تُظهر الإتصالات التي استعادت زخمها على جبهة التأليف الحكومي، وجود توجّه جاد هذه المرة لاستيلاد الحكومة الجديدة خلال الشهر الجاري، وذلك على ضوء الاتصالات الفرنسية ـ الاميركية الاخيرة، والاتصالات التي تجريها باريس مع الاطراف المعنيين للتأليف، وكذلك على ضوء طرح رئيس مجلس النواب نبيه بري الاخير، من حكومة لا يكون فيها ثلث معطل لأحد، وكذلك يكون وزراؤها «لا مع ولا ضدّ»، اي الأفرقاء السياسيين من كل الإنتماءات.
وعلمت «الجمهورية»، أنّ القاعدة التي ينطلق البحث فيها تقوم على ان تكون الحكومة مكوّنة من ثلاثة اثلاث (اي 6-6-6)، بحيث لا يكون فيها ثلث معطل لأحد، أي سبعة وزراء. وأشارت مصادر معنية بالتأليف، الى انّ هذه الصيغة ربما يكون اقترب التفاهم حولها، وانّ البحث يدور في جانب منه حول توزيع بعض الحقائب، ولا سيما منها حقيبتا وزارتي الداخلية والعدل. وتردّد احتمال ان تكون الداخلية ضمن حصّة رئيس الجمهورية ميشال عون، في مقابل ان تكون وزارة العدل من حصّة الرئيس المكلّف سعد الحريري الذي توجّه الى القاهرة أمس، في زيارة لافتة، لينتقل بعدها الى باريس. وجاءت الزيارة بعد استقبال عون السفير المصري في لبنان أمس، ناقلاً رسالة من الرئيس عبد الفتاح السيسي تتعلق بالتطورات اللبنانية، وتطلب في جانب منها دعم لبنان لترشيح الامين العام لجامعة الدول العربية احمد ابو الغيط لولاية جديدة في هذا المنصب في آذار المقبل، وقبل اسابيع من انعقاد القمة العربية العادية. وسيلتقي الحريري الرئيس المصري اليوم، وهو كان ينتظر موعد هذا اللقاء منذ بداية السنة، وكان قد انتظر تحديده منذ كان في الامارات العربية المتحدة منتصف الشهر الماضي.
تقدّم الملف الحكومي مجدداً إلى واجهة الأحداث السياسية، ليس فقط بسبب تراجع الحركة الاحتجاجية في طرابلس، أو بالأحرى تراجع المنحى العنفي، إنما بفعل بروز معطيات جديدة في ملف التأليف يمكن اختصارها بثلاثة أساسية:
– المعطى الاول، معاودة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اتصالاته التي استهلها مع رئيس الجمهورية ميشال عون، بعد الاتصال الطويل الذي كان أجراه مع الرئيس الأميركي جو بايدن، وكان لبنان طبقاً رئيسياً في هذا الاتصال، ما أوحى بتجديد التفويض الأميركي لفرنسا بإدارة الملف اللبناني، فيما الإدارة الفرنسية فتحت بالتوازي خطوطها مع المسؤولين اللبنانيين سعياً الى حل العِقَد التي تجمِّد التأليف.
ـ المعطى الثاني، يكمن في البيان الذي أصدره رئيس مجلس النواب نبيه بري، معززاً فيه جبهة الرئيس المكلّف سعد الحريري من زاويتين: رفضه الثلث المعطِّل من دون ان يسمّي الجهة المقصودة، وتحديده معياراً جديداً لتسمية الوزراء، اختصره بمعادلة «لا معك ولا ضدّك»، ومدّعماً البيان بتوضيح صادر عن كتلة «التنمية والتحرير» رداً على من حاول تشويه معناه، بتأكيده انّ «تسمية الوزراء جاءت من الرئيس المكلّف لشخصيات اختصاصية غير حزبية، وتمّ الاختيار من بينها وفقاً للمبادرة التي طرحها بري على قاعدة «لا معنا ولا ضدّنا».
ـ المعطى الثالث، يتمثّل بتحريك «حزب الله» وساطته التي تراوحت بين النفي والتأكيد، ولكن من الثابت أنّ الحزب يسعى في هذا الاتجاه، ولا يبدو انّه في وارد تظهير تحرّكه إعلامياً، إلاّ انّه أعلن مراراً في بيانات تكتله النيابي وعلى لسان أمينه العام، الحاجة الماسّة الى تشكيل حكومة وتجاوز العِقَد الموجودة، فيما هناك من يرى أنّ بيان رئيس المجلس منسق و»الحزب» ضمن موقف مشترك.
وقالت مصادر متابعة للإتصالات لـ«الجمهورية»، إنّه مع تجدّد السعي الفرنسي الذي لاقاه «الثنائي الشيعي» تكون التسوية الحكومية قطعت شوطاً مهمّاً، ولكن الأمور تُقاس بخواتيمها، والتفاؤل يمكن ان يتحوّل تشاؤماً على غرار ما حصل في أكثر من محطة، فيما الرهان الأساسي يبقى على مدى قدرة الفرنسيين و»حزب الله» على تقريب عون والحريري على مساحة مشتركة، وفي حال لم يتمكنا من ذلك، فإنّ المراوحة الحكومية ستبقى سيدة الموقف.
بعبدا توضح وتلاحظ
وفي الوقت الذي ما زالت فيه اصداء البيانات المتبادلة بين بعبدا وعين التينة حول موضوع «الثلث المعطل» الذي يطالب به رئيس الجمهورية و«التيار الوطني الحر»، بحسب ايحاء بري اليهما بنحو غير مباشر، فقد بقيت الجوانب الاخرى المحيطة بعملية التأليف موضع نقاش في كثير من الصالونات السياسية.
وكشفت مصادر قريبة من قصر بعبدا لـ«الجمهورية»، انّ ما ظهر على هامش تسويق هذه الإتهامات، اكّد ما كان قد قصده رئيس الجمهورية ومعه النائب جبران باسيل اكثر من مرة، عن عدم وجود المعايير الموحّدة المعتمدة في عملية التأليف. ولفتت المصادر الى انّ ما كشفه اهل التكليف جاء من قلب «البيت الازرق» ومن خلال المعلومات التي نشرها موقع «مستقبل ـ ويب» عن تسمية الحريري للوزراء الشيعة، من خلال التشاور مع قيادتي «الثنائي الشيعي». وكذلك بالنسبة الى الوزير الدرزي بالتنسيق مع رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط . وهو ما يشكّل إدانة لطرفين على الاقل:
– أولهما للرئيس المكلّف، الذي «وقف على خاطر» الثنائي الشيعي وجنبلاط وربما رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية ايضاً، في اختيار وزرائهم، فيما لا يزال يرفض ان يناقش الاسماء المطروحة للوزراء المسيحيين، سواء مع رئيس الجمهورية او مع اي من القيادات المسيحية بمن فيهم باسيل.
– وثانيهما «الثنائي الشيعي» الذي اطمأن سلفاً الى حصته في الحكومة، لم يستسغ اي مبادرة يُقدم عليها رئيس الجمهورية او رئيس «التيار الوطني الحر» لتسمية وزرائهما في الحكومة، وهو ما لم يعبّر عنه بوضوح من قبل إنكشاف هذا الأمر.
وبعدما جدّدت هذه المصادر رفضها الحديث عن المطالبة بـ«الثلث المعطل»، شكّكت في الرواية التي تحدثت عن وسيط مجهول زار باسيل ونقل عنه مطالبته بهذا «الثلث». وختمت لتقول: «انه لا بدّ من ان يعترف الجميع، انّ ما حظي به «الثنائي الشيعي» و«التقدمي الاشتراكي» في اختيار وزرائهم، يجب ان يكون من حق الأطراف الاخرى التي ستشارك في الحكومة، ضماناً لوحدة المعايير».
وأبلغت مصادر التيار الوطني الحر الى «الجمهورية» ان قيادة التيار لم تكن على علم بوجود اي مبادرة حكومية للرئيس نبيه بري ولم تطلع على اي شيء من هذا القبيل.
وفي «بيت الوسط»، قالت مصادره لـ«الجمهورية»، انّ الرئيس المكلّف يمارس نشاطه المعتاد بعيداً من الأضواء. وإن لم ينشر برنامج استقبالاته فالحركة قائمة على اكثر من مستوى سياسي واداري وديبلوماسي.
ورداً على سؤال عن حجم المواكب المقفلة التي تزور «بيت الوسط» على مدار الايام قالت، انّها تعبّر عن حجم الزوار، من دون ان تكشف اي تفاصيل عن هوياتهم وادوارهم، حتى تلك التي تتصل بإحياء المبادرة الفرنسية. واشارت المصادر، الى انّ السفيرة الفرنسية زارت «بيت الوسط» علناً، في مرحلة سبقت اتصال ماكرون بعون. وهذا لا يعني انّها لم تزره مرة اخرى او انّ الاتصالات قد فُتحت بين باريس و«بيت الوسط». فالمستشارون يقومون بعمل موازٍ لجهد الحريري، وانّ العلاقات التي باتت قائمة بينهم وبين اعضاء فريق الأزمة الفرنسي، تتيح أن يبقى الحريري على تواصل مع كل جديد في هذا الصدد، من دون الإشارة الى اي تفصيل.