المدني والمقتدرين في القطاع الخاص مع إمكانات الدولة لضمان السير بقرار الإقفال في الطريق السليم”.
ولا تعد محاولة الحريري لاحتواء التصعيد في الشارع، الوحيدة ضمن الجهود الآيلة لتطويق ما حدث ومنع تدحرجه، فقد أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب أن “صرخة الناس مفهومة ومسموعة، لافتاً إلى أن “اللبنانيين يواجهون تحديات ضخمة”.
وقال: “الدولة تقدّم مساعدات رغم وضعها المالي الصعب، والجيش بدأ بتوزيع الدفعة الجديدة من مساعدة الـ400 ألف ليرة (50 دولاراً على سعر صرف السوق) لحوالي ربع مليون عائلة”. وقال: “صحيح أن هذه المساعدة لا توازي حاجاتهم، لكنها تساهم في تخفيف الأعباء”. واستطرد: “هناك فرق كبير بين التعبير الصادق عن وجع الناس، وبين أعمال التخريب والاعتداء على مؤسسات الدولة وأملاك الناس. هناك فرق كبير بين الناس المحتاجين فعلاً، وبين الاستثمار السياسي بحاجاتهم وتشويه المطالب المحقة للناس”.
ولفت دياب إلى أن “ما رأيناه في اليومين الماضيين لا يشبه مطالب الناس، ولا يعبّر عن معاناتهم. ما رأيناه محاولة لخطف مطالب الناس واستخدامها في معارك سياسية”. وقال: “لا يجوز تخريب مدينة طرابلس لتوجيه رسائل سياسية منها، ومن غير المقبول أن تبقى طرابلس، أو أي منطقة صندوق بريد بالنار”. وأكد أنه “لا يجوز قطع الطرقات على الناس، في سياق منطق التحدي بالسياسة”، معتبراً أن “الحكومة لا تتشكّل ولا تتعطّل بالدواليب المشتعلة وقطع الطرقات والاعتداء على مؤسسات الدولة واستهداف قوى الأمن الداخلي والجيش”.
وأسفرت المواجهات بين محتجين والقوى الأمنية عن سقوط عشرات الإصابات، إذ أعلنت قيادة الجيش في بيان صادر عن “مديرية التوجيه” أن “31 عسكرياً أصيبوا بجروح مختلفة ورضوض جراء تعرضهم للاعتداء والرشق بالحجارة وقنابل المولوتوف والمفرقعات النارية من قبل عدد من المحتجين أثناء مظاهرات شهدتها مدينة طرابلس ليل الثلاثاء”، لافتة إلى “تضرر آليات عسكرية وعتاد، وقد تم توقيف خمسة أشخاص لإقدامهم على التعدي على الأملاك العامة والخاصة وافتعال أعمال شغب والتعرض للقوى الأمنية”. وقالت إن التحقيق بوشر بإشراف القضاء المختص.
وفيما سُجل هدوء نسبي في طرابلس يوم أمس، شهد مدينتان في الجنوب احتجاجات، حيث نظم “حراك النبطية” تحركا احتجاجيا أمام خيمته قرب السرايا للمطالبة بحقوقهم تحت شعار “من حقي عيش بكرامة”، تضامنا مع “حراك طرابلس”. وحمل المحتجون الأعلام اللبنانية وبثت الأناشيد الحماسية من مكبرات للصوت وسط إجراءات أمنية اتخذتها عناصر من الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي.
وإذ أعلن المحتجون رفضهم “للعنف والقمع الذي حصل في طرابلس”، أكدوا “عدم جواز افتعال تناقض بين الحرص على صحة الناس وحمايتهم من جهة ودعم الفئات والشرائح الشعبية الكادحة من قبل السلطة المقصرة من جهة أخرى”.
وفيما قُطع السير في مدينة صيدا عند دوار إيليا لبعض الوقت، نفذ عدد من المحتجين على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والغلاء، اعتصاما في ساحة الشاعر خليل مطران في بعلبك (في شرق لبنان) وقطعوا الطرق المؤدية إلى الساحة لبعض الوقت، وسط تدابير أمنية مشددة للجيش والقوى الأمنية.