تتجه رئاسة الجمهورية إلى الدفع نحو إجراء الانتخابات النيابية الفرعية في أول أحد من شهر حزيران المقبل. الموضوع وُضع على طاولة البحث، ففي ميزان الربح والخسارة، إجراء هذه الانتخابات لملء المقاعد التسعة في ست دوائر يعطي الأفضلية لقوى السلطة؛ خصوصا أن 5 دوائر منها ستخوض الانتخابات وفقاً للنظام الأكثري
لا انتخابات نيابية مبكرة، ليس الأمر بالمفاجأة، فاستراتيجية النواب المستقيلين الثمانية (مروان حمادة، هنري حلو، بولا يعقوبيان، نديم الجميّل، سامي الجميّل، إلياس حنكش، نعمة افرام وميشال معوض) بالاستقالة عقب انفجار المرفأ ظناً منهم أن ذلك سيقود الى حل البرلمان نتيجة توقعهم كرّ سبحة الاستقالات، باءت لحظتها بالفشل، ولا سيما أن تعويلهم على لحاق قوى 14 آذار بهم من أحزاب القوات والمستقبل والاشتراكي أتى في غير محله. وبالتالي، خسر هؤلاء مقاعدهم النيابية ولم يربحوا شيئاً في المقابل. يومها، وقّع وزير الداخلية محمد فهمي مرسوم دعوة الهيئات الناخبة إلى الانتخابات النيابية الفرعية لهذه المقاعد، وأرسله الى الحكومة موصياً بإجراء الانتخابات الفرعية قبل تاريخ 13 تشرين الأول، أي خلال شهرين من تاريخ الشغور. إلا أن الحكومة المُصرّفة للأعمال لم توقّع المرسوم، ودخلت مسألة عدم تعيين موعد للانتخابات خلال شهرين من تاريخ الاستقالة في إطار المخالفة الدستورية. لكن مع وفاة النائب المتني ميشال المر أخيراً، عاد الحديث عن إجراء انتخابات فرعية لملء شغور 9 مقاعد موزعة على ست دوائر. وعلمت “الأخبار” أن الموضوع كان مدار بحث في قصر بعبدا، وثمة اتجاه لدى رئاسة الجمهورية للدعوة إلى تعيين موعد للانتخابات الفرعية يوم الأحد 6 حزيران المقبل.
قرار رئيس الجمهورية ميشال عون بملء الشغور في المقاعد النيابية يعني أن 6 دوائر ستكون على موعد مع معارك انتخابية مبكرة. ورغم أن هذه الانتخابات ستجري وفق “قانون النسبية”، إلا أن 5 دوائر من أصل 6 ستقترع وفق النظام الأكثري، وذلك لأن الفقرة الرابعة من المادة 43 من قانون الانتخاب 44/2017 تنصّ على أن “تجري الانتخابات النيابية الفرعية لملء المقعد الشاغر على مستوى الدائرة الصغرى العائد لها هذا المقعد، وفقاً لنظام الاقتراع الأكثري على دورة واحدة، وتُحدّد مراكز الاقتراع ضمن هذه الدائرة بقرار من الوزير. أما إذا تخطّى الشغور المقعدين في الدائرة الانتخابية الكبرى، اعتمد نظام الاقتراع النسبي وِفق أحكام هذا القانون”. ما تقدم يعني أن قضاء الشوف سيخوض انتخاباته وفقاً للنظام الأكثري لملء شغور مقعد النائب المستقيل مروان حمادة، كذلك الأمر بالنسبة إلى المقعد الماروني الشاغر في عاليه بعد استقالة هنري الحلو. ولأن عدد المقاعد الشاغرة في دائرة بيروت الأولى هو مقعدين (نديم الجميّل وبولا يعقوبيان)، فإن الانتخابات ستجري أيضاً على أساس النظام الأكثري. في المتن الشمالي، ثلاثة مقاعد شاغرة، وذلك يقود الى انتخابات وفقاَ للنظام النسبي على المقعدين المارونيين (خلفاً لسامي الجميل والياس حنكش) والمقعد الأرثوذكسي (خلفاً لميشال المر). أما في كسروان التي استقال منها النائب نعمت افرام، فسيُعتمد النظام الأكثري. الأمر نفسه في زغرتا حيث استقال ميشال معوض.
ما سبق، يرجح كفة الأحزاب على كفة المستقلين أو المجتمع المدني. وذلك لأن “بلوك” الأحزاب في الأقضية كفيل بميل الدفة لصالحهم عند احتساب النتائج بواسطة النظام الأكثري، ولا سيما أنه لا بلوك مقابل لمجموعات المجتمع المدني بل مجموعة تحالفات مستقلة بعضها عن بعض. وثمة من يرى أن ترشح النواب المستقيلين إلى المقاعد نفسها مرة أخرى في انتخابات فرعية لا عامة، هو “من دون طائل” سياسياً، اذ ما الدافع إلى استقالاتهم اذاً، إن كانوا سيعيدون الترشح إلى مقاعد استقالوا منها بإراداتهم بحجة سقوط شرعية المجلس النيابي وإصرارهم على الانتخابات النيابية المبكرة في كل لبنان؟
بحسب الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين فإن “خوض الانتخابات الفرعية على أساس النظام الأكثري في كل من الشوف وعاليه، يضع مفاتيح المقعدين في جيب الحزب الاشتراكي. كذلك بالنسبة إلى المقعد الماروني في زغرتا الذي يُعدّ محسوماً لتيار المردة. أما الدوائر التي يمكن أن تشهد معارك فهي بيروت الأولى والمتن الشمالي وكسروان”. ففي دائرة بيروت الأولى التي تضم الأشرفية والرميل والصيفي والمدور، النتائج مرتبطة بالتحالفات الانتخابية، علما بأن نسبة الاقتراع فيها كانت 33.2%، وهي الأدنى في كل لبنان. ويقول شمس الدين إن “نسبة الاقتراع في الانتخابات الفرعية تنخفض حكماً”. في العام 2018، حازت لائحة التيار الوطني الحر 18373 صوتاً مقابل 16772 صوتاً لقوى 14 آذار التي ضمّت يومها القوات والكتائب وميشال فرعون وأنطون صحناوي، فيما جمعت لائحة المجتمع المدني “كلنا وطني” 6842 صوتاً ولائحة “نحنا بيروت” التي رأستها ميشال جبران تويني 1272 صوتاً.
يتوقع أن كتلة التيار الناخبة تراجعت، نتيجة الأداء السياسي وجزء من أصوات المرشح الراحل مسعود الأشقر. لكن إعادة تجمع قوى 14 آذار بعضها مع بعض في مواجهة التيار الوطني الحر وحزب الطاشناق ستشعل معركة في الدائرة، الا أن خروج الكتائب من هذا التحالف وكذلك فرعون وصحناوي يعني أن القوات وحدها في الميدان، وقد نال مرشحها عماد واكيم، إضافة الى رياض عاقل، نحو 4 آلاف صوت فقط. السؤال الرئيسي هنا هل سيشارك المجتمع المدني في الانتخابات الفرعية؟ تقول النائبة السابقة بولا يعقوبيان إنهم “مستمرون في مواجهة هذه السلطة والتمسك بالحياة الديمقراطية”. وتشكك في حصول الانتخابات الفرعية “إنْ تأكدت السلطة أن القوى المدنية ستشارك”. في جميع الأحوال، تضيف يعقوبيان، “سنسير وفق قرار التحالف والمجموعات التي ننسّق معها. أما رأيي الشخصي فهو بضرورة المشاركة دائماً، لفتح المجال أمام الناس للتعبير عن نبض الثورة داخل الصناديق. فدور المعارضة هو الوقوف في وجه السلطة في كل الانتخابات، أكانت نيابية أم نقابية أم بلدية أم طلابية وتقديم مشروع بديل. ينبغي تفعيل دور التصويت العقابي لكسرهم”. أما مصادر الكتائب، فتشير الى أن موضوع المشاركة أو عدمها يناقش في حينه في المكتب السياسي ومع المجموعات المدنية التي نتحالف معها.
في المتن الشمالي، حيث ستخوض أحزاب القوات والتيار والكتائب (إذا اتخذ قرار المشاركة) والقومي والطاشناق المعركة وفقاً للنظام النسبي وعلى ثلاثة مقاعد. وهنا ثمة ارتباك لدى الأحزاب حول من سيخلف النائب الراحل ميشال المر، وكيف ستصوّت كتلته والى جانب أي أحزاب، وإذا ما كان ابنه الوزير السابق الياس المر، أو ابن شقيقه ميشال المر، سيترشحان. ومن المتوقع أن يتحالف التيار الوطني الحر والطاشناق والقومي، لنيل مقعد على الأقل، وتوقع الحصول على مقعد ثانٍ بواسطة الكسور. رغم أن التحالفات السياسية أيضاً تلعب دوراً مهما في قلب النتائج، إضافة الى هوية المرشحين.
وتشير المعلومات الى أن التيار سيعمد الى ترشيح وجوه مستقلة وغير نافرة في كل الدوائر، وذلك لأنه لم يخسر فعلياً أي نائب، بل سيضيف ربحاً غير متوقع في حال الفوز.
في كسروان، ثمة مجموعة من القوى التي تتحكم في اللعبة. النائب فريد الخازن قوة وسينسّق قراره مع تيار المردة، نعمة افرام قوة، التيار الوطني الحر قوة. بين الثلاثة ثمة أرجحية للتيار، مع العلم بأن القوى الثلاث شبه متكافئة. يلي هذه القوى حزب القوات ثم منصور البون. تتحرك هذه الخارطة مع تحرك التحالفات.
في هذا الصدد، يرى شمس الدين أن الانتخابات الفرعية كما الانتخابات النيابية المبكرة وفق قانون العام 2018 نفسه، لن تؤسّس لنتائج جذرية، لأن أي تغيير في أي دائرة يحتاج الى تبدل مزاج ما بين 3 آلاف و10 آلاف ناخب. القانون الأنسب لإنجاز تغيير حقيقي يكمن في اعتماد لبنان دائرة واحدة وفق النظام النسبي، على أن يحق لكل ناخب الاقتراع لمرشح واحد يختاره.