بمعزل عن اللقاء بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، تتصرف دوائر الرئاسة الأولى على أساس أنّ الكلمة الفصل الأخيرة في التأليف ستبقى بيد رئيس الجمهورية ميشال عون، وكل جولات الحريري لن تغنيه عن الرضوخ في نهاية المطاف للشروط التي تخوله نيل توقيع عون على تشكيلته… على اعتبار أنّ كل “المشاورات الخارجية لا بد وأن تصبّ في مسار يصل في نهاية المطاف إلى مكتب رئيس الجمهورية، فإما يقتنع فيوقّع أو لا يقتنع فلا يوقّع” كما جاء في خلاصة الرسالة العونية مساءً عبر شاشة “أو تي في”.
وما لم تقله الرسالة “عبر الأثير” عن كباش التأليف الحاصل بين بعبدا والإليزيه، نقلته مصادر ميرنا الشالوحي “بصريح العبارة” قائلةً: “على الجميع أن يعلم جيداً أنّ الرئيس عون لن يكون “باش كاتب” عند أحد لا في الداخل ولا في الخارج، وهو لن “يبصم” على أي تفاهمات داخلية ولا خارجية ما لم تمتثل لمطالبه باحترام الأصول الدستورية، وبالتالي ليس على الرئيس المكلف سوى أن يتعامل مع أمر واقع لا مفر له منه، ولو جال القارات السبع، وهو أنّ طريق التأليف يمرّ من بعبدا”.
وعلى المقلب الآخر، ترى مصادر مراقبة في قراءتها لتصلّب الموقف العوني أنه يستند إلى خط الإسناد الذي يؤمنه “حزب الله” لـ”التيار الوطني الحر” في معركته الحكومية ضد الرئيس المكلف، موضحةً أنّ إيران تخوض راهناً هجوماً عسكرياً وسياسياً يمتد من اليمن إلى لبنان في الوقت الضائع بعد تولي جو بايدن زمام الإدارة الأميركية، وعليه فإنّه من المتوقع أن تشهد هذه المرحلة هجوماً مزدوجاً من “التيار” و”الحزب” على الحريري لدفعه إلى تقديم التنازلات كما حصل إبان تأليف الحكومة التي أعقبت انتخابات العام 2018 عندما تم حلّ عقدة تمثيل “القوات اللبنانية” ثم ما لبث أن اصطدم بعقدة تمثيل سنّة 8 آذار وتم دفعه إلى التنازل عن مقعد من حصته لصالح “اللقاء التشاوري”، ليبقى السؤال اليوم: “هل يفعلها الحريري ويتنازل مجدداً؟ سيّما وأنّ مصدر قوته الوحيد يكمن في استمراره بمعادلة عدم التنازل وعدم الاعتذار؟”.
وفي سياق متقاطع، برز خلال الساعات الأخيرة تصويب رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع على “التحالف الشيطاني” القائم بين كل من “التيار الوطني” و”حزب الله”، معرباً عن ثقته بأنّ أياّ من طرفيه ليس في وارد فك هذا التحالف الذي تجمعه “مصالح جهنمية”، ودعا من هذا المنطلق إلى عدم المراهنة على ذلك، لأنّ الطرفين لديهما “مصالح مشتركة على حساب الدولة”، مستغرباً الرهان على حزب “Anti – دولة” في أن يبني الدولة، مع تذكير جعجع بدور “التيار الوطني” أيضاً في منع بناء الدولة والحؤول دون مكافحة الفساد، خصوصاً وأنه “منذ أن استلم الرئيس ميشال عون الحكم سرت أوسع موجة فساد” في البلد.
وتزامناً، استرعى الانتباه الاتصال الهاتفي الذي أجراه الحريري برئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط عند العاشرة من ليل الثلاثاء، كما أوضحت مصادر قيادية اشتراكية لـ”نداء الوطن”، كاشفةً أنّ الاتصال اتسم في الشكل “بكثير من الود على المستوى الشخصي لا سيما وأنه أتى بعد الموقف الإيجابي الذي اتخذه جنبلاط إزاء الحريري إثر فيديو بعبدا المسيء بحقه”. أما في المضمون، فتناول التشاور مختلف جوانب الواقع الحكومي “بحيث يمكن القول إنه أصبح هناك تقارب في وجهات النظر بخلاف الفترات الماضية”.
وإذ شددت على أنّ “الاستعصاء في التأليف باتت واضحة أسبابه”، أكدت المصادر أنّ جنبلاط أكد وقوفه مع الحريري “لأبعد حدود”، وأنهما تناقشا خلال الاتصال في مستجدات المواقف وفي نتائج جولة الرئيس المكلف الخارجية واتصالاته وصولاً إلى مبادرة الرئيس نبيه بري التي سرعان ما اصطدمت “بالحائط المسدود نفسه المرتكز على مطلب جبران باسيل بالاستحواذ على الثلث المعطل في الحكومة”، منوهةً بأنّ التواصل سيستمر بين الجانبين اللذين اتفقا على استكمال التشاور بعد لقاء الحريري بماكرون.