على غرار “الإدارة الإيرانية الحربية” للحوثيين في اليمن الذين انبروا غداة الخطوات المرنة للإدارة الأميركية الجديدة الى تصعيد اعتداءاتهم على المملكة العربية السعودية فقصفوا مطار أبها، ينسحب الأسلوب نفسه على إدارة الازمة الحكومية في لبنان من خلال تحالف العهد و”حزب الله” بما يبقي تعطيل تشكيل الحكومة عاصياً على كل المبادرات والوساطات الداخلية والخارجية. وإذ لم يتبدل المشهد المازوم عقب الزيارة التي قام بها نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني لبيروت بعد حرصه على وضع أهدافها في اطار واقعي غير مضخم، فإن الأنظار ظلت مشدودة الى نتائج اللقاءات التي يجريها الرئيس المكلف سعد الحريري في باريس والتي يفترض ان تكون مفصلية لجهة بلورة الاتجاهات التي ستسلكها المبادرة الفرنسية في ظل امعان الحكم في تعطيل تاليف الحكومة الا اذا برزت ملامح مرونة طارئة لديه.
وقد بحث الحريري مساء مساء امس مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون خلال عشاء عمل في قصر الرئاسة الفرنسية في الصعوبات اللبنانية الداخلية التي تعترض تشكيل الحكومة وفي السبل الممكنة لتذليلها.
وتناول اللقاء الذي دام ساعتين آخر التطورات الاقليمية ومساعي الرئيس الحريري لترميم علاقات لبنان العربية وحشد الدعم له في مواجهة الازمات التي يواجهها، اضافة الى جهود فرنسا ورئيسها لتحضير الدعم الدولي للبنان فور تشكيل حكومة قادرة على القيام بالاصلاحات اللازمة لوقف الانهيار الاقتصادي واعادة اعمار ما تدمر في بيروت جراء انفجار المرفأ في آب الماضي.
من جهة ثانية، ذكر انه الى الرغبة القطرية في إعادة احياء دورها بفعالية في لبنان، فانه من غير المستبعد ان يكون هناك تنسيق بين قطر وفرنسا حيال هذا الامر، ولا بد من رصد ما سيحصل في قابل الأيام للتحقق منه. ولكن المخاوف ظلت قائمة من استراتيجية التعطيل التي تستهدف احباط كل المبادرات والوساطات الحميدة. ولكن المؤشر العام الأبرز للاتجاهات المتعلقة بالازمة الحكومية سيبرز على الأرجح في الكلمة المتلفزة التي سيوجهها الرئيس الحريري الاحد المقبل لمناسبة الذكرى الـ16 لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري بعدما اعلن “تيار المستقبل” الغاء كل الاحتفالات لاحياء هذه المناسبة بسبب جائحة كورونا واقتصارها على كلمة الرئيس الحريري الذي سيعود الى بيروت قبل الاحد.
وفي الانتظار، بدت لافتة عودة قناة التشاور الحريرية الجنبلاطية اذ تلقى رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط اتصالاً من الحريري، جرى في خلاله عرض مختلف مستجدات الملف الحكومي ومجمل الأوضاع العامة وكانت مقاربة مشتركة للتطورات الراهنة. وقالت مصادر الاشتراكي ان الاتصال يأتي في سياق المشاورات المستمرة مع الرئيس الحريري في ملف تأليف الحكومة وفي القضايا المحلية الاخرى وكانت وجهات النظر متقاربة. واضافت “لنترك المجال للاتصالات الداخلية والخارجية التي تحصل على امل ان نشهد تحريكاً لموضوع الحكومة المتأخر لأن الوضع لا يحتمل”. وعلمت “النهار” ان جنبلاط اكد للحريري دعم موقفه تماما في الملف الحكومي وان الاتصال بينهما عكس استمرار التعقيدات عند موضوع الثلث المعطل.
وكان وزير الخارجية القطري حرص على تبديد الانطباعات المضخمة عن زيارته وادرجها في اطار الاستعداد القطري للمضي في دعم لبنان، ولكن من خلال حض المسؤولين اللبنانيين على استعجال تشكيل الحكومة، نافيا ان يكون تنظيم مؤتمر حوار لبناني في الدوحة مطروحا الان. وأكدت مصادر الذين التقاهم ان الزيارة كانت بهدف تأكيد قطر ان لبنان غير متروك وإبداء استعداد الدوحة للمساعدة في كل المجالات من دون ان يحمل مبادرة محددة بل شدد على ضرورة الوصول الى تاليف الحكومة لانها ستكون باب المساعدات من خلال برنامج اقتصادي متكامل. كما انه قطع الطريق على الاجتهادات التي ذهبت الى ان توقيت زيارته لبيروت التي تزامنت مع وجود الرئيس الحريري في باريس تهدف الى نسف المبادرة الفرنسية الامر الذي نفاه الوزير القطري بل شدد على ان تحرك بلاده حيال لبنان يكمل التحرك الدولي.
وسط هذه الأجواء استوقف المراقبين مضي البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي في التركيز على مطلب عقد مؤتمر دولي للبنان الذي طرحه قبل أيام على رغم ان هذا الموقف اثار انزعاج الحكم وجهات أخرى من حلفائه وفق ما بات معلوما. وفي مناسبة عيد القديس مارون اعرب الراعي عن اسفه “لتنافس المسؤولين على تعطيلِ الحلول الداخلية ما يدفعنا إلى التطلّعِ نحو الأمم المتحدة للمساعدة على إنقاذ لبنان. فمن واجبها أن تَعكُفَ على دراسةِ أفضلِ السبلِ لتأمينِ انعقادِ مؤتمرِ دولي خاصٍ بلبنان، يعيد تثبيتَ وجودِه ويمنع سقوطه” مؤكدا ان “لبنان يحتاج اليوم إلى دورٍ دوليٍّ حازمٍ وصارمٍ يُطبِّق القراراتِ السابقةَ من دونِ استثناء واجتزاءٍ، حتى لو استدعى الأمرُ إصدارَ قراراتٍ جديدةٍ. جميعُ اللبنانيّين بحاجة إلى إنقاذ، فكلنا في محنةٍ أمام الواقعِ المأزوم. وكلّما أسْرعنا في هذا المسار كلما جاء الحل في إطار وحدة لبنان وشراكتِه السامية، وكلما تأخّرنا تاهَ الحلُّ في غياهبِ العنف والانقسام من دون رادعٍ وكابِح، وما من منتصر”.
وفي التفاعلات السياسية لموقف الراعي اعتبر رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع ان “جوهر الدعوة صحيح ونؤيده بالمطلق غير انه لا يؤمن الانقاذ على المدى القريب فيما الوضع لم يعد يحتمل، ويوجب انقاذا سريعا لا نراه الا عن طريق الانتخابات المبكرة”. ووصف جعجع ما يجري بين التيار وحزب الله بالملهاة المأساة وقال: “تحالفهم شيطاني اقحم البلد في اتون جهنم. وكل ما يرد في بياناتهم لا اصدق كلمة واحدة منه. مصالح جهنمية جعلت وجودهم متعلقا بارتباطهم هذا، فإن فكوه سقطوا وفقدوا عنصر قوتهم الأساس”.