فيما استفاقت البلاد على جريمة اغتيال الناشط السياسي لقمان سليم وما لاقته من ردود فعل مستنكرة إزداد معها الوضع الداخلي اضطراباً على وقع الانهيار الاقتصادي المالي المتفاقِم في ظل انعدام التوافق على تأليف الحكومة الجديدة، صدر أمس ما يشبه “أمر عمليات” للتأليف عن وزيري الخارجية الاميركي والفرنسي لمناسبة مرور 6 اشهر على انفجار مرفأ بيروت، دَعيا فيه “المسؤولين اللبنانيين” الى “تنفيذ التزامهم في شكل نهائي تشكيل حكومة ذات صدقية وفعالية، والعمل على تنفيذ الإصلاحات اللازمة بما يتماشى مع تطلعات الشعب اللبناني”. وأكدا “انّ هذه الإجراءات الملموسة ضرورية للغاية لفرنسا والولايات المتحدة ولشركائهما الإقليميين والدوليين، لالتزام تقديم دعم إضافي وهيكلي وطويل الأمد إلى لبنان”. وبرز هذا الموقف الاميركي ـ الفرنسي في ضوء وجود الرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري في الخارج، وينتظر الجميع عودته لاستئناف العمل على جبهة إنجاز الاستحقاق الحكومي. وقالت مصادر مطلعة لـ”الجمهورية” انّ الحريري، الباحث عن دعم خارجي، تُشكِّل لقاءاته الخارجية عامل قوة يسجّل في خانته ومصلحته، وبما يمكنه من تظهير دوره لحلفائه وخصومه بأنه ضرورة في هذه المرحلة التي يحتاج فيها لبنان لدعم الخارج من أجل الخروج من مأزقه المالي. وفي انتظار عودته، حلّ التبريد السياسي مكان التسخين على خط بعبدا – بيت الوسط، إلّا ان الأنظار ستبقى شاخصة الى ما بعد عودة الحريري، وما إذا كانت الوساطات قد أثمرت لفتح باب زيارة له إلى بعبدا تشكل مدخلاً لصدور مراسيم التأليف.
وكان الحدث السياسي البارز امس الاعلان المشترك لوزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان ونظيره الأميركي أنتوني بلينكن، الذي وزّعته السفارة الفرنسية في لبنان وتضمّن الآتي: “بعد 6 أشهر من انفجار 4 آب في مرفأ بيروت الذي خلف مئات الضحايا وأضرارا مادية جسيمة، تؤكد فرنسا والولايات المتحدة دعمهما الكامل للشعب اللبناني. وكما فعلنا منذ الانفجار، لا سيما مع الأمم المتحدة وشركائنا والمجتمع المدني اللبناني في إطار مؤتمرات الدعم في 9 آب و2 كانون الأول، ستواصل فرنسا والولايات المتحدة تقديم المساعدة الطارئة إلى الشعب اللبناني، لا سيما في قطاعات الصحة والتعليم والإسكان والمساعدات الغذائية. كما تنتظر فرنسا والولايات المتحدة الحصول على نتائج سريعة في التحقيق في أسباب الانفجار، ويجب على العدالة اللبنانية أن تعمل بشفافية بعيداً عن أي تدخل سياسي. إنّ مرور ذكرى 6 أشهر على هذا الحدث المأسوي يؤكد الحاجة الملحّة والحيوية المطلوبة من المسؤولين اللبنانيين لتنفيذ التزامهم بشكل نهائي تشكيل حكومة ذات صدقية وفعالية، والعمل على تنفيذ الإصلاحات اللازمة بما يتماشى مع تطلعات الشعب اللبناني. وتظل هذه الإجراءات الملموسة ضرورية للغاية لفرنسا والولايات المتحدة ولشركائهما الإقليميين والدوليين، لالتزام تقديم دعم إضافي وهيكلي وطويل الأمد إلى لبنان”.
موقف فرنسي
وترافق هذا الاعلان مع موقف عبّرت عنه السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو لمناسبة ذكرى مرور 6 أشهر على انفجار مرفأ بيروت، وقالت فيه: “بعد مرور 6 أشهر على الانفجار، من غير المقبول أن يكون لبنان لا يزال من دون حكومة للاستجابة للأزمة الصحية والاجتماعية، وللبدء بتطبيق الإصلاحات الهيكلية الضرورية لتعافي البلاد واستقرارها. فالالتزامات التي تم اتخاذها أمام رئيس الجمهورية ما زالت حبراً على ورق”. وتوجهت غريو الى اللبنانيين قائلة: “أصدقائي اللبنانيين الأعزاء. الفرنسيون لم ينسوكم ولن ينسوكم، فهم باقون إلى جانبكم، إلى جميع القادة اللبنانيين. أود أن أجدد لكم القول إن مسؤوليتكم الفردية والجماعية أساسية. تحلوا بالشجاعة اللازمة للعمل، وفرنسا ستساعدكم”.
تفويض ماكرون
وعلمت “الجمهورية”، من مصادر مواكبة لحركة تشكيل الحكومة، انّ خطوط التواصل بين فرنسا ولبنان عادت الى حرارتها بعد اتفاق اميركي فرنسي على تفويض ماكرون الملف اللبناني، ولا سيما منه تشكيل الحكومة. والى الزيارة المرتقَبة للحريري الى فرنسا، تُرصد اتصالات بين الفرنسيين والمسؤولين في لبنان اضافة الى حركة السفيرة الفرنسية في لبنان. لكن، وبحسب المصادر، فإنّ كل هذه المعطيات “لا تعني ان الفرج قريب، إنما يمكن التعويل على حراك حكومي بدفعٍ خارجي لكسر الجمود والمراوحة القاتلة”.
عودة الاغتيالات
وكان اغتيال الناشط لقمان سليم قد طغى أمس على ما عداه من أحداث سياسية، حيث ضجّ البلد بالاستنكارات بعدما استفاق على هول الجريمة المروعة التي أودت بناشط معروف بمواقفه السياسية السيادية، وتوجّهه الوطني الواضح. ولم يكتف القاتل برصاصة واحدة، بل أجهَز عليه بـ5، إمّا ليتأكد من مقتله المحتّم، وإمّا ليثأر وينتقم منه، علماً انّ سليم كان مسالماً، وسلاحه الوحيد هو المنطق والفكر والقلم، والقوة التي كان يستند إليها هي قوة الإقناع لا قوة الرصاص والقتل.
وقد فاقَم مقتل سليم المخاوف من عودة الاغتيالات السياسية، وإذا كان مقتلا العقيد منير أبو رجيلي وجو بجاني، على رغم عدم كشف ملابسات مقتلهما بعد، قد أثارا بدورهما المخاوف والتساؤلات، ولكن لم يتم تصنيف مقتلهما في الإطار السياسي لانتفاء نشاطهما على هذا المستوى، خلافاً لسليم المعروف بنشاطه وهويته السياسية، فإنّ الخشية هي من ان يكون لبنان قد دخل في مرحلة جديدة بعنوانٍ أمني.
وقد تزامنَ مقتل سليم مع ذكرى مرور 6 اشهر على جريمة المرفأ التي هزّت لبنان وحَرّكت العالم، ولكنها لم تحرِّك همّة المسؤولين المعنيين بتأليف الحكومة التي ما زالت تراوح في دائرة الفراغ والبيانات المتطايرة بين بعبدا وبيت الوسط، فيما الأنظار كانت مشدودة على الجولة الخارجية التي يجريها الرئيس المكلف سعد الحريري، والتي كان قد بدأها من مصر سعياً إلى حاضنة عربية وغربية لحكومته، فيدخل السرايا محصّناً بدعم خارجي.
ردود فعل مستنكرة
وكان قد عُثر على سليم أمس مقتولاً بإطلاق نار في رأسه داخل سيارته في بلدة العدوسية في الجنوب لبنان، بعدما كانت عائلته قدأبلغت عن اختفائه مساء الأربعاء، مشيرة الى أنه غادر مزرعة نيحا وكان يفترض به أن يعود الى بيروت.
وأوضح مصدر أمني في وقت لاحق أنّ “سليم كان يزور صديقاً له في الجنوب”، مشيراً إلى أن القوى الأمنية لم تعثر على أوراقه الثبوتية، وقد تعرّف قريبون منه إليه، وكشف عليه الطبيب الشرعي وتبيّن أنّه قُتل بـ4 رصاصات في الرأس و1 في الظهر”، مرجّحاً حدوث الوفاة عند الساعة الثانية فجر أمس. ولم تتمكن الجهات الأمنية بعد من تحديد ظروف الجريمة.
إلّا أن شقيقته رشا الأمير، وقبل الإعلان عن وفاته، ربطت اختفاءه بمواقفه السياسية. وقالت لـ”فرانس برس” انّ “لديه موقفاً، وإلّا لماذا يمكن أن يخطفوه؟”.
وطلب رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب “الاسراع” في التحقيقات لكشف ملابسات الاغتيال، الذي وصفه بأنه “جريمة نكراء”.
وغرد رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري على تويتر كاتباً: “لقمان سليم شهيد جديد على درب حرية لبنان وديموقراطيته، واغتياله لا ينفصل عن سياق اغتيالات من سبقه”. وأضاف: “لقمان سليم كان واضحا أكثر من الجميع، ربما في تحديد جهة الخطر على الوطن”.
وأصدر “حزب الله” بياناً دانَ فيه قتل سليم، وطالب الأجهزة القضائية والأمنية المختصة بالعمل سريعاً على كشف المرتكبين ومعاقبتهم، ومكافحة الجرائم المتنقلة في أكثر من منطقة في لبنان وما يرافقها من استغلال سياسي واعلامي على حساب الأمن والاستقرار الداخلي”.
واستنكرت السفيرة الاميركية دوروثي شيا اغتيال سليم، وقالت:”إننا ننضمّ إلى أصدقاء لبنان الآخرين وقادة البلد الذين قاموا بإدانة هذه الجريمة المروّعة، وندعو جميع القادة من مختلف الأطياف السياسية إلى القيام بالشيء ذاته. ونؤكد أيضاً ضرورة إجراء تحقيق سريع في هذه الجريمة وغيرها من عمليات القتل الحديثة التي لم يتم حلها، حتى يتمّ تقديم مرتكبي هذه الأعمال إلى العدالة”.
وعبّر المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش عن حزنه “لخسارة لقمان سليم المأسوية”، ووصفه بأنه “الناشط المحترم” و”الصوت المستقل والصادق”. ودعا السلطات للتحقيق بـ”سرعة وشفافية” في الاغتيال، مشدداً على ضرورة ألّا يشبه ما يحصل في التحقيق المستمر في انفجار مرفأ بيروت. وأضاف كوبيش: “الناس يجب أن يعرفوا الحقيقة”.
وأعرب سفراء فرنسا وسويسرا والاتحاد الأوروبي عن “حزنهم العميق” و”صدمتهم” إزاء الاغتيال.
وقالت نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية لين معلوف، في بيان، “كان لقمان سليم في طليعة المناضلين ضد الإفلات من العقاب في لبنان ما بعد الحرب” الأهلية.
وأضافت: “اليوم، لقمان سليم هو ضحية هذا النمط من الإفلات من العقاب الذي استمر لعقود”، مشيرة إلى أن مقتله يثير “مخاوف خطيرة من العودة إلى عمليات القتل المستهدفة، وتزداد هذه المخاوف في ظل تقاعس الدولة عن تحقيق أي عدالة في قضايا مروعة ومماثلة سابقاً”.
ودعت منظمة العفو، وكذلك منظمة هيومن رايتس ووتش، إلى تحقيق “مستقل وشفاف” في القضية.
عويدات وسويسرا
من جهة ثانية، أحال النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، عبر الطرق الديبلوماسية، النتيجة الأولية لطلب المساعدة القضائية المقدمة من السلطات القضائية السويسرية، في قضية تبييض الأموال المقامة من قبل النائب العام السويسري في وجه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشقيقه رجا سلامة ومساعدته ماريان الحويك، وذلك بعد أن زوّد الجهة الطالبة المعطيات بموجب رسائل إلكترونية.
وفي المقابل، طلب القاضي عويدات تزويده المستندات المتوافرة لديهم على أن يتم، إلحاقاً، تزويد الجهة المطالبِة المستندات من مصرف لبنان والهيئات المصرفية، على أن ينصرف النائب العام التمييزي الى درس كل المستندات المتوافرة، وما قد يَرِده من السلطات السويسرية وفقاً لطلبه، وما قد تتضمنه من أدلة كافية لإجراء تحقيق محلي مع المعنيين.
كورونا
وعلى الصعيد الصحي، أعلنت وزارة الصحة العامّة في تقريرها اليومي حول مستجدات فيروس كورونا أمس تسجيل3107 إصابات جديدة (3101 محلية و6 وافدة)، ليصبح العدد الإجمالي للإصابات 312269. كذلك اعلنت تسجيل 82 حالة وفاة جديدة، ليصبح العدد الإجمالي للوفيات 3397.
إضراب جامعي
على صعيد آخر، طالبت الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية، بعد اجتماع طارئ عن بُعد برئاسة د. يوسف ضاهر وحضور الأعضاء، “باستثناء الجامعة اللبنانية وأهلها من المواد الواردة في مشروع الموازنة المقدّم إلى رئاسة الحكومة، حيث أن هذه الموازنة ستؤسس لزوال القطاع العام من خلال المواد: (93، 99، 102، 103، 106، 107 و108)، ومن خلال تخفيض الموازنة”.
كذلك “طالبت الهيئة بزيادة هذه الموازنة لكي تستطيع الجامعة الاستجابة لحاجاتها والعمل سريعاً على تفرّغ الأساتذة المتعاقدين المُستَوفي الشروط، بالإضافة إلى إدخال الأساتذة المتفرغين والمتفرغين المتقاعدين إلى الملاك، وإعادة العمل بمجلس الجامعة بكامل صلاحياته”.
وأعلنت “الاستمرار بالإضراب الشامل في الجامعة اللبنانية خلال الأسبوع القادم (8-14 شباط). وسوف تعلنه إضراباً مفتوحاً، إذا لم يتم حذف المواد المذكورة أو استثناء الجامعة نهائياً منها”.