صحيح أن أكثر من موقف بشأن تدويل الأزمة اللبنانية قد صدر في الآونة الأخيرة، لكنها تبقى مواقف في إطار التمني أو الدعوة ممن يئسوا من حصول تطور إيجابي داخلي، فيما مثلُ هذا المسار، على التحديات الكبيرة التي تترتب عليه، ليس بالمتاح راهناً أقله من منظور اهتمامات السياسات الدولية الراهنة التي لها أولويات أخرى تماماً، باستثناء الإهتمام الفرنسي.
لكن رغم ذلك فإن الملف اللبناني بات في أروقة العواصم الخارجية، وباتت ولادة الحكومة مرهونة بمبادرة دولية ما تحرّك المياه الراكدة. وإذا كانت الأيام الأخيرة شهدت حركةً دوليةً ودبلوماسيةً لافتة، من عودة السفير السعودي وليد البخاري إلى لبنان، إلى الزيارة السريعة التي قام بها وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني يوم أمس، كما والقدوم المُتوقع لمستشار الرئيس الفرنسي نهاية الأسبوع، بالإضافة، إلى رسالة البابا فرنسيس، إلا أن العامل الخارجي، يبقى حتى الساعة ناقصًا مع غياب نوايا التسهيل الداخلية من أجل ولادة الحكومة في أقرب وقت لحل الأزمات التي تتعاقب يوميًا، وتقرّب لبنان من الإنفجار الشامل، خصوصا وأن كل المساعدات المُنتظرة من المجتمع الدولي مرتبطة بشكل مباشر وصريح بتشكيل الحكومة الجديدة والاصلاحات، وقد بات اللبنانيون بأمسّ الحاجة إلى هذه المساعدات، مع تفاقم الأزمة الفعلية على مستوى الدعم خصوصًا على صعيد المحروقات، كما باقي المواد الأساسية، ما يحتّم ضرورة إستجابة المسؤولين مع المبادرات الدولية وملاقاتها للإستفادة من زخمها وإنهاء حالة الفراغ القاتل.
في هذا الإطار، رأى عضو كتلة المستقبل النائب عثمان علم الدين أن “الحراك الدولي على الصعيد العربي من جهة، أو فرنسا من جهة أخرى، أمر إيجابي، وهو يتزامن مع تغيير الإدارة الأميركية، أما الهدف، فهو خرق جدار بعبدا، علمًا أن هذه المبادرات تتكامل مع المبادرة الفرنسية، ولا أحد يريد إلغاء هذه الأخيرة، كما أن المساعدات الخارجية مرهونة بتشكيل حكومة، لكن الغريب أن الدول الخارجية تبدي حرصًا على لبنان أكثر من بعض المعنيين في الداخل”.
علم الدين أشار في حديث لجريدة “الأنباء” الإلكترونية إلى أن “لقاء رئيس الجمهورية ميشال عون بالرئيس سعد الحريري لا يحتاج إلى مبادرات دولية، بل جُل ما في الأمر أن يطّلع الأول على التشكيلة الحكومية التي قدّمها الحريري ويرد خبرًا حولها، لكن يبدو أن هناك من يريد أن يطالب بالثلث المعطّل، ويطمَئن على مستقبل النائب جبران باسيل، أو فليصارحوا الرأي العام بحقيقة التعطيل”.
واعتبر علم الدين أن “الحاكمَين الفعليَين اليوم، هما باسيل وحزب الله، فالقرار بحوزتهما، والبطريرك مار بشارة الراعي “هز العصا” في عظته الأخيرة للعهد الذي يعمل وفق مصالحه الشخصية والفئوية، ويدّعي الحفاظ على حقوق المسيحيين في أن ممارساته فرّطت بهذه الحقوق”.
في المقابل رأى عضو تكتّل “لبنان القوي” إدغار طرابلسي أن “التحرّك الدولي يُفسّر الركود السابق على المستوى نفسه، إذ على ما يبدو ضغط الإدارة الأميركية السابقة كان له إنعكاساته على الصعيد الداخلي والخارجي، أما اليوم، مع حلول الإدارة الجديدة، عاد الزخم، وجميع المبادرات الحالية تكمّل المبادرة الفرنسية، وبالتالي قد يشير هذا الحراك إلى بوادر حلحلة، لكن الأمر حاليًا يتوقف عند هذا الحد، بإنتظار ما ستؤول إليه الأمور في الأيام المُقبلة”.
لكن إقرار طرابلسي بالرهان على تأثير الحراك الدولي، عاد وناقضه بالقول إن “الإيمان بلبنان ينطلق من كونه بلد سيّد نفسه، دون الإنتقاص من سيادته، ومن المعيب أن نطلب من الخارج مساعدتنا، ما يعني أننا عدنا إلى زمن الوصاية، أما المبادرات التي تنم عن حسّ المساعدة وتكمّل التحركات الداخلية، فنحن نتجاوب معها”. وكرر في حديثه لجريدة الأنباء الالكترونية أن “المطلوب من اليوم من الحريري زيارة عون لمناقشة الملف الحكومي وإياه، لأن عملية التشكيل مناطة بالطرفين، والأخير ليس باش كاتب، وما صدر في الفترة الأخيرة يحتمل الكثير من التضليل والتأويل”.
وعلى جبهة الردود والردود المقابلة بين التيار الوطني الحر وحركة أمل، استغرب عضو كتلة التنمية والتحرير محمد خواجة “تعرّض نواب التيار لعمل المجلس النيابي، علمًا أن البرلمان أقر عددًا لا بأس به من القوانين في ظل الشلل الحكومي وجائحة كورونا وهي عوامل تُضعف النشاط النيابي، ومنها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وآلية تعيين موظفي الفئة الأولى الذي صوت ضده نواب التيار وطعنوا به، كما ولم يوقّعه رئيس الجمهورية”.
وعن احتمالات تدويل الأزمة اللبنانية، لفت خواجة في إتصال مع “الأنباء” إلى أنه “لا يشاطر من طرح هذه الطروحات، خصوصًا وأن لا إجماع داخلي حول هذه الأمور، والطموح لأطيب العلاقات مع مختلف دول العالم، سيما منها العربية والإسلامية، ينبغي أن يواكبه أن نكون مجتمعًا متماسكًا في دولة مواطنة، ولا يجوز أن نتجه إلى الخارج كل ما أردنا تشكيل حكومة”.
وأطلق خواجة عبر “الأنباء” نداءًا للرئيسين عون والحريري، داعيًا إياهما لـ”الإجتماع والإتفاق على التشكيلة الحكومية، والشروع بالإصلاحات التي ينادي بها المجتمع الدولي”.
وفي هذه الغضون لا تزال التحقيقات بانفجار المرفأ تسير على وتيرة جد بطيئة تترك الكثير من علامات الاستفهام، ورغم إعلان المحقق العدلي القاضي فادي صوان عودته إلى متابعة التحقيقات والإستماع إلى الشخصيات في ملف إنفجار مرفأ بيروت بعد أن توقف عن العمل لأكثر من شهر، فإن المؤشرات المتقاطعة لا تشي بأي تقدم.
الخبير الدستوري إدمون رزق إعتبر أن “هناك واجباً مباشراً على القضاء، ينص على متابعة التحقيقات، إذ لا تعالج الأمور بالتأجيل أو بإنزال الضغوط، والقضاء من واجبه التصرف بحرية وشفافية ومهنية، لتحقيق العدالة”.
وأشار رزق في حديث مع “الأنباء” الإلكترونية إلى أن “الأمور لا يُمكن أن تُعالج بالتهرّب إنما بالمواجهة، فإما نعود إلى كنف دولة القانون، وإما أن تكون هذه تصفية متعمّدة للوطن”. وشدد رزق على أنه “لا يجوز استباق التحقيقات بالشبهات، لكن كشف الحقائق هو واجب مُلحّ لتجنيب البلد دخول المتاهات، كما أنه ليس هناك من مجال للتنظير في المسائل الموضوعية، إذ عندما تُرتكب الجرائم، فالواجب الحتمي البدء بالتحقيقات حتى الوصول إلى المحاكمة”.
”وبعد الإنتهاء من الإستماع إلى الشخصيات التي يستدعي صوّان”، يتابع رزق، “من المفترض عليه أن يكوّن فكرة عن الموضوع ويصدر قراره الظني، وفي حال كان من أمور خفية أو عصيّة، على صوّان أن يشير إليها”.
وعلى خطٍ آخر، سجل عدّاد كورونا 2879 إصابة جديدة و60 حالة وفاة يوم أمس، ما يعني أن الأرقام لا زالت مرتفعة، في حين أن اليومين الأولين من الفتح التدريجي شابتهما العشوائية والفوضى والإكتظاظ أمام مراكز البيع، ما قد يطيح بأي أمل لخفض الأعداد في المدى المنظور. هذا في حين أعلن وزير الصحة حمد حسن وصول أول شحنة من لقاح ”فايزر” يوم السبت المقبل، لتنطلق عملية التلقيح يوم الأحد.
وفي هذا الوقت لا تزال المستشفيات تعاني جرّاء دخول أعداد كبير من المصابين، وهو أمر أكده نقيب المستشفيات الخاصة سليمان هارون في إتصال مع “الأنباء” الإلكترونية، وقال: “هناك تراجعٌ طفيف في أعداد المرضى الذين تستوجب حالتهم الإستشفاء، لكن الأمر ليس كافٍ، فالمستشفيات تعمل بقرب القدرة الاستيعابية القصوى، والأقسام المخصصة لمرضى كورونا لا زالت ممتلئة بالكامل، لكن قد تكون أعداد المرضى الذين يمكثون في أقسام الطوارئ قد تراجعت نسبيًا”. هارون ذكر أن “المستشفيات التي ستكون مشمولة ضمن مراكز التلقيح بدأت بتجهيز المستلزمات، إلّا أن الاستيراد سيتم عبر الدولة فقط”.