بعد أكثر من ثلاثة أسابيع من الإغلاق التام، أرقامٌ مُقلقة يسجّلها عدّاد فيروس كورونا. 81 حالة وفاة يوم الإثنين، و48.3% بلغت نسبة الفحوص الإيجابية يوم الأحد. وفي ظل هذه الأرقام، وبناء على المعطيات التي ستتوضح أكثر في اليومين المقبلين، سيتم إتخاذ القرار النهائي لجهة تمديد الإقفال أو فتح الإقتصاد تدريجياً يوم الجمعة المقبل. إلّا أن خيار تمديد في ظل غيابٍ لأي من المساعدات الإجتماعية للطبقات الفقيرة لتأمين مقومات الصمود ستحتّم إنعدام الإلتزام، ما يعني إحتمال تكرار المشهد الذي شهدته طرابلس وبعض المناطق اللبنانية من التظاهرات وقطع للطرق إحتجاجاً على الإقفال، رفضاً لحرمانهم من التوجه إلى أعمالهم وتأمين لقمة عيشهم، وهو ما يجب استباقه بخطوات فعلية لجهة المباشرة بتنفيذ الدعم الاجتماعي بشكل مباشر.
وفي هذا السياق، واصل الحزب التقدمي الإشتراكي دعوته السلطة إلى الأخذ بالإقتراحات التي طرحها، والتي من شأنها التخفيف عن كاهل المواطنين عبء الأزمة الإقتصادية، وخصوصا في المناطق المحرومة، كطرابلس، ومنها الإسراع في صرف قرض البنك الدولي، ترشيد الدعم، كما وإقرار البطاقة التمويلية، والضرائب التصاعدية والضريبة على الثروة بطريقة عادلة.
إلّا أن أصحاب الشأن والسلطة مشغولون بإصدار البيانات ورفع السقوف ووضع الشروط، لتقابلها الشروط المضادة تحسيناً للمواقع داخل الحكومة المقبلة، تحقيقاً للمصالح الضيقة، متناسين الواقع المرير الذي وصل إليه اللبنانيون في حربهم المزدوجة مع الوباء والفقر، وهم في وسط ذلك ينتظرون تقرير مصير الإقفال العام.
في هذا الإطار، أشار مدير مستشفى رفيق الحريري الجامعي الدكتور فراس أبيض في حديث لجريدة “الأنباء” الإلكترونية إلى أن “هدف الإقفال لم يكن تخفيض عدد الإصابات بشكل كبير، بل تخفيف الضغط على المستشفيات، لكن نسبة الفحوص الإيجابية لا زالت مرتفعة، كما أن أعداد الوفيات تزيد، وبالتالي هذه مؤشرات غير جيّدة من أجل فتح البلاد عند نهاية فترة الإقفال”.
إلّا أن أبيض فضّل الإنتظار ومتابعة الأرقام حتى يوم الجمعة للبناء عليها، “لكن في حال إستمرت نسبة إيجابية الفحوص على معدلاتها فوق الـ20%، فهذا أمر غير مُشجّع”، منبّهًا من أن “عودة فتح البلاد، ولو بشكل تدريجي، قد تؤدي إلى تهافت الناس إلى الخروج بعد فترة طويلة من الإقفال والمكوث في المنازل، ما سينعكس إرتفاعاً في أعداد الإصابات بشكل كبير، وفي ظل وصول المستشفيات بمعظمها إلى كامل قدرتها الإستعابية، وعدم توفّر أسرّة شاغرة للعناية الفائقة، فالأمر سيكون بغاية الخطورة على المرضى”.
الأبيض شدد في الوقت نفسه على “وجوب الإلتفات إلى الناس الأكثر فقرا في لبنان، ومساعدتهم لتأمين مقومات الصمود في حال تقرر تمديد الإقفال، من أجل ضمان إلتزام المواطنين، لأن الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية صعبة”.
وحول تقييمه لفترة الإقفال، رأى الأبيض أن “الإلتزام كان نسبياً أفضل مقارنةً مع فترات الإقفال السابقة، وهو الإقفال الأطول مدّةً في الآونة الأخيرة، إذ إمتد على مدار ثلاثة أسابيع، لكن في الوقت نفسه إن إنتشار السلالة الجديدة من الفيروس في لبنان، وبداية فترة الإقفال مع تسجيل أرقامٍ مرتفعة، جميعها عوامل لعبت ضد نجاح الإقفال في المساعدة على تخفيف الضغط على المستشفيات”.
وشدد الأبيض على “أمرين مهمّين، الأول ضرورة إيلاء ملف اللقاح الجدّية القصوى، لأنه قد يكون الأمل الوحيد من أجل تخفيف أعداد المرضى الشديدي العدوى، وثانياً وجوب دعم العاملين في الرعاية الصحية، والذين لا يوفرون أي جهدٍ، فهُم متعبون على المستويَين الجسدي والنفسي، والمساعدة المعنوية ستزيد من عزمهم لأداء واجباتهم”.
من جهته، رأى عضو لجنة الصحة النيابية علي المقداد أنه “من المنظار العلمي، الحل الأفضل اليوم يكمن في تمديد الإقفال، إذ المؤشرات التي نستند عليها لتقييم الوضع، نسبة إيجابية الفحوص ونسبة الوفيات وأعداد أسرّة العناية الشاغرة، لا زالت سلبية، ولكن، في الوقت نفسه، المواطنون الذين يعملون كمياومين غير قادرين على تأمين قوت يومهم”.
المقداد كشف في حديث لجريدة “الأنباء” الالكترونية عن “حركة ملحوظة بين الهيئة العليا للإغاثة وقيادة الجيش ووزارة الشؤون الإجتماعية من أجل تأمين المساعدات لأكبر عدد من المواطنين، لكن الموضوع لم يتعدَّ الكلام حتى الآن”.
وحول الفتح التدريجي للإقتصاد، إعتبر المقداد أنه “لو كنا نعيش في دولةٍ سيدها القانون، والناس يلتزمون بإجراءات الفتح التدريجي، لكان هذا الخيار هو الأفضل، ولكن إشكالية الإستثناءات من جهة، وعدم إلتزام الناس بالإجراءات، تحول دون الوصول إلى النتائج المرجوّة”.
من جانبه، نبّه رئيس قسم جراحة الدماغ والعمود الفقري في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت البروفسور غسان سكاف من خطورة الأرقام المُسجّلة، خصوصاً لجهة نسبة إيجابية الفحوصات ليوم الأحد، والتي بلغت 48.3%، لافتا إلى أن “الرقم المذكور خطير جدا، وقد يكون الأعلى عالمياً، فقد تبيّن إصابة 2011 شخص من أصل 4160، ما يعني واحد من كل إثنين مُصاب بالفيروس”.
وأشار في حديث لجريدة “الأنباء” الالكترونية إلى أن “ما من سبب منطقي لتدني أعداد الفحوص اليومية، في حين أن إحتواء الوباء يستوجب مسحاً شاملاً لمختلف القرى والبلدات، بالتعاون مع البلديات والجيش، عبر إجراء الفحوص، وخصوصاً تلك الـRapid Tests، التي تعطي النتيجة بسرعة وذات تكلفة متدنيّة جداً، ما سيساعد في تقييم الواقع الوبائي أكثر، وعزل المصابين، ويغني عن الإغلاق التام وتداعياته الصعبة على الوضعين الإقتصادي والإجتماعي”، معتبراً أن “الإجراءات السابقة التي تم إتخاذها برهنت فشل سوء الإدارة، وكشفت عجز الدولة”.
كما كشف سكاف عن “مخالفة خطيرة، وهي توجّه عدد من التجّار إلى بيع بلازما المتعافين من مرضى كورونا في الأسواق السوداء، علماً أنة إستخدام البلازما في أولى مراحل الإصابة قد يفيد المريض، لإحتوائها على مضادات مخصصة لمحاربة الفيروس”. وأبدى سكاف خشيته من التداعيات التي ستظهر إثر بطء عملية تسليم اللقاح، مؤكدا أن كلفتها ستكون باهظة على صعيد خسارة الأرواح.
في السياق ذاته، وحول مصير المدارس والمؤسسات التربوية في حال إتُخذ قرار فتح البلاد، أفادت مصادر وزارة التربية عبر جريدة “الأنباء” الالكترونية أن الوزير طارق المجذوب كان ينتظر إنتهاء فترة الإغلاق الشامل من أجل العودة إلى التعليم المُدمج، وسيبني على توصيات لجنة كورونا.
من جهتها، رئيسة إتحاد لجان الأهل لما الطويل أشارت إلى أن “المدارس الخاصة ستستمر في التعليم عن بُعد، والأهل من جهتهم لن يوافقوا على إرسال أولادهم إلى المدارس، فالواقع خطر، الأفضل الإستمرار في التعليم “أونلاين” خصوصا بعد إختصار البرامج، أما العودة إلى التعليم الحضوري فهي رهن توزيع اللقاح والبدء بتأمين المناعة المجتمعية، ولو أدى هذا الأمر إلى تأخير نهاية العام الدراسي”.
ولفتت الطويل إلى أن “المدارس الخاصة حريصة على التجهيز وتأمين الأمور اللوجستية اللازمة من أجل العودة إلى التعليم الحضوري حينما يصبح الأمر آمناً، خصوصاً وأن الأهالي يدفعون الأقساط من أجل تأمين أقصى درجات الحماية”.